حوار| سفير فلسطين بأبوجا: إسرائيل وحلفاؤها يسوّقون أكاذيب حول اهتمامهم بوقف الحرب في رمضان

عبد الله أبو شاويش
عبد الله أبو شاويش

- السفير الفلسطيني بنيجيريا: إسرائيل دولة صناعتها الأساسية هي الكذب والكراهية

- انحياز الإدارة الأمريكية لإسرائيل لن ينتهي إلا بانتهاء حقبة الفاسدين والمرتشين من السياسيين

- إسرائيل وحلفاؤها يحاولون أن يسوقوا أكاذيب حول اهتمامهم بإيقاف الحرب في رمضان

- ليس من مصلحة رعاة الحرب في إسرائيل انتهائها.. وعلى رأسهم نتنياهو

قال السفير الفلسطيني في أبوجا عبد الله أبو شاويش، أن الفلسطينيين يواجهون عدوًا متغطرسًا مدعوم عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا من الغرب، وذلك في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي دخلت شهرها السادس.

وأكد السفير عبد الله أبو شاويش، خلال حوارٍ مع بوابة أخبار اليوم"، أن القائمين على السلطة في إسرائيل يعملون بكل طاقتهم لاندلاع حرب دينية تطال الجميع ولن تترك أحدًا بدون الاكتواء بنارها.

وشدد سفير فلسطين بنيجيريا على أن الوحدة الوطنية هي أقل ما يمكن أن تقدمه الفصائل السياسية للشعب الفلسطيني تحت المظلة المقبولة دوليًا، أي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهي منظمة التحرير الفلسطينية.

وإلى نص الحوار، الذي أجرته بوابة أخبار اليوم مع سفير فلسطين بنيجيريا.

- في البداية.. البيان الختامي لاجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو أكد استمرار الجولات الحوارية للتوصل إلى وحدة وطنية شاملة تضم كافة القوى الفلسطينية، كيف تقرأ هذه الخطوة في اتجاه توحيد الصف الفلسطيني وتكوين جبهة سياسية في مواجهة إسرائيل؟

أولاً، أود أن أثمن موقف روسيا ومن قبلها الدول العربية والصديقة التي عملت وتعمل على رأب هذا الصدع العميق في الحياة السياسية الفلسطينية، وبخصوص البيان فإن هناك الكثير من الإيجابيات التي يمكن قراءتها بين سطوره لاسيما في ظل الحرب الأمريكية الإسرائيلية المسعورة على الشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة.

الوحدة الوطنية هي أقل ما يمكن أن تقدمه الفصائل السياسية المجتمعة في موسكو للشعب الفلسطيني تحت المظلة المقبولة دوليًا، أي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأعني هنا منظمة التحرير الفلسطينية التي يجب أن تبقى البيت والملاذ والمرجعية للعمل السياسي والوطني الفلسطيني.

نحن نواجه عدوًا متغطرسًا مدعوم عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا من الغرب وبالتالي نحن بحاجة إلى تجييش كل إمكانياتنا المحلية لصد أو للتخفيف من حدة الهجمة هذه، وكذلك لضمان أكبر دعم دولي ممكن لنا في حربنا القانونية والاعلامية مع الاحتلال سيما من الأشقاء العرب وبالأخص دول الاقليم. بدون الوحدة الوطنية والاصطفاف تحت برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، يبقى هناك الكثير من العور السياسي في مسيرتنا التحررية الجمعية.

