أخر الأخبار

أخطر الجماعات الدموية فى التاريخ الإسلامى «3» .. الجهاردية خفافيش الظلام الذين أثاروا الرعب فى بلاد الشام

جماعة الجهاردية
جماعة الجهاردية

أحمد‭ ‬الإمام

 الإخوان المسلمون وداعش والقاعدة وغيرها من الجماعات التي تدثرت بعباءة الدين لتحقيق أهداف سياسية وأغراض دنيوية زائلة ليست نبتًا شيطانيًا وليد اليوم ولكنها امتدادًا لجماعات مارقة أبتلي بها التاريخ الإسلامي ولطخت بدمويتها وجرائمها الصورة الناصعة النقية لديننا الحنيف.

على مدار أسابيع شهر رمضان الكريم نستعرض تاريخ بعض هذه الجماعات الغامضة .. كيف بدأت وتوسعت حتى صارت مصدر رعب وإزعاج دائمين لجميع ممالك هذا الزمان ..

الجهاردية عبارة عن تنظيم يمتلك أيدولوجية دينية، ولكنه تطور كثيرًا ليصبح تنظيمًا مسلحًا يقدم الدعم لدول وامبراطوريات معينة، وهذا التنظيم ليس حكرًا على الدين الإسلامي، ولكنه أصبح حركة عامة تشمل بعض غير المسلمين، وكان الظهور الأول للتنظيم الذي يعتنق فكرة المهدي الذي يظهر آخر الزمان على يد المختار الثقفي، وهو صاحب الحركة الكيسانية، وقد أراد الثقفي أن يثأر من قتلة الإمام الحسين من خلال ثورة دينية مسلحة.

وكان كل ما ينقص المختار في هذه الثورة هو الحصول على موافقة أصحاب الدم على تلك الثورة ؛ فقال بإن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب هو المهدي، وأصبحت هذه المقولة صكًا لثورة المختار حتى وإن كان لم يقصد بها بأنه إمام آخر الزمان، انتهت أحداث الثورة التي قام بها المختار بمقتل 100 شخص من المتورطين في مقتل الحسين ، ليصبح المختار حاكمًا على الكوفة ، حتى انتهت دولته على يد آل الزبير، وقد قُتل من الطرفين عشرة آلاف شخص، كان من بينهم ستة آلاف ينتمون إلى أسرى جند المختار.

الجهاردية فى العصر العباسى

استعادت الدولة العباسية فكرة الاعتقاد في الإمام المخلص مع القيام بالدعوة لبني العباس ، وقد قام العلويون بالتحالف معهم من أجل القضاء على الأمويين، وبالفعل انهارت الدولة الأموية وأصبح أبو العباس السفاح هو أول الخلفاء العباسيين ، ثم جاء الصدام مع العلويين ؛ حيث أن فكرة المهدية كانت حاضرة في أذهان العباسيين حينما قتلوا حلفاءهم القدامى دون أن يستثنوا حتى آل البيت ، ثم أطلقوا لقب المهدي على واحد من حلفائهم وهو المهدي والد هارون الرشيد.

تجددت فكرة الاعتقاد بالمهدي على الطريقة الجهاردية في منتصف عهد الدولة العباسية ، ولكن كان ذلك عبر مجتمع البربر ؛ حيث تسارعت الأفكار وبدأ ظهور الدولة الفاطمية على يد عبيد الله، وهو الذي ألصق لقب المهدي باسمه مع داعيه عبدالله الشيعي ، ليقوم عبيد الله المهدي بقتل داعيه بعد قيام الدولة الفاطمية، وفيما بعد استقر وجود الدولة الفاطمية في مصر، لينبثق تنظيمين من فكرة المهدي وهما جماعة إخوان الصفاء وخلان الوفاء وكانت اسهامات هذا التنظيم فلسفية وفكرية بحتة، والتنظيم الثاني عُرف باسم الحشاشين وكان عبارة عن تنظيم ديني مسلح يعمل على دعم الحاكم ، كما ظهرت بعض الجماعات الأخرى في البلاد المختلفة والتي تأثرت كذلك بفكرة المهدي.

الجهاردية فى الدولة العثمانية

كان عهد سليم الأول عهدًا ترويجيًا لفكرة أنه الشبيه للإمام المخلص ، وذلك لأنه هزم المماليك في مرج دابق ، كما أن الطرق الصوفية في مصر كانت داعمة لفكرة المهدي المنتظر ولكن بالشكل الديني لا السياسي ، بينما دعم العثمانيون بالطرق الصوفية ذات الأبعاد الشيعية الباطنية، كما قامت بتسليح بعضهم في بعض الأحيان.

