محمد الباز يكتب: سيوف الضلال.. جناية الإخوان الحشاشين على الإسلام

صورة من مسلسل "الحشاشين"
صورة من مسلسل "الحشاشين"

لن نجد تلخيصا وافيا لحال أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية المشردين والمختبئين وهم يتابعون حلقات مسلسل « الحشاشين» أكثر من هذه الحكمة العربية، التى تم نحتها من بيت الشعر الذى صاغه الشاعر الأندلسى « ابن سهل» والذى يقول فيه: هيهات لا تخفى علامات الهوى/ كاد المريب بأن يقول خذونى». 
الهوى عند ابن سهيل الأندلسى هو الحب.
والهوى عند الإخوان هو الغرض والمرض والكراهية. 
بعد أن تتالت حلقات مسلسل «الحشاشين» الذى كتبه ببراعة الأديب عبد الرحيم كمال وصاغة بإحترافية المخرج بيتر ميمى، ظهرت على السطح كل أمراض الإخوان، سمعنا نباحهم عبر برامجهم التليفزيونية وصفحات لجانهم الإليكترونية ومقالات أتباعهم الذين يسيرون على طريقهم فى ضلال إلى يوم الدين. 
ولأنها طريقتهم ولن يشتروها، فقد قاموا بأكبر حملة لتشتيت متابعى المسلسل عن هدفه ورسالته. 
وقبل أن أحدثكم عما فعلوه... ما رأيكم أن أحدثكم عن رسالة المسلسل وغايته ومقصده؟ 
عندما جلس عبد الرحيم كمال ليكتب مسلسل «الحشاشين»، لم يكن فى نيته استدعاء قصة تاريخية جرت أحداثها فى القرن الحادى عشر الميلادى، لم يسع لتقديم قصة زعيم جماعة أخذت من العنف منهجا ومن اغتيال الخصوم وسيلة لتحقيق أهدافه، لم يبحث فى الكتب عن تفاصيل العصر وصراعات الرجال الذين غلبهم طموحهم، فوضعوا كل شئ تحت أقدامهم ليصلوا إلى ما يخططون له. 
ذهب عبد الرحيم كمال إلى الماضى وعينه على الحاضر. 
نسج قصة حسن الصباح وهو مهتم بقصة حسن البنا. 
فتش عن أتباع زعيم جماعة «الحشاشين» وهو يجمع ملامح وتفاصيل أتباع زعيم جماعة «الإخوان». 
جاءنا عبد الرحيم كمال بنبأ يقين بأن الجماعة التى ولدت على يد حسن البنا فى الإسماعيلية فى العام 1928 ليست إلا الطبعة العصرية من جماعة الحشاشين التى تحركت على خريطة التاريخ بين القرنين الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين. 
 ورغم اختلاف المذهب إلا أن الأداة كانت واحدة... توظيف الدين فى خدمة السياسة. 
 والغاية كانت واحدة وهى الوصول إلى الحكم ومصادرة السلطة والنفوذ والثروة. 
لم يفعل حسن البنا أكثر مما فعله حسن الصباح. 
هل تريدون دليلا موثقا على ما أقوله؟ 
يمكننا أن نفتح معا كتاب القيادى الإخوانى على عشماوى « التاريخ السرى لجماعة لإخوان المسلمين»، وهو الكتاب الذى كتبه بعد أن خلع الإخوان من قلبه كما يخلع حذاءه. 
على عشماوى كان واحدا من قيادات التنظيم السرى للجماعة، لا يتحدث بما سمعه فقط، ولكن يخبرنا بما رآه وجربه ومر به. 
يقول: « درس الإخوان جميع التنظيمات العالمية حين حاولوا بناء النظام الخاص، وقد تأثروا جدا بالفكر الباطنى فى التاريخ الإسلامى، حيث كانت التنظيمات العباسية والعلوية والشيعة وما صاحبها من فرق سرية مصدرا أساسيا تم الرجوع إليه ودراسته والاستنارة بالأفكار الحركية فى كل تنظيم على حدة، وفيها أيضا كانت هناك وقفة شديدة أمام فرقة « الحشاشين» أتباع حسن الصباح، وكان الانبهار من وصولهم إلى حد الاعجاز فى تنفيذ آليات السمع والطاعة، وكيف أن الأفراد يسمعون ويطيعون حتى لو طلب منهم قتل أنفسهم». 
فتح حسن البنا إذن كتاب حسن الصباح وهو يبنى تنظيمه ونظامه الخاص. 
 قرأ كل ما قاله وهو يجند أتباعه ويغسل عقولهم ويعدهم بالجنة بإعتبارهم وحدهم المسلمون وكل من عداهم فى ضلال. 
