بالعزيمة والصمود.. المرأة الفلسطينية تكسر قيود القهر والانكسار

موضوعية
موضوعية

بقلم الكاتبة: سهام فودة

إذا ذكرت المرأة ذكرت الرقة والهدوء العذوبة والبهجة الابتسامة والأمل ولكن حين تذكر المرأة الفلسطينية فهنا يطول الوصف ليضيف إلي جميع ما سبق كل الصفات السامية من قوة إلي صبر وعزيمة وصمود .. لكي نصف المرأة الفلسطينية يجب أن نعي مليا أننا أمام كتلة متحركة من القوة القادرة علي إذهال الكون كله بقوة تحملها وجلدها فهذه المرأة قادرة علي تحمل الحياة في خضم مشاهد دامية علي مدار الساعة نعجز نحن عن تحمل مشاهدتها في مقاطع مصورة لمدة دقائق أو حتي ثواني.

 ينظر العالم في ذهول إلي هذه الانثي الصامدة بتكوينها النفسي العجيب الذي جعلها قادرة علي معايشة تلك اللحظات الكارثية بنفس صابرة متقبلة لقضاء الله مهما اشتد البلاء. 


 
حينا تري القهر والانكسار في عينها موصولا بالرضا والصبر علي البلاء وحينا تري القوة والايمان بالعدل الإلهي الذي سيرد الحقوق وسيثلج الصدور فهن الأكثر فهما لإسم الله المنتقم الجبار لكل مظلوم حتي إن كان الأذي نفسي.. فما الله فاعل بقوم استحلوا الدماء وتجردوا من كل المعاني الإنسانية لينتهكوا عن عمد كل ما حرم الله من عرض ودم وأرض 
في هذه الأيام العصيبة والتي ربما لم نمر بمثلها علي مدار حياتنا من قبل نجد في غزة قصص نساء تدمي لها القلوب قبل العيون فكم رأينا من جثامين مكفنة لنساء حوامل في شهورهن الأخيرة لم يمهلهن العدو الفرصة ليحظين بنظرة إلي وليدهن وكأن أرواحهن الطاهرة قدر لها أن ترحل قبل أن تفجع بهذه الأحداث التي تكسر قلوبنا كل لحظة..

في أي عالم تنتهك النساء وتبكر بطونهن في العلن دون وجود قوة تدافع عنهن ؟!!
في أي زمن نحن من الجاهلية الذي تجوع فيه النساء والأطفال بل ويموتوا جوعا والدول المتقدمة في زخم من الرفاهيات والكماليات ؟؟!! 
كيف نستطيع أن نقنع تلك الأنثى الفلسطينية أن الجيوش يمكن أن تتحرك لنجدة حيوان يتعرض للأذي لكنها مشلولة أمام جرائم إبادة جماعية لشعب بأكمله؟؟!! 


فبينما يحتفل العالم باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، فإنه يتجاهل الإبادة الجماعية التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية، وكافة أبناء الشعب الفلسطيني منذ ٧ اكتوبر الماضى، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي بحقهنّ، بحيث استشهد ما يزيد عن ٩ آلاف من أرواح الفلسطينيات الطاهرة .

نحن نقف الآن عاجزين عن التعبير عن ما تعايشه النساء الفلسطينيات يومياً من مشاهد دموية وما يتعرضن له من قتل وبتر وانتهاكات .

لن ينسي التاريخ " فهد بسيسو " هذه الفتاة الفلسطينية الرقيقة التي انتشر لها مقطع يبث عملية بتر لقدمها علي طاولة المطبخ بواسطة عمها طبيب العظام الذي لم يجد أدوات طبية للعملية فقام باستعمال سكين الطعام وخيط الملابس لإنقاذ حياتها ووقف النزيف عقب تعرض منزلهم لقذيفة دبابة.
 مما أصاب قدمها إصابة شديدة استدعت البتر الفوري ولكن تلك الفتاه المسكينة لم يوجد لها مخدر لإجراء العملية فما كان لها سوي أن تتلو آيات الله لتسكن روحها ولينزل الله عليها الصبر والتحمل .


 
أي فظاعة تلك التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية وأي قوة تحملها لكي تصمد في خضم تلك الأحداث الكارثية ..

فهناك سيدة فلسطينية تدعي " رينا " توفي زوجها في غارة إسرائيلية في رحلة بحثه عن الطعام ليتركها ورضيعها ذو الشهرين والذي قد حرم من غذاءه الطبيعي بعدما جف الحليب من أمه إثر صدمتها بفقدان زوجها  فأصبحت بلا مأوي لتتنقل بين المخيمات باحثة عن حليب الرضع وماء نظيف للحفاظ علي حياة وليدها الوحيد ..

 وهناك السيدة التي انتظرت عشرة أعوام حتي رزقت بتوأم وفي هذه الحرب فقدت زوجها ورفيق عمرها ثم قدر الله أن يستشهد توأمها اثر القصف الإسرائيلي علي غزة لتظل وحيدة تبكي حلما اغتاله الاحتلال..   وغيرهن وغيرهن من قصص الصبر والصمود والتضحية التي تقدمها المرأة الفلسطينية لتعلم العالم أن البطل الحقيقي في هذه الحرب هي المرأة الفلسطينية .