- ما معنى أن يتم التأكيد ضمن البيان الختامي للقاء موسكو على مرجعية منظمة التحرير في جميع القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني وتحديدًا في موضوع وقف إطلاق النار في غزة أو ملف الأسرى أو إدخال المساعدات ورفع الحصار؟ وهل يمكن الحديث في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ القضية الفلسطينية عن بداية انفراج سياسي في الشأن الفلسطيني الداخلي في ظل العدوان على غزة؟

أثبتت حرب الابادة المستمرة منذ خمسة شهور تقريبًا للأخوة في الفصائل غير المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية خطورة الاستفراد بالقرارات المصيرية سيما تلك التي لا تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الدولية والتبعات العملية لمثل هكذا قرارات، وكذلك أهمية أن تكون المرجعية أولاً وأخيراً في أي خيارات سياسية مرجعية فلسطينية نابعة من حسابات فلسطينية بحتة ومتفق عليها.  

أقول أن هذه القناعات وغيرها، بالإضافة الى الغطاء السياسي، الذي قدمته منظمة التحرير وستظل تقدمه بالتأكيد لكافة فصائل العمل الفلسطينية في مواجهه الاحتلال الإسرائيلي سواء اتفقت أو اختلفت هذه الفصائل مع برنامج المنظمة؛ أثبت للمرة الألف ما كان يردده الراحل ياسر عرفات "نحن أم الولد" نحن أم الولد هي سياسة متبعة وليست شعار إعلامي بالمطلق، أي أننا في منظمة التحرير الفلسطينية الأكثر قدرة على استيعاب تصرفات أي فصيل فلسطيني. 

ونحن كنا وما زلنا وسنظل نُشدد على أن جميع فصائل العمل السياسي الفلسطيني سواء المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير أو التي لم تنضوي بعد هي جزء أصيل من النسيج السياسي والاجتماعي للشعب الفلسطيني.

أما بخصوص الإنفراج السياسي، فأعتقد أن أكثر من 30 ألف شهيد وآلاف المعاقين والأرامل والأيتام والدمار الهائل في البنى التحتية وجعل غزة مكانًا غير صالح للسكن الآدمي وغير ذلك من فضائع ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني؛ قد يؤدي إلى عملية سياسية مستدامة وليس فقط انفراج سياسي مستقبلي، لاسيما أن الشارع العالمي بدأ يستيقظ على حقيقة إسرائيل، دولة الاحتلال، بغض النظر عن مواقف حكوماته التي تتراوح غالبًا ما بين متماهية بالمطلق "الولايات المتحدة الأمريكية" مرورًا بتماهي وعتب خجول "غالبية الدول الأوروبية" إلى عجر تام.

أقول قد لأن هذه العملية السياسية تحتاج أولًا وأخيرًا إلى توحيد الكلمة الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير وبرنامجها المقبول عالميًا، وبالتالي فهي البوابة الحقيقية والوحيدة التي يمكن المرور من خلالها لمستقبل سياسي، لا أقول أنه الأفضل بحكم اختلال موازين القوى في النظام العالمي وشريعة الغاب التي تحكم وتتحكم بالعالم، ولكن أقول أنه الأقرب لاجتراح أفق سياسي يعمل على تثبيت الفلسطيني في وعلى أرضه، لقد علمتنا الحرب المجنونة، أن الهدف منها هو تهجير الفلسطيني من أرضه وهذا التهجير يبدأ في غزة أولًا ولكنه بالتأكيد سيطال الضفة الغربية أيضًا.

- من موقعكم في الدبلوماسية الفلسطينية أي دور يمكن للسلطة الفلسطينية أن تقوم به في التفاوض من أجل حل يفضي إلى إعلان دولة فلسطينية مستقلة؟

للتوضيح، منظمة التحرير الفلسطينية الموقعة على اتفاقيات أوسلو هي الجسم القانوني الوحيد المخول بإدارة المفاوضات السياسية نيابة عن الشعب الفلسطيني، وأما السلطة الوطنية الفلسطينية فقد وجدت نتيجة لمفاوضات المنظمة نفسها واتفاقياتها مع الحكومة الإسرائيلية في حينه. هذا ما يُعيدنا للمربع الأول، وهو إذا ما أردنا عمل سياسي فلسطيني يجمع الكل السياسي الفلسطيني، فالاطار صاحب الولاية القانونية أمام المجتمع الدولي، الوحيد الشرعي والمقبول أيضًا عربياً ودولياً هي المنظمة والتي يناط بها التفاوض على الأمور السياسية، أما السلطة الوطنية فمهمتها إدارة وتسيير الحياة اليومية للشعب الفلسطيني بصفتها ذراع للمنظمة.  

