اللواء محمود طلحة يقدم ذكرى وعظة للأجيال الجديدة| «مارس - رمضان».. «3» أحداث فى حدوتة النصر العظيم

 اللواء أ.ح محمود طلحة --   أبطال حرب أكتوبر يرفعون العلم المصرى على أرض طابا
اللواء أ.ح محمود طلحة -- أبطال حرب أكتوبر يرفعون العلم المصرى على أرض طابا

عودة الحق لأصحابه| نصر أكتوبر .. ملحمة رمضانية وذكرى خالدة

فى تاريخ الأمم أيام مرتبطة بأحداث جسام محفورة فى صفحات تاريخها، ويحتوى شهر مارس هذا العام على ثلاث صفحات من تاريخ الأمة المصرية، كلها مترابطة معًا وترتبط بنضال وشرف وانتصار الأمة..

هذه الأحداث يسرد تفاصيلها اللواء أركان حرب محمود طلحة مستشار كلية القادة والأركان من حيث ترتيب حدوثها زمنيًا وهى: يوم الشهيد 9مارس 1969 وكان يمثل مقدمة الحدث الأبرز فى تاريخ مصر المعاصرة وهو نصر أكتوبر 73 ( الموافق 10 رمضان 1393ويحل ذلك اليوم فى 20 مارس هذا العام)..

أما الحدث الثالث ويمثل خاتمة تلك الصفحات فهو رفع العلم المصرى شامخاً على طابا يوم 19 مارس 1989 والذى وافق 9 رمضان هذا العام وعلى ذلك يمكن وصف شهر مارس هذا العام وتوافقه مع شهر رمضان المعظم بأنه (مارس النصر والفخر)..

الأحداث السابقة سبق وأن تناولها بالشرح والتفصيل العديد من الشخصيات الوطنية ذات الخلفيات المتعددة عسكريًا أوسياسيًا أو الكتاب والشعراء والمؤرخون..

ويرصدها اللواء محمود طلحة فى ايجاز بغرض تذكرة الشباب والأجيال التى لم تعاصر هذه الأحداث التى استقرت فى تاريخ وضمير الأمة المصرية شاهدة على فخر ومجد تحقق بالنار والدم على مدى سنوات بدأت من هزيمة 1967.

ينتقل اللواء أركان حرب محمود طلحة مستشار كلية القادة والأركان إلى الحديث عن الحدث الأبرز فى التاريخ المعاصر للأمة المصرية والأمة العربية وهو نصر أكتوبر 73 ( العاشر من رمضان 1393 ) والذى يوافق يوم 20 مارس هذا العام (2024) ..

ويقول : وإذا كانت الأمور تُقاس بخواتيمها فكذلك الحرب يتم قياس النصر فيها بمدى تحقيق الهدف الإستراتيجى المحدد لها قبل بدء الحرب والذى لا يحتاج لبراهين على تحقيق النصر حيث إن الجغرافيا والتاريخ والواقع الفعلى يؤكد ذلك .

حيث تم استعادة كامل سيناء وعلى أرضها تجرى وقائع التنمية الشاملة وعلى أرضها تم دحر الجماعات الإرهابية بجهود القوات المسلحة والشرطة المصرية وكافة مؤسسات الدولة المعنية بتحقيق وتدعيم الأمن القومى المصرى وكان الشعب المصرى كعادته مسانداً ومضحياً بكل عزيز وغالٍ.

وحتى نذكِّر شباب الأمة المصرية والأجيال التى لم تعاصر أو لم تطلع على كل ما كُتب عن نصر العاشر من رمضان سنتعرض لبعض ما كتبه القادة العسكريون الإسرائيليون أو المفكرون فى علوم السياسة والإستراتيجية فى الغرب فى تحليلهم لحرب أكتوبر 73 / رمضان 1393 :

الجنرال ديفيد إليعازر رئيس أركان القوات الإسرائيلية فى حرب 73 يقول :

إنها حرب تختلف عن كل الحروب، فى السابق كنا نهاجم ولكن فى أكتوبر هم الذين هاجموا ، إن التوقيت لهم أما المفاجأة فهى التى لنا وأصبح علينا أن ندافع وهذا الأمر مرير ويحز فى نفوسنا.

عندما صدر قرار الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة أجرانات فى نوفمبر 1973 ( قبل انتهاء الحرب ) لبحث أسباب تقصير القيادة السياسية والعسكرية فى مرحلة الاستعداد ومرحلة إدارة الحرب - توجه الجنرال ديفيد إليعازر رئيس الأركان إلى رئيسة وزراء إسرائيل معترضاً على ذلك القرار ونشر حديثه إليها فى مذكراته ونشير منه إلى قوله : عند التحدث عن الحرب فإننى أتحدث عن أعنف وأقسى معارك شهدها جيشنا ... دعونا أولا نحقق مع أنفسنا .. سوف تتوصلون إلى الأسباب الحقيقية للهزيمة التى تعرضنا لها .

هنرى كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة فى كتابه (سنوات القلاقل) يقول: «لقد حقق السادات مساء يوم 7 أكتوبر أهدافه الرئيسية من الحرب... كذلك فإن الجيش الإسرائيلى لم يحافظ على الحدود الآمنة».

وخلال سير الحرب صرح قائلا: (لم يكن أحد من قبل قط يفهم ما يدور فى رأس السادات ... لم يسعِ لكسب الأرض بل لإحداث أزمة من شأنها تغيير مواقف الأطراف .. قلما نجد رجل دولة يتمتع بهذا الوضوح فى رؤية الهدف السياسى فى بداية الحرب ... لقد شل السادات خصومه).

