حكايات| أحياء مصر تبتسم بـ«زينة رمضان»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: علا نافع

قصاصات ورقية زاهية الألوان، أحبال بلاستيكية طويلة، عجين من الدقيق والنشا، خيوط مختلفة الأحجام ومقص حديدى، يتبارى أطفال الحارات الضيقة والشوارع الواسعة فى صنع زينة رمضان وفانوسه الورقي الكبير، يخصصون ليلهم وساعات من نهارهم فى صناعتها.

◄ الكتب والكراسات القديمة أصل صناعتها وعجين الدقيق للصقها

فى هذه المهمة الجميلة لا فرق بين مسلم ومسيحى، فكل طفل يعيش فى الحي يستنفر همته ويعمل على قدم وساق خاصة لصنع زينة رمضان، خصوصا أن الأقباط يبدأون صيامهم الكبير بالتزامن مع بدء صيام المسلمين فى شهر رمضان.

كل الصغار ينفقون مصروفهم اليومى وربما كل مدخراتهم لشراء مستلزمات الزينة عن طيب خاطر، يدندنون بكلمات أغنية "رمضان جانا وفرحنا به.. أهلا رمضان"، وفور الانتهاء من صناعة الزينة يأتى دور الكبار حيث تنحصر مهمتهم فى الصعود على السلالم الخشبية وتعليق الزينة تحت إشراف وتوجيه الصغار.

◄ اقرأ أيضًا | المصري يكسب.. إقبال كبير على شراء فانوس رمضان بكفر الشيخ 

◄ كتب وكراسات 
يقول الطفل عبدالرحمن خالد (13 سنة): مع بداية شهر رمضان يقوم كل أطفال الحى بالمشاركة فى صنع زينة رمضان، حيث نحضر الكتب والكراسات القديمة ذات الحالة الجيدة التى لم نعد بحاجة إليها، لاستخدامها فى صنع الزينة، ثم نتجمع فى الشارع ونبدأ فى العمل، ونقسم أنفسنا لمجموعات، فريق مهمته قص الورق وتشكيله على هيئة نجوم ومثلثات صغيرة أو قصها بشكل طولى لأحجام متساوية، وفريق مهمته تلوينها، أما الفريق الأخير فمهمته هى الأصعب وهى لصق الزينة وربطها فى حبال قوية باستخدام عجين الدقيق والنشا.

يتابع: مؤخرا ابتكرنا زينة جديدة نصنعها من الورق البلاستيكى المستخدم فى لف الهدايا ذى الألوان المتنوعة ونشتريه من محلات الهدايا ويمتاز بقوته فلا يُقطع بسهولة، بخلاف صوته المميز مع حركة الرياح، كما أنه يوفر علينا وقتا كبيرا فى تلوينه وفرده ونقوم بتعليقه على واجهة البيوت والعمارات، مؤكدا أن أصدقاءه من الأطفال المسيحيين يشاركون فى عمل الزينة وهم فى سعادة كبيرة.

◄ شهرة وسعادة
أما مصطفى فتحي (12 عامًا) فيقول: تختلف مهمة كل فرد فى فريق تصنيع زينة رمضان، فمهمتى هى تجميع النقود من منازل الجيران والأصدقاء وعمل ميزانية لكل ما سوف نشتريه، فهناك من يساهم بمبلغ كبير وآخرون يدفعون مبلغا بسيطا كلٌ حسب إمكانياته، ونبدأ العمل آخر النهار، ويقوم بعض الأطفال بمهمة تعليق الزينة بين شرفات المنازل ووضع الفانوس الكبير فى مكان مميز ليشاهده المارة.

ويضيف: يشارك الآباء أيضًا فى هذه المهمة، حيث يعلقون الزينة فى الأماكن التى نختارها، فيصعدون على السلالم الخشبية ويربطونها فى الشبابيك والبلكونات خلال دقائق وسط تصفيق وتهليل الأطفال الصغار، كما يحرصون على التقاط الصور التذكارية معنا، وتتطوع الأمهات بإعداد العصائر لنا وتشجيعنا على الانتهاء من المهمة سريعا حتى لا ننشغل عن دروسنا ومذاكرتنا، مشيرا إلى أن أطفال الأحياء المجاورة يدخلون فى منافسة معهم حول أجمل وأطول زينة ونستخدم الفيسبوك لمعرفة آراء الناس طوال الشهر الكريم، والمجموعة التى تفوز تلتقط صورة للزينة وينشرها أدمن صفحة الحى على فيسبوك.