في منظمة التحرير، نحن نَحتكم للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وكذلك للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل في إدارة عملية التفاوض على الحلول السياسية التي من المفترض أن تجلب بعض العدالة للشعب الفلسطيني، وأعني هنا تجسيد الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو)، وعاصمتها القدس الشرقية.

- كيف تقرؤون استقالة الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد اشتية في ظل العدوان المتواصل على غزة؟ هل هي خطوة في الاتجاه الصحيح؟ وهل السلطة الفلسطينية على استعداد للتعامل مع حماس مثلما يتم تداوله في الإعلام؟

سياسة الرئيس محمود عباس المعلنة منذ بدء الحرب واضحة وجلية، وتتمثل في العمل على وقف حرب الابادة الجماعية التي تطال الكل الفلسطيني، تقديم الاحتياجات الإغاثية العاجلة، ومنع تهجير الشعب الفلسطيني من غزة، أي منع حصول نكبة ثانية، وكذلك التحضير لإعادة الإعمار. إلى جانب ذلك توحيد الصف الفلسطيني والضغط باتجاه عملية سياسية حقيقية تُنهي الاحتلال الاسرائيلي وتجسد الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب باقي القضايا الرئيسية.  

تأتي استقالة حكومة الدكتور اشتيه تمهيدًا للمرحلة السياسية القادمة التي يجب أن تعمل على تنفيذ سياسة الرئيس المشار إليها. أما بخصوص تعامل السلطة الوطنية مع حركة "حماس"، فإنني أكرر مرة أخرى السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن فوقها منظمة التحرير هي للكل الفلسطيني ولا نفرق بالمطلق في تعاملاتنا اليومية بين أفراد الشعب الفلسطيني على أساس انتماءاتهم السياسية، وهنا سأضرب مثلا، عندما يأتي مريض لمستشفى حكومي ويحتاج إلى علاج بالخارج يكلف أحيانًا مئات الآلاف من الدولارات ولا يتم تقديم العلاج له بناء على انتماءه السياسي، التوظيف في الدوائر الحكومية لا يتم بناء على الانتماء السياسي، أبداً، هذا لم يحدث من قبل ولن يحدث ولدينا الكثير مما نقوله في هذا الصدد.

حركة حماس تحكم غزة عقب الانقلاب على السلطة الشرعية منذ 17 سنة، وعلى الرغم من ذلك فلا تزال السلطة الوطنية تُشرف وتَصرف على التعليم وتسجيل السكان والصحة وإمدادات الكهرباء والماء والمشاريع الكبرى مع الدول المانحة، وكذلك تقديم المعونات الاجتماعية للأسر المحتاجة ولدينا حوالي خمسون ألف موظف يتقاضون رواتبهم من الموازنة العامة للسلطة، ونقوم أيضًا بإصدار جميع الأوراق الرسمية التي يحتاجها أبنائنا في الخارج، وغير ذلك الكثير جدًا، ما أود أن أقوله أن السلطة والمنظمة؛ وإن كانت حركة حماس على خلاف سياسي معها، فإن ممارساتهما؛ أي السلطة، على الأرض تعكس الحس الوطني الجامع وشعار وسياسة ياسر عرفات والتي سنظل ننتهجها إلى الأبد "نحن أم الولد" أي أننا لم ولن نتخلى عن مسئولياتنا الوطنية والأخلاقية.

