الاقتصاد المصري يبدأ رحلة «التعافي»| الصفقة الكبرى وقرارات «المركزي» واتفاق «النقد» والحزمة الأوروبية خطوات على الطريق

الرئيس عبدالفتاح السيسى يتفقد مشروع مستقبل مصر الزراعى
الرئيس عبدالفتاح السيسى يتفقد مشروع مستقبل مصر الزراعى

تحديات قاسية عديدة واجهها الاقتصاد المصري، خلال السنوات الأخيرة، بفعل ما شهده الاقتصاد العالمي من أزمات متتالية ألقت بظلالها على مصر كسائر دول العالم، تمثلت فى جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وتوترات البحر الأحمر، وأخيرًا العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، علاوة على الأزمة الداخلية الأساسية التى تعانى منها مصر، والمتمثلة فى الزيادة المرعبة بأعداد السكان، لتتضافر كل هذه التحديات ساعية لعرقلة مسيرة الإصلاح الاقتصادى التى أطلقتها الدولة المصرية، وأدت لحالة ارتباك واضطراب كبير بالاقتصاد المصرى، وتسببت فى تراجع معدلات النمو، وارتفاع مُعدلات التضخم، ونقص العملة الأجنبية، وانخفاض قيمة الجنيه، وركود الأسواق، وارتفاع عجز الموازنة والدين العام.

◄ وكالات التصنيف تعدل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى من سلبية إلى إيجابية

◄ «الوزراء»: حشد مصادر نقد أجنبى بـ300 مليار دولار بحلول 2030

◄ خبراء: سوق الصرف استقر وتدفقات المصريين بالخارج عادت للقنوات الرسمية

◄ رجال أعمال: استحداث مبادرات تمويلية جديدة للقطاعات الإنتاجية

■ رئيس الوزراء مع مديرة صندوق النقد الدولي

جهود كبيرة بذلتها الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لتعيد الاقتصاد المصرى إلى مساره، مستهدفة العمل بجدية لإزالة معوقات الاستثمار، وجذب الاستثمارات الأجنبية، لتوفير العملة الصعبة، وتوطين الصناعات، حتى جاء مشروع رأس الحكمة ليفتح أبواب الأمل، ويدفع عجلة النمو الاقتصادى، كأكبر صفقة استثمار أجنبى مباشر تضخ 35 مليار دولار فى شرايين الاقتصاد الوطنى خلال شهور قليلة، مما يزيد احتياطى العملات الأجنبية، ويوفر العملة الدولارية، ويساهم فى استقرار سوق النقد الأجنبى، ومواجهة السوق السوداء، ويؤثر إيجابيًا على ضبط الأسواق، وتوفير السلع الاستراتيجية والأساسية، والسيطرة على أسعارها، إضافة لسرعة الإفراج عن السلع، والبضائع، والخامات، من الموانئ مما يؤدى لضخ كميات كبيرة من السلع بالأسواق، ودعم القطاعات الصناعية والإنتاجية بتوفير الخامات ومستلزمات الإنتاج لدفع عجلة الإنتاج، وتحسين الاستقرار الاقتصادى، والتشجيع على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخلق فرص عمل جديدة، وخفض مُعدلات البطالة، وتعزيز النمو الاقتصادى.

◄ بدأت تتحسن
الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد أن الأوضاع الاقتصادية بدأت فى التحسن، وأن الأمور بدأت تتحسن تدريجياً، مشددًا خلال حضوره احتفالية الندوة التثقيفية الـ39 للقوات المسلحة، على أنه لم تكن هناك مغامرة، ولم يكن هناك فهم خاطئ أو منقوص، اتخذنا به قرارًا يُضيّع مصر، وأن ما تم من إنجازات على أرض مصر يستطيع أى أحد رؤيته، وأنه قبل 10 شهور تحدث عن موضوع التعويم، وأكد أنه سيؤثر على الأمن القومى، لأنه لم يكن لدينا أرصدة تكفى لضمان الوصول لسعر الدولار الذى يمكن تحمله، وكان من الممكن وقتها أن يصل سعر الدولار لـ80 أو 100 جنيه، لكن حينما أصبح لدينا موارد تصل لـ45 مليار دولار، أصبح من الممكن التعامل مع سياسة السعر المرن.

◄ مستمرون فى الإصلاح
من جانبه، شدد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، على أن الأوضاع الاقتصادية تسير بصورة جيدة، وأننا فى بداية الاستقرار الاقتصادى، ومستمرون فى خطوات الإصلاح، لافتًا إلى أن القمة «المصرية - الأوروبية» شهدت ترفيع العلاقات بين الجانبين لمستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتقديم حزمة مالية بـ7.4 مليار يورو كدعم استثمارى ومالى للاقتصاد المصرى، كما أشار إلى إعلان البنك الدولى عن حزمة تمويلية للاقتصاد المصرى بـ6 مليارات دولار للسنوات الثلاث المُقبلة، معتبرًا هذه الخطوات دعما لمواصلة جهود الدولة فى تعزيز الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، فضلًا عن دعم تمكين القطاع الخاص، وزيادة مُشاركته فى جهود التنمية، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، وتحسين بيئة الأعمال، منوهًا إلى تعديل وكالة «ستاندرد آند بورز» العالمية للتصنيف الائتمانى، نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية، معتبرًا أنه مؤشر إيجابى جديد يعكس الوجهة الصحيحة لمسار إصلاح الاقتصاد، مشيرًا إلى أن ما تم اتخاذه من خطوات وقرارات مؤخرًا من جانب الحكومة بالتعاون مع البنك المركزى، ساهم بشكل كبير فى تغيير نظرة كثير من المؤسسات الدولية لمصر، وتوقعها مزيدًا من التحسن بالوضع الاقتصادى. 

