«يوم الشهيد».. أهالي الشهداء يتحدثون عن فداء وتضحية الأبطال

الشهيد المجند بيشوى يتوسط والديه
الشهيد المجند بيشوى يتوسط والديه

الشهداء أبطال خالدون فى الوجدان، كتبوا بدمائهم الطاهرة سطورًا فى ملحمة حب مصر، دافعوا عنها بأرواحهم فى حربها ضد الإرهاب، سطروا أسمى معانى الشرف والبطولة.. تزخر السجلات العسكرية بأسمائهم وبطولاتهم وقصص استشهادهم، ودمائهم التى ارتوت منها أرض الفيروز.

اقرأأيضا|محمد المعتز رشاد.. استشهد في رفح و«الوصية» جسدت حياته

وعلى مر التاريخ والأزمنة، كان لمصر آلاف الشهداء، جيل من بعد جيل، قدموا أرواحهم فداءً لها، ودفاعاً عنها ضد المعتدين والمستعمرين، ودحر الإرهاب، ومن هنا تحرص القوات المسلحة المصرية على إحياء ذكرى يوم الشهيد عرفاناً وتقديراً لشهداء مصر على مر التاريخ.. الشهداء أوفياء ليمين الولاء للوطن، افتدوه بحياتهم، تاركين خلفهم الزوجة الباكية، والأم الثكلى، والأب المتوجع من الفراق، والأبناء والأخوة المحزونين، فالشهيد هو ابنٌ وزوجٌ وأبٌ وأخٌ وعمٌّ وخالٌ وصديقٌ، وهو أول حبيب وأول فرحة لأم شابة.

وفى ذكرى يوم الشهيد، يتجدد العزم والإصرار فى نفوس أبناء القوات المسلحة لرفع راية الوطن والتضحية من أجله، فدماء الشهداء والمصابين تزيد زملائهم من الجنود والضباط عزماً وإصراراً على استكمال المسيرة الوطنية فى الدفاع عن مصر وحماية أرضها وشعبها.

يوافق يوم الشهيد ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض الملقب بـ «الجنرال الذهبى» فى 9 مارس من عام 1969، حينما توجه إلى الجبهة فى اليوم الثانى لحرب الاستنزاف ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم السابق، وليكون بين أبناء قواته المسلحة فى فترة جديدة تتسم بطابع قتالى عنيف ومستمر لاستنزاف العدو.

وخلال مروره على القوات فى الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، أصيب الفريق رياض إصابة قاتلة بنيران مدفعية العدو، وفارق الحياة خلال نقله إلى مستشفى الإسماعيلية، وخرج الشعب بجميع طوائفه فى وداعه، مشيعين جثمانه بإجلال واحترام، ممزوجين بالحزن العميق.. وتم تكريم اسم القائد الراحل باعتبار يوم استشهاده يوماً للشهيد، ومنحه الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، رتبة الفريق أول، ونجمة الشرف العسكرية التى تعتبر أرفع وأهم وسام عسكرى فى مصر، فضلاً عن وضع تمثال له فى أحد أكبر ميادين القاهرة الذى بات يحمل اسمه، وهو ميدان عبدالمنعم رياض على كورنيش النيل بمنطقة وسط البلد، وبالقرب من ميدان التحرير.. والاحتفال بيوم الشهيد مناسبة لتذكر حكايات الفداء والتضحية لأبطال القوات المسلحة، وبهذه المناسبة زارت «أخبار اليوم» بعض أسر الشهداء للحديث عن بطولات عظيمة سجلها التاريخ بحروف من نور.

زوجة الشهيد عميد أ.ح. أحمد الدسوقي: لم يتراجع عن خدمة وطنه والدفاع عنه

تقول الدكتورة رشا السعداوى زوجة الشهيد عميد أ.ح. أحمد عبدالمحسن السيد الدسوقى: زوجى منذ طفولته كان راجل قبل الأوان منذ وفاة والدته وعمره 12 عاماً فقط، وأكمل المشوار برفقة ابيه واشقائه، والتحق بالكلية الحربية عام 1995، وتخرج فيها عام 1998 برتبة ملازم وتدرج بالوظائف القيادية المختلفة.