وعليه فإنه بوجود حكومة الدكتور اشتيه وقبلها ومن سياتي بعدها من الحكومات، فإن السلطة الوطنية ستبقى كما هي في سياساتها التنفيذية العامة تجاه جميع أبناء الشعب الفلسطيني في جميع القضايا بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، حماس كأفراد فصيل سياسي موجودة في السلطة كموظفين وتخدمهم السلطة كباقي أبناء الشعب الفلسطيني في تسيير حياتهم اليومية.

- ما هو تقييمكم للوضع في غزة بعد 155 يومًا من العدوان؟ وكيف تفسرون صمت المجتمع الدولي والعالم على جرائمه الوحشية في حق المدنيين بالقطاع؟ 

تبدأ حرب الإبادة الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا بشكل كلي شهرها السادس على التوالي، وقد خلفت حتى اللحظة أكثر من ثلاثين ألف شهيد، 70% منهم من النساء والأطفال، ولا يزال هناك حوالي ثمانية آلاف شخص مفقودين تحت الأنقاض، ونتحدث اليوم على أن أكثر من 65% من مباني غزة، إما مسحت عن وجه البسيطة بالكامل؛ أو تضررت وتحتاج الكثير لتعود صالحة للسكن، وحسب ما أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطيني فقد تعرضت 286 مدرسة حكومية و65 مدرسة تابعة للأمم المتحدة للقصف والتخريب، حيث دمرت 40 مدرسة منها بشكل كامل في غزة، بينما تعرضت 57 مدرسة في الضفة الغربية لهجوم وتخريب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ولا يزال 620 ألف طالب في غزة محرومين من حقهم في التعلم، في حين يعاني غالبية الطلاب من الصدمات النفسية ويواجهون أوضاعًا صحية خطيرة وممتدة، إلى جانب الدمار الهائل وغير المسبوق عالميًا في البنية التحتية، فجرافات الاحتلال حرثت حتى أسفلت الطرقات وخطوط المجاري، وعطلت عمليات القصف المتواصل محطات تحلية المياه وغير ذلك الكثير والذي سيتم إحصاؤه عقب الحرب على غزة.  

كل هذا وغيره من فضائع شاهدها العالم قاطبة على شاشات التلفزيون وشاهدها عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي مليارات المرات، حرّك الضمير الانساني وكذلك الشوارع حول العالم، ولكنه لم يحرك السياسيين الفاسدين في الدول الغربية المتواطئة والذين في أفضل الأحوال اطلقوا تصريحات مبهمة ولم يقبلوا إدانة دولة الاحتلال، ناهيك طبعًا عن الدعم السياسي والعسكري اللامحدود الذي قدموه بداية الحرب لإسرائيل؛ ولا تزال الولايات المتحدة تقدمه حتى اللحظة وستستمر في تقديمه.

المجتمع الدولي أحادي القطب عاجز تماما عن حماية الفلسطينيين وايقاف المذبحة، وبالتالي فهو عاجز أيضًا عن حماية نفسه من تَغول بعض الدول على القانون الدولي، المجتمع الدولي عاجز تمامًا حتى عن إدانة دولة الاحتلال إلا ما رحم ربي، والكثير فضلوا دفن رؤوسهم في الرمال، اعتقادًا منهم أن هذا سيحميهم في المستقبل وهذا بالتأكيد لن يحصل.  

أود التركيز هنا على دول الجنوب التي اتخذ بعضها مواقف رمادية وفضلوا الحياد السلبي باعتباره أفضل طريقة لحماية أنفسهم وبلدانهم، وأقول أن هذا لن ينفعهم بالمطلق مستقبلًا، فقبولهم وصمتهم على الدوس على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وصمتهم على ما يحدث للشعب الفلسطيني سيمهد الطريق عاجلًا أم آجلًا ليأتي "بلطجية المستعمرين القدماء" لنهب بلدانهم والتَسيّد عليهم، وعلينا أن نتذكر أن غالبية الخامات الأولية للصناعات التقليدية، وكذلك صناعات تكنولوجيا المستقبل تأتي من دول الجنوب، ومع المنافسة المُحتدمة على الأسواق، فإن مصالح دول الاستعمار القديم تتطلب الحصول على هذه المواد.