 أعاد عليهم نصائحه ووصاياه وهو يدفعهم دفعا إلى اغتيال خصومه بتفجير أنفسهم، فالحور العين فى انتظارهم. 
يشكك كثيرون فيما قاله الرحالة الإيطالى « ماركو بولو» فى وصفه لقلعة الحشاشين بأنها أسطورة الفردوس. 
يقول « بولو»: كانت فى قلعة « ألموت» حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل أتباعه أن تلك الحديقة عى الجنة، وقد كان ممنوعا على أى فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصورا على من تقرر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين، كان شيخ الجيل يدخلهم القلعة فى مجموعات، ثم يشربهم مخدر الحشيش، ثم يتركهم نياما، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يحملوا ويوضعوا فى الحديقة، وعندما يستيقظون يعتقدون أنهم ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يشبعون شهواتهم من المباهج يخدرون مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه،يسألهم: من أين أتيتم؟ فيردون: من الجنة، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين، ويعدهم أنهم إذا نجحوا فى مهماتهم فإنه سوف يعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قتلوا فسوف تأتى إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة. 
من يشككون فى هذه الرواية يقولون أن قلعة « ألموت» أحرقت بالكامل فى العام 1256 على يد المغول، بينما ولد ماركو بولو فى العام 1254، أى بعد انهيار القلعة بعامين، وعليه فهو يكتب عن شئ لم يره. 
هذا التشكيك باهت وسخيف ويفتقد المنطق تماما. 
 ف» ماركو بولو» لم يكتب عما رآه فقط، لكنه كتب عما سمعه أيضا، ولو فرضنا أن ما تردد عن طريقة اقناع حسن الصباح لأتباعه بإغتيال خصومه مجرد أسطورة، فالنتائج تقودنا إلى تصديق ما يتردد، وما قام به حسن البنا مع أتباعه بعد ذلك يؤكد أن الطريقة واحدة حتى لو اختلفت التفاصيل. 
منهج حسن الصباح كان يقوم على أكبر عملية غسيل مخ لأتباعه، ليصل بهم إلى أعلى درجات السمع والطاعة، وهو ما أعاده حسن البنا بالحرف، فقد شغلته فكرة السمع والطاعة من الأتباع للدرجة التى ملكت عليه كل عقله. 
 لم يترك حسن البنا خلفه كتبا لها قيمة، كل ما ينسب إليه من كتب عبارة عن دروسه وخطبه التى سجلها أتباعه وأصدروها بعد ذلك فى كتب، لم يكن البنا مهتما بتأليف الكتب من الأساس، ومما نجده منسوبا إليه: تأليف الكتب سهل... لكنه لا يؤثر مثل تأليف الرجال. 
كانت لدى حسن البنا خطة، زرعها فى رجاله الذين كانت مهمتهم تجنيد الشباب، وإعادة صياغتهم بما يتناسب مع رغبة مؤسس الجماعة فى تكوين شاب لا رأى له ولا يجيد سوى السمع والطاعة، وتركزت عملية غسيل المخ الإخوانية فى أربع خطوات، يمكن أن نرصدها سويا على النحو التالى: 
الخطوة الأولى: إقناع الشباب أن كل ما هم عليه خطأ، يتناقض تماما مع الإسلام الصحيح، وأن المجتمع الذى يعيشون فيه لا يقدم وجها صحيحا للإسلام، وعليهم أن يخاصموا هذا المجتمع ويعزلوا أنفسهم عنه. 
الخطوة الثانية: الإسلام الصحيح الذى لا مكان له فى المجتمع موجود لدى جماعة الإخوان فقط، فهى التى تناصر الإسلام وتنصره، وهو ما جعل الجماعة حريصة فى صياغة شعاراتها، وكان طبيعيا أن ينبهر الشباب بمن يقول لهم إن « الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا». 
الخطوة الثالثة: وجود الشاب داخل مجتمعه وموافقته على كل ما يدور فيه، رغم أنه ينافى الإسلام سيكون خطرا عليه، فهو بذلك من أهل الضلال، ومصيره فى الآخرة إلى النار، لكن عندما تكون مع الجماعة فأنت على الطريق الصحيح، والجنة مثواك. 
الخطوة الرابعة: كل ما تقوله الجماعة وما تقوم به لا هدف له إلا الانتصار للدين، لذلك تتعجب من إصرار قيادات الإخوان وشبابهم الذين يتم صهرهم فى بوتقتها أنهم الأقرب إلى الله، بل لا يعرف الله سواهم، وأن ما سواهم لا ينتمون إلى الدين بصلة، بل الجميع فى وجهة نظر الإخوان كفار، حتى لو لم يعلنوا عن ذلك صراحة. 
