أحمد الخطيب يكتب: الفريضة الغائبة «3»

أحمد الخطيب
أحمد الخطيب

لا تقف خطورة جماعات الإسلام السياسى عند تهديد أمن المجتمعات والدول ووقف نموها وتقدمها فحسب، بل على جوهر الفكرة الاسلامية .

خطورتها الكامنة فى تحويل الإسلام من «نظام عام» أساسه العدل والمساواة والدعوة العلنية بالحكمة والموعظة الحسنة، إلى «تنظيم سرى» أساسه التراتبية التنظيمية التى على اساسها تتم عملية خصخصة عقائدية وفقا لدرجة الولاء للجماعة والتنظيم .

حيث يكون هنا «التنظيم» مُقدمًا على «المشروع»، وهى أحد أهم وأخطر الأدبيات والأسرار الاخوانية.

تخيل المقصود هنا هو «التنظيم الإخواني» الذى يتم تقديمه على المشروع الذى يمثل «الفكرة الاسلامية».

هكذا يتم تلقين الكوادر والعناصر الإخوانية التنظيمية ، وهو انحراف فكرى وعقائدى حاد . فإما أن يكون المقصود فعلا هو ان «التنظيم» أهم من «الإسلام» وهو أمر  يُحيلنا إلى ماذكره أحد قيادات الإخوان صبحى صالح عندما جاهر بعقيدة اخوانية خالصة ذات مرة ودعا علناً «اللهم توفنى على الاخوان».

وإما أن يكون اعتراف بأن الإسلام الذى أتمه الرسول المصطفى لازال منقوصا -حاشا لله- وأنه بحاجة إلى إضافات بشرية تنظيمية لإتمام ما توقف عنه الوحي. 
فى الحالتين نحن أمام حالة انحراف عقائدى فادحة! 

تتفاقم الخطوره عندما يتم ربط تلك «الفكرة الفاسدة» بأحقية معتنقيها فى «مقاليد الحكم والسلطة» باعتباره تنفيذاً  لتكليف شرعي، وهو أمر يُمثل رِده الى جاهلية سياسيه مُستحدثة، بل وحاله من الشرك التنظيمي، التى توحى بأن  «المسلم» بحاجة إلى وعاء او صنم تنظيمي  يتقرب به إلى الله زلفى .

الفكرة هنا فى خطورة فرض المنطق معكوسا، اى أن الحكم وسيلة لحفظ مقاصد الشريعة، لكن الشريعة ليست سبيلا للوصول إلى الحكم،  وإلا لكانت هناك قواعد ونصوص قرآنية وأحاديث نبوية تستعرض صراحة تلك التفاصيل، وهو أمر مُخالف لواقع التاريخ وإلا  لكانت «نظام الخلافة» نموذجاً مُطابقا لما تلاها من الحكومات الأموية أو العباسية والفاطمية!

بل إن خطورة الأمر تصل إلى حد «الجريمة التاريخية» التى تُحمّل الإسلام مسئولية كل تلك الدماء التى أُريقت، أو هو اعتراف بأن انهيار الحكم الإسلامى إنما وقع لأن «الفكرة الاسلامية» لم تعد صالحة وتجاوزها الزمن!

وعليه تستمر خطورة هذه الفكرة من -الحشاشين إلى الإخوان- بعد أن تحولت تلك التنظيمات من مرحلة «الإسلام السياسي» إلى مرحلة «الايمان السياسي»..

وهى مرحلة شديدة الخطورة تسمح بها تلك التنظيمات لقادتها وكوادرها بالتفتيش والحكم على سرائر الناس، وهو أمر لا يملكه إلا خالق الناس.

الأمر هنا يتخطى أى عمل تنظيمى إلى مرحلة الاجتراء على إرادة الله فى ملك وخلق الله .

تصل تلك التنظيمات الى تلك المرحلة فعلا بعد أن يتشبع قادتها وعناصرها بحالة استعلاء إيمانى بغيضة ترى فى كل آخر، وأى آخر، حالة من «الدونية الإيمانية» وصولا إلى انعدامها .. وهنا يكون التكفير حتميا! 

تخيل عندما يُصبح تكفير الآخر مُكونا أصيلاً  لحالة ما يسمى بالإيمان السياسى، والتكفير حتما يبيح الإقصاء، ثم لا يكون للإقصاء سبيل إلا إستباحة الدماء والقتل.