إما بدون مقابل كما كان يحصل في السابق، أو بأسعار رمزية كما هو حاصل حاليًا، وهذا يعني إجبار هذه الدول إما بالقوة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية على التماهي مع مصالح الدول الصناعية هذه، وما سينتج عن هذه السياسة من مشاكل اجتماعية واقتصادية لدول الجنوب، والتي وعلى الرغم من اختلال الأدوات إلا أنه المُحَصِّلة النهائية تقترب كثيرا لما آلت إليه أحوال الفلسطينيين الآن ولكن بشكل مختلف.

جميع هذا نتيجة لخروج إسرائيل وحلفائها عن مبادئ القانون الدولي وقبول باقي دول العالم بهذا الخروج. 

ألا ترون أن العدوان الصهيوني في الجنوب على غزة وفي الشمال على لبنان يؤكد مضي الكيان الصهيوني في سياسته في تهجير الفلسطينيين والسيطرة على الجنوب اللبناني بالكامل بما يعد انتهاكا للقوانين الدولية والإنسانية؟

- عجز المجتمع الدولي في إغاثة الفلسطينيين في غزة والضفة وعجز مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار بوقف إطلاق النار بسبب الفيتو الأمريكي، ألا يعني ذلك أن إسرائيل في طريق مفتوح لمزيد من التصعيد والعنف والاستيطان بلا حسيب أو رقيب؟

عندما يتعلق الأمر بمجلس الأمن الدولي والقضية الفلسطينية، فعلينا التذكير بدور الولايات المتحدة في تعطيل عمل هذا المجلس بحكم القوة الممنوحة لها والمسماة حق النقض الفيتو، وعلينا التذكير أيضًا أنه ومنذ إنشاء الأمم المتحدة 1945، فإن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت حق النقض الفيتو حوالي 85 مرة، منها 81 مرة لتعطيل قرارات في صالح الشعب الفلسطيني أو لحماية الاحتلال الإسرائيلي.  فخلال الأشهر الخمس الاخيرة فقط، عطلت الولايات المتحدة ثلاث مرات صدور قرار عن مجلس الأمن، ومرة أخرى عطلت تعديل لأحد القرارات، وقبل أيام، عطلت صدور بيان عن المجلس، بشأن مجزرة الطحين في شارع الرشيد التي راح ضحيتها أكثر من 115 فلسطيني كانوا يبحثون عن الطحين والمواد الغذائية، أي أنها استخدمت الفيتو خمس مرات في الأشهر الخمس الأخيرة.

أضيف إلى ذلك كم الدعم العسكري، من الأسلحة والذخائر والمعدات، التي وصلت إسرائيل خلال أشهر الحرب الخمسة من قبل الولايات المتحدة، وهذا يعني بالتأكيد أن أمريكا ذهبت لحدود أبعد بكثير من التواطؤ، إنها مشاركة فعلياً بالحرب على الشعب الفلسطيني، وهناك تقارير إعلامية تشير إلى وجود جنود أمريكيين ضمن القوات الإسرائيلية على الأرض، وعنما ينقشع غبار المعركة سنعلم أكثر عن مدى المشاركة الأمريكية الفعلية في هذه الحرب.

كل هذا يؤشر بشكل لا لبس فيه أن حرب الإبادة التي تخوضها دولة الاحتلال، إسرائيل، مستمرة وأن الأهداف غير المعلنة للحرب وهي تهجير الشعب الفلسطيني من بقية أرضه ووطنه، والتي لا تزال قائمة لدى السياسيين الإسرائيليين، ولا يزال هذا الحلم يراودهم، وقد سمعنا ورأينا الكثير من التقارير الإعلامية الصادرة عنهم أنفسهم والتي تدعو لإبادة أهل غزة وتهجير من بقي منهم والعودة لاستيطان هذا الجزء من جنوب فلسطين التاريخية، وهذا لن يتحقق إلا بمزيد من الموت والخراب والدمار، والذي يحتاج إلى الأسلحة والغطاء السياسي الأمريكي، ومع الأسف الشديد فإن الأخير متوافر وبشدة.