◄ ذكريات وشجون 
فيما يقف محمود جمال (32 عامًا) يساعد أطفال الحى فى مهمة تعليق الزينة، ويتذكر أيام طفولته عندما كان يحرص على الاحتفاظ بكراساته القديمة وصفحات المجلات الزاهية ليستخدمها مع أقرانه فى صناعة فانوس كبير، كما كان يضع الزينة فى بلكونة بيته لإشاعة البهجة فى البيت.

يقول محمود: لا يزال الأطفال يبحثون عن سعادة رمضان بطقوسه الخاصة ومنها صناعة الزينة الورقية، فهى من أهم العادات التى توارثتها الأجيال، ومهمة صناعتها تنمى داخل الأطفال مسئولية كبيرة وتجعلهم يقدسون الشهر الكريم وينتظرونه من عام لآخر، مشيرًا إلى أن الزينة الحديثة والإضاءة الكهربية لم تسحب البساط من تحت الزينة التقليدية. 

ويتابع: من ميزات صناعة الزينة أن كل الأطفال باختلاف أعمارهم وانتماءاتهم الدينية يشاركون فيها، فالأطفال الصغار مهمتهم جمع الكراسات والكتب القديمة من المنازل، والأكبر سنا يقومون بقصها وتلوينها ولصقها فى الحبال، مؤكدا أن أطفال الحى المسيحيين هم الأكثر تعبيرا عن سعادتهم لقدوم شهر رمضان خاصة أنهم سيبدأون الصيام الكبير فى نفس موعد صيامنا.

◄ بهجة التجهيز
ومن محافظة الشرقية يقول سعيد رجب (28 عامًا)، إن أطفال زقاق قريته الصغيرة ينتظرون رمضان بفارغ الصبر لصنع الزينة ويطلبون منه مساعدته في تعليق الأفرع الكهربائية التى اشتروها خصيصا لتعليقها مع الزينة الورقية والمجسمات الكرتونية بحيث يكون هناك مسافة بين كل حبل وآخر، وهذا يشعرنى بالدفء ويجعل لدىّ حنين للحظات طفولتي القديمة، مشيرا إلى أن أفضل وقت يختارونه لتعليق الزينة بعد غروب الشمس حيث يحمل سلمه الخشبى ويبدأ مهمته.

وعن أحدث صيحات الزينة يشير رجب: عادت فكرة الاستعانة بفانوس رمضان الخشبى حيث نتفق مع أحد النجارين لصناعته بسعر بسيط ووضع مصباح كهربائي بداخله وتغطيته بورق ملون، وكذلك المجسمات الورقية على شكل هلال رمضان ونجومه المضيئة، فضلا عن مثلثات من قماش الخيامية بألوانه المختلفة لكن لا تزال الغلبة للزينة المصنوعة يدويا.

◄ تاريخ الزينة
وحول الأصل التاريخى لزينة رمضان، يقول الدكتور أحمد إبراهيم، أستاذ التاريخ الإسلامى: بدأت فكرة زينة رمضان على يد الصحابى تميم بن أوس الدارى الذى أضاء المساجد ليلا بقناديل زيتية ليلة كل يوم جمعة باعتبارها ليلة مقدسة لدى المسلمين، ثم أمر الخليفة عمر بن الخطاب بإنارة المساجد فى رمضان أثناء صلاة التراويح كى تستقبل المساجد الشهر الكريم وهى مُنارة وكانت تلك هى البذرة الأولى لزينة رمضان.

ويضيف: فى عهد الدولة الفاطمية استمرت الاحتفالات بالشهر الكريم وتنوعت المظاهر من نثر الذهب على الشعب ليلة رؤية هلال الشهر، كما كان الخلفاء يخصصون أموالا لشراء الشموع والبخور الهندية ووضعها بباحات المساجد الكبرى، وفى ليلة دخول المعز لدين الله الفاطمى مصر بأحد أيام رمضان استقبله الأهالى وهم يحملون فوانيس كبيرة ليضيئوا له الطريق ومن هنا جاءت فكرة فانوس رمضان.

وفي عهد الدولة الطولونية توسع الاعتماد على زينة رمضان، فكانوا يضيئون الساحات ويزينون الشوارع بجانب تزيين المساجد، ثم انتقلت تلك المظاهر بعد ذلك للدولة العثمانية وأصبحت تقليدًا سنويًا.