الجامعة العربية تعود إلى الملف الليبي «من باب التوافق بين الفرقاء»

أحمد أبوالغيط أثناء لقائه الرئاسات الثلاثة فى ليبيا
أحمد أبوالغيط أثناء لقائه الرئاسات الثلاثة فى ليبيا

بكل المقاييس نجحت الأمانة العامة للجامعة العربية فى استعادة فاعلية الدور العربى تجاه الأزمة الليبية بالحوار المباشر الذى دعا إليه الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط واستضافة الأمانة العامة لرؤساء المجالس الثلاثة، الرئاسى محمد المنفى، النواب عقيلة صالح، ومحمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد المنفى ويمكن تلخيص أسباب دعوة الأمين العام أحمد أبوالغيط فى التصريحات المهمة التى أدلى بها المتحدث باسمه جمال رشدى والذى قال فيها «إن الدعوة جاءت فى إطار استشعار الجامعة لمسئوليتها تجاه ليبيا فى هذا التوقيت الدقيق وهو مسعى لإخراج ليبيا من أزمتها التى طالت وتزايدت أعباؤها وتبعاتها على المواطن الليبى الذى يتطلع إلى اليوم إلى ساسته للخروج من هذا المأزق عبر تحييد المصالح الضيقة ووضع المصلحة العليا للبلاد فوق أى اعتبار» وحقيقة الأمر أن الاجتماع والحوار المباشر بين القيادات الثلاثة وفقا لما صرح به الأمين العام أحمد أبوالغيط «أن التوافق بين القادة فاق التوقعات ومنها وجوب تشكيل حكومة موحدة تقود لإجراء الانتخابات الليبية المؤجلة» ويهمنا هنا التوقف عند بعض الملاحظات،

 وهى كالتالى: 
أولا
: لعل السؤال المهم والذي طرحته العديد من التقارير عن أسباب غياب أطراف فاعلة على الأرض عن الدعوة خاصة رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة والمشير خليفة حفتر وكان تفسير الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي واضحا وصريحا وكافيا للرد حيث قال «إن الجامعة لم تتعمد إقصاء أو عدم دعوة عبدالحميد الدبيبة عن مشاورات الفرقاء فى ليبيا» وقال «بالعكس نحن واعون لدور الجامعة والأمين العام يعى أهمية رعاية مثل هذا الجهد ولم يكن هناك اى اقصاء وقد يكون الأمر فى المرحلة الأولى اقتصر على رؤساء المجالس الثلاثة وفى انتظار تطور الأمور» خاصة أن دور الجامعة كما قال السفير حسام زكى «اقتصر على الاستضافة والترتيب للقاء وأنها لم تتدخل فى مداولات الاجتماع أو حتى صياغة البيان الختامى».

ثانيا: لم يبالغ الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط عندما قال إن الحوار ونتائجه فاق التوقعات وكان هذا واضحا فى تصريح محمد المنفى رئيس المجلس الرئاسى الذى سيشرف على تنفيذه وقال «ندعم أى توافق لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ونتائج الاجتماع ترتقى لطموح الليبيين من أجل إجراء الانتخابات تم الاتفاق على تشكيل لجنة فنية لحل بعض الإشكاليات وأن يكون اجتماعها فى أقرب وقت ممكن للاتفاق على بعض النقاط العالقة» كما أن القراءة المتأنية للبنود السبعة التى تم الإعلان عنها كنتيجة للحوار الذى أشرفت عليه الجامعة ليست تكرارا أو استنساخا لحوارات سابقة مماثلة حيث تضمن البيان الختامى التأكيد على سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها ورفض أى تدخلات خارجية سلبية فى العملية السياسية، البند الثانى تشكيل لجنة فنية خلال فترة زمنية محددة للنظر فى التعديلات المناسبة لتوسيع قاعدة التوافق والقبول بالعمل المنجز من لجنة ستة زائد ستة وحسم الأمور العالقة حيال النقاط الخلافية حسب التشريعات النافذة وذلك وفقا للاتفاق السياسى وملاحقة البند الثالث وجوب تشكيل حكومة موحدة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن البند الرابع توحيد المناصب السيادية بما يضمن تفعيل دورها المنوط بها على مستوى الدولة الليبية الخامس دعوة بعثة الأمم المتحدة لليبيا لدعم هذا التوافق فى سبيل إنجاحه السادس اتفق المجتمعون على عقد جولة ثانية بشكل عاجل لإتمام هذا الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ السابع والأخير تثمين الحاضرين لدور الجامعة العربية على تقريب وجهات النظر للوصول إلى إتمام العملية الانتخابية فالجديد هو فى البندين الثانى والثالث والذى شهد رغبة لتقريب لوجهات النظر بين كل من عقيلة صالح وتكالة حول قضيتين مهمتين كانتا محل تباين طوال الفترة الماضية فالمستشار عقيلة صالح وافق على طلب تكالة بتشكيل لجنة فنية لمراجعة قوانين ستة زائد ستة فيما وافق الأخير على تشكيل حكومة موحدة ولكن عقيلة أضاف مطلب توحيد المناصب السيادية وتحديد منصبى محافظ البنك المركزى ورئيس ديوان المحاسبات وأن يكون الأمر بترشيح مجلس النواب وموافقة مجلس الدولة بينما دور محمد المنفى هو الإشراف على التنفيذ.