أسرار الحروف

وكلمة جهاردية من «جهاردة» وهو رقم 14 باللغة الفارسية، الذى يؤدى إلى علم طلسم الكون بالأرقام، خاص بعلم السحر وطلاسم الكون وعلم السيمياء (أسرار الحروف).

وبحسب الباحث عمرو عبد الرحمن فى دراسة بعنوان «الجهاردية العثمانية سر ممالك النار؛ الحقيقة والأسرار» نشر بمؤسسة الحوار المتمدن للأبحاث، فإن أول ما عرفها العرب بعد فتح امبراطورية الفرس، فى عهد الصحابى عبد الله بن عمر ابن الخطاب، رضى الله عنهما، وبدأت بلعبة مثل الطاولة اسمها «لعبة الـ14»، سماها العرب «الشهاردة» وسماها المصريون «المنقلة»، وقد حاربها «ابن عمر» -رضى الله عنه- لما انتشرت فى بيوت المسلمين لدرجة أنه حطمها لما وجدها فى بيته، لأنها تخلط اللعب بالحلف بالله!

“الشهاردة” هي أصلها كلمة فارسية ينطقون بها “جهاردة” كما جاء فى رواية عبد الرزاق (10 / 466) ومعناها: (لعبة أربعة عشر).

لكن مع مرور الزمان تطورت «الجهاردة» من مجرد لعبة إلى خرافة لها جذور وأسهمت فى الدولة العثمانية مساهمات متعددة منذ أن ظهرت كحركة حقيقية اسمها «الحروفية».

ووفقًا للدراسة سالفة الذكر، فإن مصدر اللعبة طريقة باطنية فارسية «شيعية» اسمها «الحروفية» أسسها فضل الله بن عبد الرحمن الحسينى الاستراباذى، وهو شيعى منسوب لآل البيت رغمه أصوله الفارسية، ودعمت تلك الطريقة الدولة العثمانية الاستعمارية.

ويوضح كتاب «الفكر الباطنى فى الأناضول» تأليف بديعة محمد عبد العال، أن علماء الإسلام غضوا الطرف عن الحروفية لشططها البالغ الذى أسبغ عليها صفة الردة عن الإسلام عند سائر علماء المسلمين، غير أنها تنكرت تحت أقنعة مختلفة بدأت فى بلاد الروم بالطريقة البكتاشية، وانصبت فى البابية والبهائية فى إيران.

ويبين الكتاب: ذكر أن الحروفية من أهل البدعة إذ يؤمنون بالحلول، وأن الله عز وجل حل فى الجميلات، وعبادتهن فرض على العباد، كما يشبهون السور القرآنية بأعضاء الإنسان، فيقولون مثلاً: أن رأس الإنسان الفاتحة.

وحسبما يذكر موقع «عثمانلى» أحد المواقع التركية المعارضة، فإن السلطان محمد الثانى المعروف بـ محمد الفاتح، كان يتمنى فتح القسطنطينية، عاصمة جارته المزعجة الدولة البيزنطية فى ذلك الوقت، بعدما فشل أجداده مرات عديدة فى اقتحامها، فأخذ يحشد جنوده وقواده لتحقيق حلم آبائه، لكن دون أن يلمس فيهم حماسة تؤهلهم للنصر، وتحميهم من الفشل الذى باء به أسلافهم.

كان محمد الثانى فى حاجة إلى دعاية دينية تؤجج مشاعر جنوده، لذلك قرر تبنى معتقدات أكثر مغالاة فى شخص الحاكم، تمنحه سلطة أكبر من كونه سلطانا تركيا، فقد طمvع فى لقب المهدى المنتظر، ووجد ضالته فى «الحروفية»، التى اتخذت شكل طريقة صوفية للتمويه هربا من انتقادات علماء الدين السنة.

ويشير الموقع السابق، إلى أن انتشار الحروفية تسبب فى اندلاع موجة غضب عارمة فى العاصمة، إذ انتشرت أخبار تبنى الدولة للعقائد الباطنية، ما أثار قلق الصدر الأعظم محمود باشا الذى خشى من تداعيات ذلك على الاستعدادات لمعركة فتح القسطنطينية، فاستدعى الفقيه الملا فخر الدين عجمى إلى بيته، وكان أحد أشهر علماء الدين فى السلطنة، وطلب منه إجراء مناظرة مع شيوخ الحروفية.

وبالعودة لدراسة الباحث عمرو عبد الرحمن، فإن الجهارديين زينوا للعثمانيين احتلال القسطنطينية، عبر زعيم الحروفية «عماد الدين نسيمي» بزمن السلطان «مراد الثانى»، وكان السلطان «محمد الفاتح» من تلاميذه فأطلق يده فى القصر من بوابة الباطنية الصوفية، وقرر الفاتح طباعة كتاب الحروفية «جاويدان نامه كبير» وسماه بالتركية «عشق نامه» (رسالة العشق) وقرر تدريسه بالبلاد العثمانية!