◄ اقرأ أيضًا | رسالة سرية تكشف تحذيرات باريس..هل يتجه الاقتصاد الأوروبي نحو حرب عالمية ثالثة؟

◄ أهداف مصرية
وبحسب وثيقة التوجهات الاقتصادية خلال الفترة الرئاسية الجديدة، والتى تحتوى على 8 توجهات استراتيجية، والتى أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تعتزم مصر حشد مصادر نقد أجنبى بـ300 مليار دولار بحلول 2030، لتعزيز صلابة ومرونة الاقتصاد المصرى فى مواجهة الأزمات، من خلال تبنى برنامج قومى لرفع معدل نمو الصادرات المصرية من متوسط 16% خلال الفترة من 2017 لـ2022 لما لا يقل عن 20% سنويًا خلال الفترة من 2024 لـ2030، وتستهدف الحكومة الوصول بالصادرات لـ145 مليار دولار فى 2030، ومن المستهدف النمو بعائدات السياحة 20% سنويًا لتصل لـ45 مليار دولار، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة 10% سنويًا لتصل لـ19 مليار دولار، وزيادة إيرادات قناة السويس بما فى ذلك عائدات قطاع الخدمات البحرية لـ26 مليار دولار، ومن المقرر أن توفر الحكومة 3 ملايين فرصة عمل للمصريين بالخارج، بما يعزز نمو التحويلات بنسبة 10% سنويًا خلال السنوات الـ6 المقبلة لتصل لـ53 مليار دولار، بالتزامن مع النمو بصادرات التعهيد بنسبة 10% سنويًا خلال الفترة نفسها لتصل لـ13 مليار دولار بحلول 2030، كما تشمل الوثيقة تحقيق نمو اقتصادى قوى وشامل ومستدام ومتوازن داعم لنهضة الدولة المصرية يتراوح بين 6 لـ8%، وسط تركيز أكبر على نوعية النمو الاقتصادى، من خلال تعزيز مساهمة كل من الصادرات والاستثمارات فى توليد الناتج، والتركيز على وتيرة نمو اقتصادى داعمة للتشغيل لتوفير 7 لـ8 ملايين فرصة عمل، ورفع مساهمة القطاع الخاص فى التشغيل من 60 لـ90% بحلول 2030، كما سيتم إقامة 10 مناطق تصديرية متخصصة كاملة المرافق والتراخيص، وتطوير 10 أماكن صناعية تصديرية، كما تستهدف الحكومة 10 أسواق تصديرية لزيادة نفاذ السلع المصرية إليها، وإنشاء أكاديمية وطنية للتدريب الفنى وفقًا لتخصصات المناطق الاقتصادية المستهدفة، ويتم تنفيذ ذلك من خلال التدريب الفنى الصناعى لما لا يقل عن 500 ألف متدرب سنويًا.

◄ إصلاح حقيقى ومستدام
«قرارات الحكومة خلال الفترة الماضية ساهمت فى تحسين ثقة المؤسسات الائتمانية للاقتصاد المصرى، وتحقيق استقرار بسوق الصرف، وإعادة تدفقات المصريين بالخارج للقنوات الرسمية، إضافة لتجنب التعثر فى الالتزامات الدولية»، هذا ما يؤكده الخبير الاقتصادى، الدكتور زياد بهاء الدين، وزير التعاون الدولى السابق، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون الإصلاح حقيقيا ومستداما من خلال استعادة القطاع الخاص لقوته والاهتمام بالقطاعات الأكثر مساهمة فى التشغيل والاستثمار والإنتاج والتصدير، مشددًا على ثقته بقدرة مصر على زيادة الصادرات، وجذب استثمارات أجنبية جديدة، فى ظل وضع سياسى دولى داعم لمصر، ووجود رغبة فى الإصلاح الاقتصادى.

