الصراع على عرش القياصرة.. انتخابات رئاسية تحدد مستقبل روسيا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تشهد روسيا الاتحادية، القوة العظمى في قلب القارة الأوراسية، أجواء انتخابية ساخنة في الأسابيع الأخيرة، حيث يتنافس المرشحون لخلافة الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، إذ في خضم التطورات المتسارعة والتحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها موسكو، تتجه الأنظار نحو هذا الاستحقاق الانتخابي المصيري الذي سيرسم ملامح المرحلة المقبلة في تاريخ الدولة الروسية العريقة.

 

موعد الانتخابات والإجراءات المتبعة

تجري الانتخابات الرئاسية الروسية على مدار ثلاثة أيام، من 15 إلى 17 مارس، حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في روسيا والمناطق الأوكرانية الاي اقع تحت سيطرة روسيا، وتشهد هذه الانتخابات تطبيق إجراءات جديدة مثل التصويت الرقمي عبر الإنترنت، إلى جانب استخدام الطائرات المروحية لنقل صناديق الاقتراع إلى المناطق النائية في سيبيريا.

في الأثناء، سيكون هناك تصويت في المناطق الأربع التي سيطرت عليها روسيا في أوكرانيا في عام 2022.

وتمكن الجنود الروس المنتشرون في أوكرانيا من الإدلاء بأصواتهم مبكرا.

وكان مجلس الاتحاد الروسي (الغرفة العليا للبرلمان) قد حدد موعد الانتخابات في 17 مارس 2024، فيما قررت لجنة الانتخابات المركزية الروسية أن يستمر التصويت على مدى ثلاثة أيام هي 15 و16 و17 مارس.

 

جولة جديدة لبوتين

يتصدر المشهد الانتخابي الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية جديدة رغم الانتقادات الداخلية والضغوط الخارجية التي تتعرض لها حكومته.

ويعد بوتين، البالغ من العمر 70 عاماً، أحد أطول الزعماء حكماً في تاريخ روسيا الحديث، إذ تولى السلطة في العام 2000 خلفاً لبوريس يلتسين. ويقدم بوتين نفسه كضامن للاستقرار والأمن في البلاد، متعهداً بمواصلة سياساته الحازمة في مواجهة الغرب ومحاربة ما يسميه "المؤامرات الخارجية" ضد روسيا.

يذكر أن الرئيس الروسي يتجه للحصول على أكثر من 80% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وسط توقعات بأن تبلغ نسبة مشاركة الناخبين حوالي 70%، حسب استطلاعات رأي أخيرة نشرتها "روسيا اليوم".

 

غريم بوتين

في المقابل، يخوض غريمه السياسي ليونيد سلوتسكي، زعيم حزب "روسيا الليبرالية الديمقراطية" اليميني المتشدد، معركة انتخابية حامية، حيث يروج سلوتسكي لخطاب قومي متطرف يكيل الاتهامات للغرب ويتبنى مواقف داعمة للحرب في أوكرانيا.

ويحظى سلوتسكي بشعبية كبيرة لدى قطاعات واسعة من الجمهور الروسي، خصوصاً المتأثرين بخطابه الاستفزازي الذي يدعو إلى "تحرير روسيا من سيطرة الأجانب".

 

بديل للنهج الرأسمالي

أما نيكولاي خاريتونوف، مرشح الحزب الشيوعي الروسي، فيطرح نفسه كبديل للنهج الرأسمالي الليبرالي الجديد الذي انتهجته روسيا منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.

ويدعو خاريتونوف، البالغ من العمر 75 عاماً، إلى العودة إلى النموذج الاشتراكي وإعادة تأميم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الروسي.

كما يتبنى مواقف حادة معادية للولايات المتحدة والناتو، متهماً إياهم بالتآمر على روسيا ومحاولة تقويض دورها العالمي.

يذكر ان خاريتونوف ترشح سابقا ضد بوتين في 2004، وحينها حصل على 14% من الأصوات.

 

أصغر المرشحين سناً

في حين يمثل فلاديسلاف دافانكوف، أصغر المرشحين سناً البالغ من العمر 39 عاماً، الوجه الجديد في السياسة الروسية.

فهو ينتمي لحزب "الشعب الجديد" الليبرالي المؤيد للديمقراطية والمجتمع المدني، ويروج لبرنامج إصلاحي يركز على محاربة الفساد وتحديث البنية التحتية وتنشيط الاقتصاد الوطني.

لكن تظل حظوظ دافيدنكوف ضعيفة في ظل السيطرة القوية للتيار المحافظ المتشدد على مفاصل النظام في موسكو.