- مرة أخرى تبرر إسرائيل مجزرة دوار النابلسي في غزة التي قامت خلالها بإطلاق النار على مدنيين في انتظار المساعدات بالأكاذيب والتضليل.. متى يتوقف حسب رأيكم الدعم الأمريكي لمثل هذه الجرائم؟

إسرائيل نفسها بنيت على كذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وعندما يتعلق الأمر بالكذب، فعلينا أن نعلم أن إسرائيل دولة صناعتها الأساسية هي الكذب والكراهية، بتقديري الشخصي أن تصوير إسرائيل لمجزرة دوار النابلسي ونشرها لصور المجزرة التي ارتكبها جنودها يهدف إلى بعث رسالة واضحة للعالم، وذلك بعد أن اطمأنت تمامًا إلى أن ردة فعل العالم في أفضل أحوالها إدانة لن تقي المنكوبين شر رصاصهم وبعد أن اطمأنت إلى أن محكمة العدل الدولية لم تطالبها بإيقاف الحرب، وبعد خمس شهور من الإبادة الجماعية، أقول أنها أرادت تصوير المجزرة الأخيرة والإعلان عنها وبثها أن ترسل رسالة واضحة أولًا للشعب الفلسطيني، ارحلوا فلن يحميكم أحد سيما في الضفة الغربية، وللشعوب العربية نحن قادمون لاسيما لأرض إسرائيل التوراتية، وعلينا ألا نستهين بهذا بتاتاً فمن كان يصدق قبل ثمانين عامًا، أن يصبح للغرباء دولة وتحكم العالم أيضًا، ورسالة أيضًا للعالم أنه "زمن البلطجة" والخروج عن القانون الدولي وعلى الجميع أن يهتم بأمر نفسه بنفسه.

وأما بخصوص الدعم الأمريكي، فعلنا أن نتذكر أن من يعتلي قمة الهرم السياسي في الإدارة الأمريكية هم المخلصين لفكرة دولة إسرائيل سواء من اليهود او أتباع المسيحية الصهيونية، وبالتالي، فإن انحياز الإدارة الأمريكية لإسرائيل لن ينتهي إلا بانتهاء حقبة الفاسدين والمرتشين من السياسيين وبقيام ديمقراطية حقيقية تمثل الشعب الأمريكي وليس لوبيات المال والسياسة وشركات الأسلحة.

- هل تعتقدون إنه يمكن التوصل إلى هدنة إنسانية أو وقف دائم لإطلاق النار في غزة ونحن مقدمون على شهر رمضان؟ أم أن الأمور لا تزال غامضة حتى على الوسطاء وغير جدية؟

الكلمات لها معاني، وعلينا دومًا تصحيح بعض الكلمات والمصطلحات. هناك مشكلة جدية وحقيقية، هدنة إنسانية، فهذا يعني استراحة للسفاحين ليعيدوا صيانة معدات القتل خاصتهم وليزوروا أسرهم ويتفاخروا أمامهم بأعداد الضحايا التي ارتقت على أيديهم، وكذلك فرصة للضحايا للاستعداد بشكل أفضل للهروب من الموت القادم.

أقول هنا أن الحديث يجب أن يكون عن وقف دائم ونهائي للحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وليس وقف إطلاق النار، فالأخيرة تعني أن هناك تبادلًا لإطلاق النار، والحقيقة أن هناك إطلاق جحيم من النار من قبل آلة الحرب الأمريكية الإسرائيلية على المحاصرين في غزة، بينما يدافع المحاصرون عن أنفسهم بالرد بإطلاق النار من الأسلحة الخفيفة، وعليه يبقى تعبير وقف إطلاق النار تعبيرًا مظللًا لأنه يوازن ويقارن بين القوتين العسكريتين، وهذا لا يجب أن يكون بتاتًا فالفرق فلكي بينهما إن صح التعبير.