وأوضحت التقارير أن قوات الاحتلال الاسرائيلي هجرت داخليا وقسريا، أكثر من 1.7 مليون فلسطيني وفلسطينية، بينهم أكثر من 788,800 من النساء والفتيات، وعرضتهم للتجويع والترهيب وانقطاع الماء والدواء والكهرباء والوقود والعلاج والعناية الصحية، بعد أن قصفتهم في أماكن نزوحهم أو خلال نزوحهم، بما يشمل المستشفيات ودور العبادة والمدارس وغيرها من الملاجئ، بحيث أصبح لا مكان آمن في قطاع غزة.

من المؤكد أن النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من العدوان على غزة، وهو ما أكدته العديد من المؤسسات الأممية حيث هناك أكثر من 50,000 امرأة حامل في قطاع غزة، ومن المتوقع أن   يضعن موالديهن    في ظل ظروف مأساوية لا إنسانية، دون توافر أي نوع من أنواع الخدمات الطبية أو خدمات ما بعد الولادة، ما يعرضهن أو يعرض أطفالهن لخطر الموت الوشيك، بما يخالف جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

إن ما تعانيه المرأة في قطاع غزة لا يمكن فصله عن معاناة النساء والفتيات في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، ، فقد تزايدت وتيرة الجرائم والاعتداءات والاقتحامات الاسرائيلية للمدن والقرى ومخيمات اللاجئين الفلسطينية، التي تتخللها حملة اعتقالات واسعة وهدم للمنازل والممتلكات واستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية.

ومن الجدير بالذكر يتم إعتقال المرأة الفلسطينية لتقبع في معتقلات الاحتلال في ظروف مهينة مأساوية، بحيث  يتم اغتصابهن بصورة وحشية ويحرمن من كافة الحقوق التي يكفلها القانون الدولي الإنساني، بما فيها التواصل مع محاميهن أو عائلاتهن أو حتى الحصول على  الغذاء والخدمات الطبية والصحية وغيرها.

لابد من مساءلة ومحاسبة الاحتلال الاسرائيلي عن جرائمه وانتهاكاته الممنهجة والمستمرة لحقوق النساء والفتيات الفلسطينيات في كافة أماكن تواجدهن، وإرهاب المستعمرين، وتوفير الحماية الدولية لهن، وصولا لإنهاء الاحتلال لأرض فلسطين وتفكيك نظام الفصل العنصري، وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال وعودة تللاجئين واللاجئات الى ديارهم التي شردوا منها.

وتتفاقم صعوبات النساء في ظل النقص في الغذاء وفقدان  أزواجهن ومعيلي أسرهن، ورغم ذلك يواصلن رحلة البحث عن الطعام وإعالة الأسر وحماية الأبناء.

إن العدوان الإسرائيلي ترك آثاراً صعبة في الوضع الصحي للنساء في قطاع غزة بسبب نقص مستلزمات النظافة الصحية، واللجوء إلى خيارات بدائية، إضافة إلى أن الكثير من النساء تناولن أدوية حبوب منع الحمل للحفاظ على الصحة الجنسية والإنجابية، كما تعرضت الكثير منهن للالتهابات النسائية بسبب نقص الأدوية وغياب العديد من منتجات النظافة النسائية؛ وهذا أدى إلى تأثيره السلبي علي صحتهن النفسية والجسدية، وبالتالي يعيق هذا الوضع الصحي المتراكم قدرتهن على العيش بكرامة ورفاهية، ويضعهن تحت ضغط نفسي وجسدي يؤثر في جودة حياتهن بشكل عام.

ودائما ما توضح التقارير أن فلسطينيات غزة يعشن ظروفًا لا تطاق في مراكز الإيواء ولا يستطعن استخدام دورات المياه إلا بعد الوقوف في طوابير لفترات طويلة، ولا يجدن المياه اللازمة للنظافة والاستحمام، مما يؤدي إلى أزمة نظافة وإصابة العديد منهن بأمراض نسائية، وأخرى معدية,ومع استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر توقف إمداد فلسطينيات غزة بالمستلزمات الصحية النسوية.

وتفيد التقارير الاممية بأن المرأة والفتاة الفلسطينية لا يحصلن خلال فترة الحيض «إلا بشكل محدود على منتجات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية» بل إن بعضهن اضطررن إلى تناول حبات منع الحمل بهدف تعليق الدورة.

وفي النهاية  إن ما يثلج قلوبنا أنه وإن عجزت طرق الأرض عن نجدتهم فالأمر متروك للسماء داعين الله أن يؤمنهم من خوف ويطعمهم من جوع وينصرهم نصرا عزيزا ويرينا آياته في العدو ليكونوا آية لكل من تسول له نفسه استباحة الدماء وارتكاب الجرائم..