◄ شهادة ثقة
وعن تعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى من قبل وكالات التصنيف من سلبية إلى إيجابية، قال الخبير الاقتصادى، الدكتور ياسر عمارة، إنها تمهد لرفع التصنيف الائتمانى للبلاد كاملًا قريبًا، وهى خطوة مدعومة بالجهود التى بذلتها الدولة مؤخرًا، لجذب مليارات الدولارات حتى نجحت فى حل أزمة العملة الأجنبية، مضيفًا أن نجاح مصر فى التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولى، بمثابة شهادة ثقة على قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى، والعبور من المرحلة الصعبة التى شهدها، وذلك كان بمثابة رسالة لمؤسسات التصنيف العالمية لتغير نظرتها، موضحًا أن الثقة بالاقتصاد من قبل صندوق النقد، لم تتحقق بشكل عشوائى بل بمراجعات من قبل الخبراء الفنيين للصندوق، وهى أمور ليست باليسيرة، ولا يعبرها أى اقتصاد بسهولة، لكن التخطيط السليم من قبل الدولة، وإبرام صفقة رأس الحكمة، عزز من مرونة التعامل مع الصندوق، ومن ثم السير بخطوات الإصلاح الاقتصادى.

يوافقه فى الرأى سعيد يونس، عضو جمعية مستثمرى السويس، مشيرًا إلى أن تعديل وكالات التصنيف الائتمانى نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصرى يعزز تدفق الدولار للسوق المحلية عبر القنوات الرسمية والبنوك، ويقضى تمامًا على أى فرص لعودة السوق السوداء، كما يعد خطوة مهمة لتدفق الاستثمارات الأجنبية، وسيتبعها تعديل التصنيف الائتمانى بمرحلة لاحقة، موضحًا أن تعديل تلك النظرة أيضًا يسمح لمصر بالاقتراض من السوق العالمية بمعدلات فائدة مُنخفضة، مضيفًا أنه كلما تحسن التصنيف الائتمانى للبلاد زادت الثقة فى قوتها الاقتصادية، وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الجهات المُمولة أو المُقرضة والعكس صحيح، إذ يسهل التصنيف الجيد الحصول على القروض سواء داخليًا أو خارجيًا، نظرًا لما يشمله من معايير تعمل على توقع وضمان الاستقرار المالى بشكل كبير.

◄ فلسفة التنمية
الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط السابق، قال إن الدولة نجحت فى علاج الأزمة الاقتصادية عبر جذب الاستثمارات المباشرة، وقروض ميسرة، وضمانات ودعم دولى، مشددًا على ضرورة تحديد التوجه الاقتصادى للدولة وفلسفة التنمية لمعرفة البوصلة لتحقيق النمو الاقتصادى المستدام، وهو مشروط بدور الدولة كرقيب ومنظم والتخطيط الداعم لنمو القطاع الخاص من خلال ما يُسمى بالدولة التنموية التى تتخارج لدعم القطاع الخاص، وفى نفس الوقت لها تدخلات ذكية لتحقيق الأهداف، لافتًا إلى أننا نحتاج خلال المرحلة المُقبلة لترتيب الأولويات، والتركيز على نوعية النمو، وتنويع الهيكل الاقتصادى للنمو بالأنشطة التى تظهر كفاءة استخدام الموارد، وتتسم بالنمو الشامل، وبه صفة الاستدامة، ومدفوع بالاستثمار وليس الاستهلاك أو تراكم رأس المال والعمالة.

◄ محاصرة التضخم
أحمد أبو على، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، يشير إلى أن مصر تستعد لاستقبال أكبر تدفقات بالعملة الأجنبية، تتخطى حاجز الـ60 مليار دولار، مما يعزز من موقف السيولة بالنقد الأجنبى، إضافة للإجراءات التى اتخذها البنك المركزي بشأن توحيد سعر الصرف بما يساهم فى تغطية احتياجات السوق من النقد الأجنبى، وحاصر الضغوط التضخمية، ومن ثم انخفاض معدلات التضخم لمستويات أحادية على المدى القصير، وينبئ بتراجع مرتقب بالأسعار، موضحًا أن هذا التوجه يدعم مخططات الإصلاح الاقتصادى التى تعتزم الدولة إقرارها خلال المرحلة المقبلة، من أجل توفير موارد دخل ذاتية من العملات الأجنبية على المدى المتوسط والطويل.

جمعية رجال الأعمال المصريين، برئاسة المهندس على عيسى، أشادت بقرارات الحكومة الأخيرة، وتطبيق البنك المركزى لسياسة مرنة لسعر الصرف، ووصفوها بالـ»حتمية»، والتى طال انتظارها، ومنحت الاقتصاد المصرى متنفسًا جديدًا، وقال رئيس الجمعية، إن هذه الإجراءات عززت من الثقة فى السوق ومناخ الاستثمار، بعد أن أدت لاختفاء السوق الموازية للعملة، الأمر الذى يزيد ثقة المستثمرين، بعد أن أصبحت هناك سوق موحدة رسمية للعملة، بدلًا من تعدد أسعار الصرف، والتى تعد ظاهرة طاردة للاستثمار، مؤكدًا ضرورة استحداث مبادرات تمويلية جديدة للقطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها القطاع الصناعى والزراعى والسياحى، لإعطاء الفرصة لتلك القطاعات فى المُساهمة بزيادة القدرات الإنتاجية وتغطية الطلب المحلى ورفع حجم الصادرات وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وزيادة التدفق السياحى، الذى يسهم على المدى المتوسط فى زيادة تدفقات العملة الأجنبية.