وبحسب الباحث وسيم عفيفى، كانت العلاقة بين الحروفية وبايزيد الثانى متناقضة فالحروفية الذين اخترقوا البكتاشية فصاروا أصحابها كانوا مع بايزيد الثانى فى صراعه مع جم بينما البكتاشية الأساسيين كانوا مع جم ولم يعبأ بايزيد بدعم أحد سوى المسلحين لصالحه فحسم الصراع ثم بدأ بالتودد للحروفية إلى أن تركهم للفقهاء فقتلوا شيخهم الملا لطفى بتهمة الزندقة لأنه قال أن الصلاة فى الإسلام ليست طقسية أى ليس بها ركوع وسجود وإنما هى روحية فقط.

لم يكن سليم الأول وهو أمير قبل صراعه مع الصفويين من مؤيدى الخرافات أو مسألة البشارات لكن الحروفية اخترقت غالبية طرق الصوفية الشامية حتى وقعت حرب فلسفية دعائية مع بروز قوة إسماعيل الصفوي، فجماعة الأردبيل الصفوية سوقت أن شاه إسماعيل سيفتح الشام، لكن سليم الأول هزم الصفوى فكانت هذه فرصة ذهبية للطريقة الهمدانية المخترقة هى الأخرى من الحروفيين فى حلب وتكره المماليك كرها شديدا.

بعد اغتصاب العثمانيين للكثير من أراضي العرب والمسلمين، وقتل آلاف المدنيين باسم الفتوحات الإسلامية، أصبح للحروفية البكتاشية المسلحة نفوذًا ضخمًا وقد دعموا السلطان «بايزيد الثاني» عسكريا فى صراعاته السياسية، تواصل نفوذهم على السلطان «سليم الأول» بعد أن (أكلوا عقله) بأسطورة حروفية اخترعوها تقول: «ستدخل السين فى الشين بعد نصر أول على شين ليظهر قبر محيى الدين».

وهى نسخة طبق الأصل من المزعوم «جفر سيدنا علي» الذى كتبوه بعد موته بمئات السنين ونسبوه له بالكذب، وأيضا نسخة مطابقة للتلمود وأسطورة ظهور «اسرائيل الكبري» من النيل للفرات لتحكم العالم ألف سنة!

ويوضح هنا الباحث وسيم عفيفى، أن معنى حروف أسطورة الهمدانية الحروفية أن سليم الأول هو السين والشين التى سيدخلها هى شام والشين التى سينتصر عليها أولاً هى شاه ـ أى شاه إسماعيل ـ ثم يظهر قبر محى الدين بن عربي، مما يعنى قدوم سليم لإزاحة دولة أعداءهم المماليك.

ويشرح المؤرخ البورينى فى كتابه «تراجم الأعيان من أبناء الزمان» أن المقولة انتشرت بعدما منع المماليك بناء قبر بن عربى ولقيت تلك المقولة صدىً واسعًا وصل لمسامع سليم الأول وبعد دحره لقنصوه الغورى قام ببناء قبر بن عربى وتعظيمه فى دمشق.

مأزق شوام الحروفية الوحيد مع سليم الأول كان فى مسألة موقفه منهم بعد سيطرته على الشام ومصر، فالسلطان «سليم» هو عدو الشيعة والمعروف عنه أن سيفه يسبق لسانه، لكن رغم دموية سليم الأول لم يقتل واحدًا من شيوخ شيعة حلب الحروفية وفق ما حصره المؤرخ محمد جمال الباروت فى كتابه «الصراع العثمانى الصفوى وتأثيره على شيعة الشام».

الجهاردية في العصر الحديث

تبنت العصور الحديثة نفس فكرة المهدي ؛ حيث ادعى الكثيرون وجود هذه الفكرة وأخذ البعض منهم شقًا عقائديًا ، وقد وقعت في السودان ثورة مسلحة عُرفت باسم الثورة المهدية التي دامت إلى 18 عامًا والتي كانت بداية لانهيار السودان ، كما أن بلاد الحرمين الشريفين لم تسلم من هذه الفكرة ؛ حيث تم اقتحام الحرم المكي عام 1979م حينما قام جهيمان العتيبي باستخدام قوة مسلحة للإعلان عن أن صهره محمد بن عبدالله هو المهدي ، وقد قُتل في هذه الحادثة 312 شخص ، ليأتي تنظيم داعش الإرهابي مؤخرًا ليتبنى هذه الفكرة.

اقرأ  أيضا : أخطر الجماعات الدموية فى التاريخ الإسلامى «1» .. الحشاشون سادة الجبل وقاطعى

 

 

;