ويواصل اللواء طلحة حديثه قائلًا : أحد أهم الأحداث الدالة على انتصار القوات المصرية استراتيجياً بالرغم من تواجد القوات الإسرائيلية غرب القناة هو ما حدث فى المجتمع الإسرائيلى فى شهر نوفمبر 1973 قبل (انتهاء الحرب) والذى يمثل زلزالاً لم يحدث سابقاً حيث ثار المجتمع (شعباً ومؤسسات وإعلامًا) على الحكومة الإسرائيلية وأجبرها على اتخاذ قرار لم يسبق اتخاذه بتشكيل لجنة تحقيق قضائية (لجنة أجرانات) لبحث أسباب تقصير القيادة السياسية والعسكرية فى مرحلة الاستعداد أو إدارة الحرب على جبهة سيناء وسنعرض أهم الأحداث والنتائج المنبثقة عن تحقيقات اللجنة والتى تعتبر لجنة قضائية وقد عقدت 140 جلسة وتم التحقيق مع 73 مسئولاً عسكريا وسياسيا وتم الاستعانة بـ58 شاهداً، وكانت أهم التهم التى تم توجيهها فى هذه اللجنة كالآتى:

التهم الموجهة إلى رئيس الأركان :

بصفة عامة حددت اللجنة حدوث تقصير شديد فى فترة ما قبل الحرب وأثناء الحرب.

كان يمكن استدعاء الإحتياط جزئياً على الأقل قبل أسبوع من الحرب لتحقيق التناسب السليم مع قوات العدو.

عدم إعداد خطة دفاعية مفصلة حالة إضطرار القوات النظامية لصد العدو وحدها واكتفى بالحصول على معلومات غير واضحة من قائد المنطقة الجنوبية  

عند توافر معلومة (من المصدر) صباح يوم ٦ أكتوبر (سعت 0430) حدث خلط فى تقديره بشأن توقيت بدء الهجوم (عند حلول الظلام

الساعة 1800- الساعة 1900.

التهم الموجهة إلى رئيس الاستخبارات العسكرية :

عدم تقديم إنذار عن الهجوم .

اعتماده المطلق على المفهوم / النظرية والذى أعتبره قاعدة رئيسية.

الثقة الزائدة بالنفس (نتيجة التحليل السابق فى 72 ، مايو 73) رغم توافر العديد من المعلومات من مصادر أخرى.

التأثير الحاسم على المرءوسين ليتبنوا فكرته.

لم يؤدِ عمله كما ينبغى.

التهم الموجهة إلى قائد المنطقة الجنوبية:

أخفق فى تقدير الموقف بالرغم من توافر العديد من المعلومات ووافق على تقدير رئيس الاستخبارات تحت قيادته.

التفاؤل الزائد غير المبرر (احتلال بور سعيد ليلة 6 / 7 وتكرر الأمر أكثر من مرة، السعى لعبور القناة يوم 8 دون توفر القدرات وعلى عكس توجيهات رئيس الأركان.

الفشل فى إدارة المعركة حتى صباح يوم 9 حيث تم تنحيته.

كانت النتائج النهائية للجنة كالآتى :

نقل / إقالة كل من الآتى:

(1) رئيس الأركان.

(2) رئيس الاستخبارات العسكرية.

(3) مساعد رئيس الاستخبارات العسكرية.

(4) قائد المنطقة الجنوبية.

(5) عدد آخر من القادة العسكريين.

تبرئة كل من رئيسة الوزراء ووزير الدفاع وذلك لأسباب سياسية ولمكانتهم فى المجتمع الإسرائيلى بعد ذلك الشعب رفض الحكم وقام بمظاهرات وإجبرهم على الاستقالة .

ونعقب على اللجنة :

(1) لأول مرة يتم التحقيق مع قادة عسكريين ومسئولين سياسيين أثناء وبعد الحرب ونشير إلى أنه بعد حرب 1967م وكما ذكر الجنرال «حاييم هيرتزوج» رئيس الاستخبارات العسكرية السابق فقد تم ارتكاب العديد من الأخطاء العسكرية خلال حرب 1967م ولكن النصر الذى حققته القوات الإسرائيلية غطى على هذه الأخطاء ولم يتم المحاسبة عليها.

(2) عند صدور قرار تشكيل اللجنة نوفمبر 1973م اتسم الموقف العام بالآتى:

(أ) القوات المصرية محتلة أوضاعها الدفاعية شرق القناة - وفى غرب القناة تمكنت من حصار القوات الإسرائيلية وتأمين مدينة السويس التى ظلت صامدة وكذلك تم بدء إعداد الخطة «شامل» لتصفية القوات الإسرائيلية حال عدم انسحابها فى أعقاب محادثات فض الاشتباك.
(ب) رئيس أركان القوات الإسرائيلية هو القائد العام ومسئول عن إدارة الحرب وتأمين قواته شرق وغرب القناة وكذا توجيه اللجنة الإسرائيلية فى محادثات فض الاشتباك لتحقيق :

تأمين قواته شرق وغرب القناة وتنظيم انسحابها من الضفة الغربية .

بحث موضوعات تأمين دولة إسرائيل فى المفاوضات الجارية .

على ذلك كان رئيس الأركان يزاول مهامه القيادية وفى نفس الوقت يخضع لجلسات التحقيق فى لجنة أجرانات.

(جـ) نشير إلى تعليق الجنرال شارون على نتائج لجنة أجرانات فى كتابه المحارب (لجنة أجرانات أجادت فى تحليل أسباب فشلنا..

واستنكرت عدم استعداد إسرائيل للحرب . 

ويتابع: إسرائيل نجت من الكارثة بفضل الجسر الجوى الأمريكى).

نعلق من جانبنا أن (المنتصر لا يحاكم القادة العسكريين - الشعب المنتصر لا يقيل رئيس الوزراء ووزير الدفاع).