سلسلة «كلمات ربي وآياته في القرآن والكون».. معنى «الأَكمَهَ وَالأَبرَص»

أحمد فؤاد باشا
أحمد فؤاد باشا

تواصل بوابة أخبار اليوم نشر سلسلة "كلمات ربي وآياته في القرآن والكون" للدكتور أحمد فؤاد باشا عضو مجمع اللغة العربية، وحلقة اليوم بعنوان "الأَكمَهَ وَالأَبرَص".

اقرأ أيضا|في ذكرى وفاته.. محطات فنية في حياة العندليب

وردت كلمة "الأكمه" متبوعة بكلمة "الأبرص" في القرآن الكريم مرتين: (سورة آل عمران: 49)؛ (سورة المائدة: 110)، في سياق المعجزات التي أيَّد الله – تعالى – بها رسوله عيسى عليه السلام من كونه يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله. قال تعالى: { وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ} (سورة المائدة: 110)، وقال سبحانه: {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ} (سورة آل عمران: 49).

والأكمه هو الأعمى أو الأعشى أو الأعمش، واللفظ يشير إلى خلل في البصر، إما أن يكون خِلْقيًّا، أي يولد به صاحبه، وإما أن يكون مكتسبًا، وكذلك إما أن يكون كاملًا، فهو العمى، وإما أن يكون دون ذلك. وأسبابه كثيرة، فقد يكون الخلل في قرنية العين أو عدستها، أو الشبكية بقاع العين، أو العصب البصري، فالمسالك العصبية هي التي تحمل صور الأشياء إلى مركز الإبصار في المخ، أو عجز مركز الإبصار نفسه. ويدل السياق القرآني على أن الخلل في الأكمه ليس من النوع العارض أو الذي يعرف له علاج، فقد كان إبراؤه على يد عيسى عليه السلام بمثابة المعجزة.

وعلى الرغم من ورود كلمة "عمى" في القرآن الكريم مرات عديدة، إلا أن التعبير بالأكمه اقتصر على معجزة عيسى عليه السلام، مما قد يشير إلى أن الكمه شيء دون العمى، أو أنه عاهة عرفت بين بني إسرائيل على زمن عيسى عليه السلام.

أما البرص في اللغة فهو بياض يصيب الجلد، وأشيع أنواعه مرض البهاق، وفيه تخلو مساحات من الجلد من المادة الصبغية السوداء فتبدو بيضاء بين بقية الجلد بلونه الطبيعي. ويرجح بعض المفسرين أن هذا النوع لم يكن هو المقصود في الآية، فالبهاق أمر غير خطير، ولا يعيب إلا المنظر، لكن المقصود على الراجح هو مرض الجذام Leprosy، وبه كذلك في الغالب بقع جلدية بيضاء، فيكون المريض كذلك أبرص.

ولفظ المجذوم Leper هي الكلمة المستعملة لترجمة الأبرص (في التراجم الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم) وفي الأناجيل المكتوبة بالإنجليزية.

والروايات الإنجيلية متواترة على الموقف البار من عيسى عليه السلام بالمجذومين إذ خالطهم ولمسهم حيث لفظهم الناس واعتزلوهم خوف العدوى منهم.

وينتج هذا المرض عن العدوى بجرثومة عصوية تشبه جرثومة السل، يصعب استزراعها في المحاليل لكي تزرع في بعض الحيوانات.

ولا تنتقل العدوى بسهولة، بل على مدى زمني طويل من المخالطة الوثيقة، وإلى المرضى ضعيفي المقاومة، إذ تدخل الجرثومة خلال الجلد أو غشاء الجهاز التنفسي باستنشاق الرذاذ الملوث، وبعد فترة حضانة تتراوح بين أسابيع وسنوات طويلة تظهر الآثار على الجلد أو بطانة الأنف، أو تصيب الأعصاب الطرفية في مناطق مختلفة فيضيع الإحساس، مما يعرضها للإصابات والقروح لأنها لا تحس، وتنشلّ العضلات الصغيرة فيحدث تشوه في اليد أو الأطراف، وتغشى الوجه درنات مختلفة الأحجام مع بقع بيضاء، مما يشوهه ويعطيه ملامح كملامح الأسد، وقد تتآكل قطع منه أو من الأنف أو الأذن أو سائر الجسم فتنفصل وتسقط.

ويتخذ المرض مسارًا مزمنًا، ولكن مستمرًا حتى يفضي إلى الموت بالعدوى الثانوية القيمية أو التشمّع الكبدي أو الكلوي.

ويوجد بالعالم اليوم نحو عشرة ملايين مريض بالجذام، وقد استنبطت منذ سنوات أدوية تقتل الميكروب، ولكن أفضل نتائجها في الأدوار الباكرة من المرض، وقبل أن تحدث التشوهات أو تهلك الأنسجة، وهو مالا يمكن تداركه.

ولم يكن لهذا المرض الوبيل في عهد عيسى عليه السلام دواء، وكان المصابون عادة مشوهين وتعساء، ولهذا فقد كان إبراء عيسى عليه السلام لهذا الداء بلمسة منه معجزة حقًا وآية من آيات الله.