أدعو الله من صميم قلبي أن يتم العمل على وقف نهائي ودائم للحرب الإسرائيلية الأمريكية على الشعب الفلسطيني قبل شهر رمضان فكل دقيقة تعني خسارة أرواح كثيرة من بيننا وكل دقيقة تعني دمار أوسع وأعمق في كل ما يمت للحياة بصلة، ولا تزال الأمور غامضة على الجميع باستثناء إسرائيل وحلفائها بغض النظر عما يحاول حلفاؤها أن يسوقوه من أكاذيب حول اهتمامهم بإيقاف الحرب في رمضان، وعلينا أن نتذكر أن آلة القتل الإسرائيلية لم تتوقف يومًا عن ذبح الفلسطيني حتى في الأشهر الحرم، فهذا آخر ما يمكن أن يهتم به هؤلاء القتلة.

- الثابت أن إسرائيل ومن خلفها أمريكا لا تريد وقفًا نهائيًا وشاملًا لإطلاق النار في غزة بل هدنة إنسانية مؤقتة.. هل يمكن القول أن الفرصة ملاءمة لدى إسرائيل لطمس معالم القضية الفلسطينية وإخضاع الفلسطينيين للاحتلال الدائم مقابل لقمة العيش؟

لنتفق على ان إسرائيل وأمريكا لا يريدون وقفًا دائمًا ونهائيًا للحرب في المدى المنظور على الأقل وليس إطلاق النار، فبالنسبة لهم وقف الحرب تعني لجان تحقيق ومسائلة محلية ودولية وتقارير ستثبت في غالبتها كذب ما روج له الإعلام الإسرائيلي عن 7 أكتوبر لاسيما بشأن اغتصاب النساء وقطع رؤوس الأطفال وغير ذلك، مع عدم إنكارنا بالمطلق للحدث نفسه، والذي نتج عنه قتل عشرات الجنود الإسرائيليين، وكذلك فإن الحرب وحدت الشارع الإسرائيلي المنقسم أصلًا ووقوفها أي الحرب، يعني عودة المظاهرات للشارع الإسرائيلي، وهذه المرة ليس فقط ضد التعديلات القانونية بل أيضًا للمطالبة بمعرفة حقيقة 7 أكتوبر وما بعد هذا اليوم.

وكذلك يجب التذكير أن وقف الحرب يعني حل الائتلاف الحكومي الحالي وخروج بعضهم تمامًا من الحياة السياسية لاسيما وزير المالية المتطرف (بتسلئيل) سموتريتش، وكذلك خروج (بنيامين) نتنياهو إلى الأبد من الحياة السياسية الإسرائيلية وهذا أفضل سيناريو، وهناك سيناريوهات أخرى تتحدث وبقوة عن ذهابه وأفراد من عائلته للسجن. وعلى ما تقدم وغيره فليس من مصلحة رعاة الحرب انتهائها في المدى المنظور. 

أما القضية الفلسطينية فهي عصية على الطمس ولا أعتقد أن أحدًا قادرًا على طمسها فنحن الفلسطينيون نواجه ومنذ وعد بلفور المشؤوم آلة الحرب الصهيونية بكل أذرعها المالية والإعلامية والعسكرية أيضًا، ومع ذلك فلا زلنا كطائر العنقاء، الذي يُحرق ويتحول إلى رماد ويُبعث كل مرة من جديد أكثر قوة وتصميمًا على أن نكون.

وعليه فإن إخضاع قوم الجبارين كان وما زال وسيبقى حلمًا لن ينالوه. صحيح أننا في مرحلة صعبة، ولكننا لا زلنا نتنفس ونتذكر ونتكاثر ولن ننسى ولن نسامح وسنستمر.