 

أبرز ملفات المرشحين

في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الروسي تحديات جمة بسبب العقوبات الغربية الشاملة المفروضة على موسكو على خلفية الحرب في أوكرانيا، يحاول المرشحون التركيز على هذا الملف الحساس في برامجهم الانتخابية. فبوتين يعد بمزيد من التدابير لتعزيز الصناعات الوطنية وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن قطاع الطاقة المهيمن، كما يتوعد باتخاذ إجراءات انتقامية ضد الدول المعادية التي تسعى لعرقلة انتعاش الاقتصاد الروسي.

أما سلوتسكي فيدعو إلى اعتماد مقاربة أكثر تشدداً تجاه الغرب، معتبراً أن السياسات الحالية لم تكن كافية للتصدي لما يصفه بـ"الحرب الاقتصادية الشاملة" التي يتعرض لها بلده. في المقابل، يتبنى خاريتونوف موقفاً أكثر براغماتية، حيث يدعو إلى إصلاح شامل للنظام الاقتصادي بما يضمن العدالة الاجتماعية وتوزيع أفضل للثروات، محذراً من مغبة الانزلاق نحو المواجهة المفتوحة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

لا شك أن الملف الأوكراني يشكل أحد أبرز محاور الحملات الانتخابية للمرشحين، حيث يسعى بوتين إلى استثمار "انتصاراته العسكرية" في تعزيز شعبيته قبل موعد الاقتراع. ويروج الكرملين لخطاب وطني مناهض للغرب، مصوراً الصراع في أوكرانيا على أنه معركة دفاع عن السيادة الروسية في مواجهة المؤامرات الأجنبية. وينتقد المعارضون سياسة بوتين بشأن الحرب، متهمين إياه بإرهاق القوات المسلحة الروسية وإبعاد البلاد عن مسار التقدم والازدهار.

 

تحفيز المواطنين على المشاركة

في محاولة لتحفيز المواطنين على المشاركة الواسعة في العملية الانتخابية، تبذل السلطات الروسية جهوداً حثيثة لإشراك الناخبين عبر حملات إعلامية مكثفة ومبادرات ترفيهية وجوائز للمشاركين. كما ستشمل عملية التصويت للمرة الأولى المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمتها روسيا إليها العام الماضي، في خطوة من المتوقع أن تدعم بوتين بأصوات إضافية. وسط هذا المناخ المشحون، تراهن موسكو على أن تسفر نتائج الاستحقاق الرئاسي عن إعادة انتخاب بوتين وتأكيد شرعيته الشعبية والدولية.

 

فوز بوتين والتحديات

في ظل الظروف الراهنة، تكتسي الانتخابات الرئاسية الروسية أهمية كبرى ليس على الصعيد الداخلي فحسب، بل أيضًا على المستوى الإقليمي والدولي. فنتائجها ستكون بمثابة مؤشر على مدى تماسك النظام السياسي في موسكو ومصداقيته أمام شعبه ومكانة روسيا كلاعب عالمي رئيسي. وبالنظر إلى توقعات استطلاعات الرأي التي تُظهر تقدمًا واضحًا للرئيس بوتين، يبدو من المرجح أن يحصل على فترة رئاسية جديدة مدتها 6 سنوات أخرى.

لكن على الرغم من ذلك، لا يزال التحدي الأكبر أمام بوتين هو معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في البلاد، والتي قد تهدد استقرار حكمه على المدى الطويل. فارتفاع التضخم ومعدلات الفقر والهجرة الكبيرة للشباب والكفاءات إلى الخارج، إلى جانب تداعيات الحرب في أوكرانيا، كلها عوامل تضغط على الاقتصاد الروسي وتؤجج حالة عدم الرضا الشعبي.

آثار الانتخابات على الحرب الأوكرانية
يُنظر إلى هذه الانتخابات على نطاق واسع باعتبارها استفتاءً على الحرب في أوكرانيا. حيث سيُعتبر فوز بوتين بأغلبية ساحقة تأييدًا للسياسات الروسية تجاه الحرب.

أما إذا حصل على نسبة أقل من المتوقع، فقد يعكس ذلك مدى استياء جزء من الشعب الروسي من تداعيات هذه الحرب.

لذلك ستكون الانتخابات محط متابعة وثيقة، ليس فقط لمعرفة الفائز المتوقع، ولكن أيضًا للاطلاع على مؤشرات الرأي العام الروسي تجاه بوتين وسياساته الحالية. وهو ما سيلقي بظلاله على المستقبل السياسي لروسيا ومصير الحرب في أوكرانيا.