سلسلة (كلمات ربي وآياته في القرآن والكون).. كلمة {أَلْوان} في القرآن الكريم

 أ.د.أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية)
أ.د.أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية)

يقول أ.د.أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية) في حلقة اليوم من سلسلة (كلمات ربي وآياته في القرآن والكون):

52-{أَلْوان}: ورد كلمة "لون" في القرآن الكريم مرتين في قوله تعالى: { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} (سورة البقرة: 69)، ووردت كلمة "ألوان" سبع مرات في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (سورة الروم: 22)، وفي قوله جل وعلا: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}(سورة النحل: 13)، وفي قوله جل شأنه: { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (سورة النحل: 69)، وفي قوله سبحانه: {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} (سورة الزمر: 21)، وفي قوله عز من قائل: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ(27) وَمن النَّاس وَالدَّوَاب والأنعام مُخْتَلف ألوانه إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء إِن الله عَزِيز غَفُور} (سورة فاطر: 27، 28). 

ويتجلى جمال الكون في كل ما خلقه الله سبحانه وتعالى من ألوان النبات والحيوان والجماد، بل وألوان كل ما دقَّ من ذرات وجسيمات وموجات كشفت عنها تقنيات وأجهزة العصر الحديث. 

والألوان ظاهرة ضوئية يدركها الإنسان والحيوان عن طريق حاسة البصر، لكن تفسيرها العلمي ظل يتخبط لآلاف السنين بين العلم والخرافة دون سند من تجربة أو برهان إلى أن جاء عصر الحضارة الإسلامية الذي هيأ لعلماء المسلمين أسلوبًا علميًّا سليمًا للبحث في الظواهر الكونية، فقدم البيروني وابن سينا وابن الهيثم وكمال الفارسي وغيرهم تفسيرات جادة لظهور قوس الألوان (قوس قزح) بانعكاس ضوء الشمس وانكساره من قطرات ماء مطر في السماء الغائمة، وحاولوا تفسير ظواهر أخرى، مثل ظهور الشفق الأحمر عند غروب الشمس، واشتداد زرقة السماء عند الظهيرة، وغير ذلك. 

على أن ما جاء به إسحق نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي كان نقطة تحول كبرى في دراسة طبيعة الضوء والظواهر الضوئية، وكانت له تجربة رائدة أمرّ فيها شعاعًا من ضوء الشمس في منشور زجاجي ثلاثي واستقبله من الجانب الآخر على حاجز، فوجد أنه قد اتخذ شكل حزمة من الألوان المتتابعة شبيهة بألوان قوس قزح، ومن ثم أثبت أن ضوء الشمس الأبيض إن هو إلا خليط من أضواء ملونة تميز العين منها سبعة ألوان هي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي. وتشكل هذه الألوان ما يسمى "بطيف الضوء المرئي" الذي يتكون في حقيقة الأمر من عدد لا نهائي من الألوان المتدرجة في التغير. 

وبعد أن استقرت النظرية الموجية للضوء أصبح من المألوف التفرقة بين الأضواء الملونة المختلفة بدلالة الطول الموجي لكل منها، فالضوء الأحمر هو أطولها موجة، ويليه بالتدريج بقية الألوان حتى البنفسجي وهو أقصرها. وطبقًا لهذا التصور الحديث لطبيعة الضوء والألوان أمكن تعليل ظواهر قوس قزح وزرقة السماء وحمرة الشقق تعليلاً أكثر دقة من ذي قبل. فلكي نرى قوس قزح لابد أن يكون في سماء صافية بعد سطوع الشمس في يوم مطير، وأن تكون أشعة الشمس غير عمودية، أي عند الشروق أو قبيل الغروب، حيث تعمل قطرة المطر عمل المنشور الزجاجي فيتحلل الضوء بسهولة إلى ألوانه الأساسية التي نسميها "الطيف الضوئي". 