ثالثا: على الأطراف الثلاثة الالتزام بما تم التوافق عليه فى حوار الجامعة العربية فمسألة توحيد المناصب تراوح مكانها منذ اتفاق أبوزنيمة بالمغرب فى يناير ٢٠٢١ ووفقا للاتفاق فإن محافظ المصرف المركزى هيئة الرقابة من نصيب الشرق بينما الغرب يحصل على ديوان المحاسبة والنائب العام والمفوضية العليا للانتخابات أما الجنوب فإن نصيبه المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد ومع ذلك فالخلافات مازالت قائمة حول بعض المناصب الرقابية والمفوضية.

والنقطة الثانية فقد أقر مجلس النواب قوانين الانتخابات فى أكتوبر الماضى بعد توصل لجنة ستة زائد ستة عليها واعترض المجلس الأعلى للدولة عليها.

رابعا: نتمنى أن تشهد المرحلة القادمة تغييرا حقيقيا فى المواقف بين الأطراف الأخرى وبعضها لم يشارك فى الحوار فالأمور فى ليبيا ليست بالسهولة التى يتصورها البعض فقد كان من الملاحظ أن البيان قوبل بالصمت من حكومتى طرابلس المعترف بها دوليا أو بنغازى برئاسة أسامة حماد التى شكلها وأقرها مجلس النواب فى يونيو الماضى وكذلك خليفة حفتر كما أن رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة متحفظ على أى دعوة لتشكيل حكومة موحدة ودائما ما يقول إنه سينهى مهمته بعد أى انتخابات قادمة فهل يتغير موقفه خاصة أن الاتفاق تم على تشكيل حكومة مصغرة تشرف على الخدمات.

خامسا: مبادرة الجامعة ليست بديلا عن الجهد الدولى الذى تقوم به بعثة الأمم المتحدة الخاصة بليبيا فالبند الخامس من الاتفاق دعا إلى دعم البعثة لهذا الاتفاق خاصة أن مشروعها الخاص بحوار خماسى يضم الأطراف الثلاثة التى شاركت فى حوار الجامعة مضافا إليه حفتر والدبيبة يراوح مكانه منذ عدة أشهر خاصة أن عقيلة مصر على استبعاد الدبيبة أو السماح لرئيس الحكومة المعين أسامة حماد بالمشاركة وهذا يفسر قيام محمد المنفى بعرض نتائج الحوار على المبعوث الأممى عبدالله باتيلى والذى قرر متابعة نتائج الاجتماع فى اليوم التالى مباشرة.

وبعد فإن الأوضاع غير المستقرة فى ليبيا تحتاج تحييد المصالح الضيقة ووضع المصلحة العليا للبلاد فوق أى اعتبار فهل يفعلها القادة الليبون هذه المرة؟ أتمنى.