خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي.. الله يريد بنا اليسر

الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي

يواصل الشيخ الشعراوي خواطره حول آيات الصيام بقوله: حين تجد تعقيباً على قضية فافهم أن من شهد منكم الشهر فليصمه ولابد أن تقدر من شهد الشهر فليصمه إن كان غير مريض، وإن كان غير مسافر، لابد من هذا مادام الحق قد جاء بالحكم. و(شهد) هذه تنقسم قسمين: «فَمَن شَهِدَ» أى من حضر الشهر وأدركه وهو غير مريض وغير مسافر أى مقيم، «وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر». ونريد أن نفهم النص بعقلية من يستقبل الكلام من إله حكيم، إن قول الله: «يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر». تعقيب على ماذا؟ تعقيب على أنه أعفى المريض وأعفى المسافر من الصيام، فكأن الله يريد بكم اليسر، فكأنك لو خالفت ذلك لأردت الله معسراً لا ميسراً والله لا يمكن أن يكون كذلك، بل أنت الذى تكون معسراً على نفسك، فإن كان الصوم له قداسة عندك، ولا تريد أن تكون أسوة فلا تفطر أمام الناس، والتزم بقول الله: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» لأنك لو جنحت إلى ذلك لجعلت الحكم فى نطاق التعسير، فنقول لك: لا، إن الله يريد بك اليسر، فهل أنت مع العبادة أم أنت مع المعبود؟ أنت مع المعبود بطبيعة الإيمان. ومثال آخر نجده فى حياتنا: هناك من يأتى ليؤذن ثم بعد الأذان يجهر بقول: (الصلاة والسلام عليك يا سيدى يا رسول الله) يقول: إن هذا حب لرسول الله، لكن هل أنت تحب الرسول إلا بما شرع؟ إنه قد قال: «إذا سمعت النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن ثم صلوا عليّ» فقد سمح الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يؤذن ولمن يسمع أن يصلى عليه فى السر، لا أن يأتى بصوت الأذان الأصيل وبلهجة الأذان الأصيلة ونصلى على النبى، لأن الناس قد يختلط عليها، وقد يفهم بعضهم أن ذلك من أصول الأذان. إننى أقول لمن يفعل ذلك: يا أخى، ألا توجد صلاة مقبولة على النبى إلا المجهور بها؟ لا إن لك أن تصلى على النبى، لكن فى سرك. وكذلك إن جاء من يفطر فى رمضان لأنه مريض أو على سفر، نقول له: استتر، حتى لا تكون أسوة سيئة؛ لأن الناس لا تعرف أنك مريض أو على سفر، استتر كى لا يقول الناس: إن مسلماً أفطر. ويقول الحق: «وَلِتُكْمِلُواْ العدة» فمعناها كى لا تفوتكم أيام من الصيام. انظروا إلى دقة الأداء القرآنى فى قوله: «وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ». إن العبادة التى نفهم أن فيها مشقة هى الصيام وبعد ذلك تكبرون الله؛ لأن الحق سبحانه عالم أن عبده حين ينصاع لحكم أراده الله وفيه مشقة عليه مثل الصوم ويتحمله، وعندما يشعر بأنه قد انتهى منه إنه سبحانه عالم بأن العبد سيجد فى نفسه إشراقاً يستحق أن يشكر الله الذى كلفه بالصوم ووفقه إلى أدائه؛ لأن معنى «وَلِتُكَبِّرُواْ الله» يعنى أن تقول: (الله أكبر) وأن تشكره على العبادة التى كنت تعتقد أنها تضنيك، لكنك وجدت فيها تجليات وإشراقات، فتقول: الله أكبر من كل ذلك، الله أكبر؛ لأنه حين يمنعنى يعطينى، وسبحانه يعطى حتى فى المنع؛ فأنت تأخذ مقومات حياة ويعطيك فى رمضان ما هو أكثر من مقومات الحياة والإشراقات التى تتجلى لك، وتذوق حلاوة التكليف وإن كان قد فوت عليك الاستمتاع بنعمة فإنه أعطاك نعمة أكثر منها. وبعد ذلك فالنسق القرآنى ليس نسقاً من صنع البشر، فنحن نجد أن نسق البشر يقسم الكتاب أبواباً وفصولاً ومواد كلها مع بعضها، ويُفصل كل باب بفصوله ومواده، وبعد ذلك ينتقل لباب آخر، لكن الله لا يريد الدين أبواباً، وإنما يريد الدين وحدة متكاتفة فى بناء ذلك الإنسان، فيأتى بعد قوله: «وَلِتُكَبِّرُواْ الله» بـ «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ومعنى ذلك أنكم سترون ما يجعلكم تنطقون بـ (الله أكبر)؛ لأن الله أسدى إليكم جميلاً، وساعة يوجد الصفاء بين (العابد) وهو الإنسان و(المعبود) وهو الرب، ويثق العابد بأن المعبود لم يكلفه إلا بما يعود عليه بالخير، هنا يحسن العبد ظنه بربه، فيلجأ إليه فى كل شيء، ويسأله عن كل شيء، ولذلك جاء هنا قول الحق: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ...».