اقرأ أيضا| سلسلة «كلمات ربي وآياته في القرآن والكون».. معنى «أَكْنان»

وبالنسبة لزرقة السماء فيمكن تعليلها بما دلت عليه التجارب العملية من أن درجة تشتت ضوء الشمس الأبيض عند اختراقه طبقات الجو المحيطة بالكرة الأرضية – بفعل جزيئات بخار الماء والغبار والجسيمات الدقيقة السابحة في الهواء – تختلف باختلاف طول موجة الضوء. فهي كبيرة للأمواج القصيرة وصغيرة للأمواج الطويلة، ومعنى ذلك أن الضوء الأزرق ذا الطول الموجي القصير يتشتت بدرجة أكبر كثيرًا من تشتت الضوء الأحمر حتى يكاد يملأ السماء فتبدو زرقاء. 

أما ظهور اللون الأحمر الجميل المميز للشفق عند الشروق أو الغروب فيعزي إلى أن الضوء القادم من الشمس يمر خلال طبقة سميكة جدًّا من جو الأرض قريبًا من سطحها، وهناك تتشتت مركبته الزرقاء وتبقى الحمراء التي تصلنا حاملة معها لون الشفق.

ورغم أن تحليل الضوء الأبيض خلال مروره في منشور زجاجي يعطينا سبعة ألوان، إلا أن الألوان الأساسية فيه ثلاثة فقط هي الأحمر والأخضر والأزرق. فإذا تم مزْج ضوء هذه الألوان الأساسية الثلاثة مع بعضها حصلنا على الضوء الأبيض، وإذا مزجنا ضوء اللون الأحمر مع الأخضر حصلنا على اللون الأصفر، وإذا مزجنا ضوء اللون الأزرق مع الأخضر حصلنا على اللون الأزرق السيانيدي، وإذا مزجنا ضوء اللون الأزرق مع الأحمر حصلنا على الأحمر القرمزي (الماجنتا)، وهذه هي طريقة مزج الألوان في التليفزيون الملون، حيث يصوّر الجسم ثلاث صور من خلال ثلاثة مرشحات ملونة بالأحمر والأزرق والأخضر، وتستعاد الصورة النهائية الملونة بطبع أو إسقاط هذه الصور الثلاث فوق بعضها البعض.

والعين ترى اللون الأخضر لأوراق الشجر، لأن هذه الأوراق تمتص كل الألوان الساقطة عليها من الضوء ولا يرتد منها إلى العين سوى اللون الأخضر. وهكذا تكتسب الأجسام ألوانها المميزة التي نراها عليها. أما الجسم الأبيض فيعكس جميع الألوان، بعكس الجسم الأسود الذي يمتص كل ألوان الضوء الساقط عليه. ولهذا يفضل أن تكون ألوان الملابس الصيفية بيضاء أو فاتحة اللون حتى لا تمتص أشعة الشمس وتسبب الإحساس بالحرارة، بينما يفضل أن تكون الملابس الشتوية سوداء أو غامقة اللون حتى تمتص الأشعة وتسبب الإحساس بالدفء.

أما عملية الإبصار التي أنعم الله بها على الإنسان والحيوان ليباشر حياته ويرى كل ما يحيط به من أشياء فإنها تتم بواسطة العين التي تستقبل الأشعة الضوئية حاملة معها صور المرئيات وألوانها، وتكون لها صورة حقيقية مقلوبة على الشبكية، ثم تقوم شبكة الأعصاب الحساسة على الشبكية بنقل الصور إلى المخ وتتم الرؤية السليمة. ولا يزال العلم عاجزًا حتى الآن عن معرفة حقيقة ما يحدث في العين ذاتها عندما تستقبل ضوءًا معينًا وتحوله إلى إحساس بلون خاص مميز.

ومن الظواهر المتعلقة بإدراك الألوان ما يعرف بظاهرة استمرار الرؤية وظاهرة الإجهاد. أما الأولى فتحدث إذا ما ركزت العين على ضوء أبيض ساطع لفترة طويلة ثم أغمضت، حيث يتراءى لها أن الضوء ما زال مستمرًا، وهي الظاهرة المطبقة في السينما والتليفزيون، وأما الثانية فتحدث عند تركيز النظر على جسم أبيض ناصع خلفه أرضية سوداء داكنة ثم تحويل النظر بعد ذلك إلى حاجز أبيض، فيتراءى للعين بقعة سوداء مكان الجسم الأبيض.