- واقع الضفة الغربية ليس أفضل حال من غزة ومع اقتراب رمضان.. هل ننتظر حربًا دينية بالأساس في التضييق على الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين على حد سواء؟

رأينا في السنوات الأخيرة مظاهر كثيرة يدفع من خلالها السياسيين الإسرائيليين باتجاه تقسيم المسجد الاقصى زمانيًا وهذا حاصل حاليًا، ومكانيًا وهم يعملون بشكل جدي على ذلك كما حصل في المسجد الإبراهيمي بالخليل، تمهيدًا لهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم مكانه.

كذلك، فإنهم لا ينفكون عن مضايقة المسيحيين، لاسيما في القدس المحتلة، وقد رأينا الكثير من الفيديوهات التي توثق تهجمهم على المسيحيين والبصق عليهم وتبرير قادتهم الدينيين لهذه العمليات المهينة باعتبار أنها عادات يهودية مُستحبة، أنهم يعملون بكل طاقتهم لاندلاع حرب دينية تطال الجميع ولن تترك أحدًا بدون الاكتواء بنارها.

- أخيرًا.. كيف ترون مستقبل القضية الفلسطينية وجدواها هل بانتخابات تشمل جميع القوى الفلسطينية ووحدة وطنية شاملة أم بمحاولات جادة بين جميع الأطراف الفلسطينية السياسية لتقريب وجهات النظر من أجل الشعب الفلسطيني وحرية معتقليه؟

لا أفشي سرًا عندما أقول أن الحياة الانتخابية وتداول السلطة هي مطلبنا في السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وقد عَقدنا منذ إنشاء السلطة الوطنية دورتين انتخابيتين للمجلس التشريعي الفلسطيني، آخرها كان في عام 2006.

بعدها حصل الانقلاب العسكري من قبل حماس على السلطة الوطنية، وبقيت الأخيرة تحكم فقط في الضفة الغربية حيث الحياة الانتخابية موجودة، فالبلديات ومجالس الطلبة في الجامعات، والنقابات المهنية والمجالس المحلية وغير ذلك من المؤسسات المنتخبة تعقد انتخاباتها بشكل دوري وحسب القوانين المعمول بها من قبلهم ومن قبل السلطة الوطنية وفي مواعيدها المحددة بالضبط.

في غزة عُطلت الحياة النقابية والانتخابات تمامًا فمجالس البلديات والنقابات المهنية بالتعيين من قبل حماس والحياة النقابية في الجامعات معطلة تماماً منذ الانقلاب العسكري. 

بخصوص الانتخابات العامة فقد دعا الرئيس محمود عباس لإجرائها بعد ان أكد له المجتمع الدولي بأن القدس هي دائرة انتخابية مثل باقي محافظات الوطن وهذا بالمفهوم السياسي والسيادة على القدس الشرقية أكثر أهمية بالنسبة لنا من أي شيء آخر، إلا أنه وعند البدء العملي بالتحضير للانتخابات، وبعد ان أصدر الرئيس المرسوم الرئاسي حسب القانون الأساسي الخاص بالانتخابات العامة بتاريخ 15 يناير 2021، رفضت إسرائيل إجراءها في القدس الشرقية باعتبارها أرض إسرائيلية خالصة، الأمر الذي قوبل بالرفض التام من قبل السيد الرئيس ابو مازن، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات وليس إلغائها.

على الرغم من الثمن الذي دفعه الرئيس شخصيًا من هذا التأجيل، إلا أنه كان وما يزال وسيبقى ينادي بأن القدس الشرقية دائرة انتخابية مثلها مثل باقي محافظات الوطن، وأننا لن ننساق إلى أي مخططات لفصل القدس الشرقية سياسيًا عن باقي أجزاء الدولة الفلسطينية.