عندما يصل الشاب الإخوانى إلى المرحلة الرابعة، تضعه الجماعة على أول طريق الاستحلال. 
وخطوة الاستحلال فى المنهج الإخوانى أن الشاب يصبح على يقين كامل أن الحق المطلق معه وأن الآخرين على الضلال المطلق، فيكون من حقه - كما يعتقد - أن يتقدم لتغيير هذا المجتمع، فيستحل تكفير من يعارضه وقتل من يقف فى طريقه، وإذا ما تعرض هو إلى القتل فهو شهيد تنتظره الحور العين على أول طريق الآخرة. 
المقاربة التى قام بها مسلسل « الحشاشين» بين جماعة حسن الصباح وجماعة حسن البنا هى التى أزعجت الإخوان، وأخرجتهم من مكامنهم ليصرخوا، لأنهم من خلال ما فعله عبد الرحيم كمال يتعرضون لأكبر عملية تعرية فى التاريخ. 
وجوه الشبه بين الجماعتين واضحة، لكن التشابه الأكبر الذى سيأتى عليه المسلسل هو فى المآلات، النهايات الحتمية، وقد أطلعتنا كتب التاريخ على نهاية الحشاشين وها هو الواقع يطلعنا على نهاية الإخوان. 
يمكننا أن نذهب إلى المستشرق « برنارد لويس» صاحب كتاب « الحشاشون... فرقة ثورية فى تاريخ الإسلام» لنجده يقول: فشل الحشاشون فشلا ذريعا ونهائيا، إذ لم يتمكنوا من قلب النظام القائم، بل ولم ينجحوا فى السيطرة على مدينة كبيرة واحدة، وحتى ممتلكاتهم التى تحرسها القلاع لم تكن أكثر من إمارات صغيرة لم تلبث أن انهارت».
يعلم الإخوان يقينا أن جماعتهم انتهت، خرجت من الوجدان المصرى إلى الأبد، لكنهم لا يعترفون بذلك، يعتقدون أنهم يمكن أن يجمعوا شتاتهم مرة أخرى، أن يعودوا ليطرقوا باب مدينتنا من جديد، أن يمشوا فى شوارعنا ويشاركونا حياتنا، ولذلك أفزعهم هذا العمل الذى لا يمكننا التعامل معه أبدا على تاريخى، بل هو مسلسل يخرج من قلب الواقع، ولا يمكن أن أقبل فيه تأويلا آخر. 
وكما يهرب الإخوان من حقيقتهم ومما أصبحوا عليه، فإنهم يحاولون إنكار تأثير مسلسل « الحشاشين، فقرروا أن يهيلوا عليه التراب، أن يسحبوه إلى طرق فرعية وحارات متوارية، يتحدثون عن أخطاء تاريخية، ويطعنون فى العامية المصرية، متجاهلين أن المسلسل مجرد إطار تاريخى، وعاء اختاره عبد الرحيم كمال ليحارب التطرف المعاصر والارهاب الحديث، وكم كان القدر رفيقا ودقيقا عندما جعلنا نمسك بشخصية تحمل نفس وجه الشخصية المعاصرة التى أدخلتنا إلى دروب العنف بطموحها وتعقيداتها النفسية وكذبها على الله. 
ما يكشفه مسلسل « الحشاشين» وأعتقد أنه كان ضربة قاتلة سكنت قلب الجماعة الإرهابية، أن الحشاشين والإخوان كانوا أصحاب أكبر جناية على الإسلام ماضيا وحاضرا، فمن رفعوا شعارات كاذبة بأنهم يعملون من أجل الإسلام هم أنفسهم الذين طعنوا الاسلام وشوهوا صورته، فالصورة التى وصلت لشعوب الأرض من واقع ممارساتهم لا تخرج عن أن هذا الدين دموى ومن يعتنقونه قتلة، وهى الصورة التى لا زلنا نعانى من وطأة تأثيراتها حتى الآن. 
لقد رفع الحشاشون قديما « سيوف الضلال»... وقتلوا كل من وقف فى طريقهم. 
وأطلق الإخوان حديثا « رصاص الضلال»... وجهوه إلى صدور كل من خالفهم أو حال بينهم وبيت تحقيق أهدافهم. 
الضلال جمع بينهما فى الدنيا.
وأعتقد أنه سيكون الطريق الذى سيجمعهم فى الآخرة أيضا... فالله يمهل من يكذبون باسمه، لكنه لا يهملهم أبدا.