وتضيف: تزوجنا فى عام2004 بعد خطوبة دامت 6سنوات اثناء دراستى وانجبنا مؤمن وملك ومحمد، وكان نعم الزوج والاب والصديق، وكان يتابع كل شىء ليضع الأمور فى نصابها الصحيح، وخدوم لكل من يلجأ إليه فى أى مطلب.

وتعرض الشهيد لإصابة بشظايا فى القدمين فى صد هجوم للارهابيين وإصابة أخرى فى مداهمة أصيب فيها بكسر فى الضلوع والفقرات، ورغم ذلك لم يتراجع عن خدمة وطنه والدفاع عنه.. وتقول: كان لدى الشهيد فرص كبيرة بعد أن أصيب مرتين بإصابات بالغة لكى يبتعد عن الخدمة فى سيناء، وينتقل لمكان آخر أكثر أمنا وأمانا وراحة، ويكتفى بخدمة ما يقارب 5 أعوام تنقل خلالها بين عدة قطاعات بشمال سيناء، حتى أقرب الناس له نصحه بالاكتفاء من الخدمة فى سيناء، ولكنه كان يرد عليهم قائلاً:»بقى بعد كل التعب ده عايزينى أموت على السرير؟!».

ذكرت الدكتورة رشا أن آخر محادثة بينهما حاولت أن تقنعه بالاكتفاء من العمل فى سيناء بعد أن كتب الله له النجاة أكثر من مرة فرد عليها قائلاً:» إن للعمل فى سبيل الله ونصرة لدينه لذة لا تعادلها متع الدنيا». وعند مغادرته فى كل مرة إلى خدمته يذكرها بمكان المسك الذى سيغسل به ويوصيها ألا تنساه وبالفعل لم تنس الزوجة ذلك .وقالت: لقد استشهد وهو صائم، وترك لنا جميعاً إرثا كبيرا من الفخر والعزة.

ووجهت لزوجها الشهيد بعض الكلمات قائلة: أوعدك أنى هكمل الرسالة على أكمل وجه، وأولادك فى ولاية المولى عزوجل بسبب عملك وسيرتك الطيبة، ويكفينى شرفاً حصولى على لقب زوجة الشهيد، وأصبح لى مكان فى الجنة، والى لقاء فى الفردوس. 

والدة الشهيد عاصم: رجل صدق ما عاهد الله عليه

وجهت السيدة وفاء والدة البطل العقيد أركان حرب عاصم محمد عصام كلمات إلى فلذة كبدها وصوتها يعتصره الألم ولكنها تتماسك قائلة: حبيبى يا عاصم وحشتنى أنا بدعى المولى عزوجل أن يصب عليا الصبر صباً صباً، وعارفة انك فى مكان أفضل، وأن الشهادة قدرها عظيم ويتمناها الجميع واحتسبك من الشهداء، لقد كنت من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والحمد لله على كل شئ، واطالع صورتك يومياً وانت تحتضن ابنك عمرو ، فهو نسخة مصغرة منك وادعو له هو ويمنى ابنتك أن يقر أعيننا بهما ويبارك فيهما.. وأضافت: كنت اتابع يوم الشهيد بدموع جارفة وجعاً على الشهداء لكن هذا العام الألم مختلف وأنا بين أسر الشهداء، وكنت اتمنى أن تربى اطفالك لكنك تركت لهم الشرف والكرامة.
وتابعت: كان بيقولى أنا بعد منسى يا أمى وبالفعل لحق بركب الشهداء.

بينما قالت الدكتورة أميرة زوجة الشهيد: احسبك عند الله من الشهداء ولا اذكى على الله احدا وربنا يجمعنى بيك فى الفردوس الأعلى.

وتتذكر قبل نزوله من المنزل آخر مرة حيث قال لها متزعليش دون ايضاح أو سابقة حوار، وليلة الاستشهاد دارت بينهما مكالمة عبرت فيها عن احساسها بالضيق دون مبرر وأخبرته أنها فى أشد الاحتياج لوجوده فى تلك اللحظة لكنه هدأها وطمأنها وذكرها بأنه يحملها أمانة ولكنها تستطيع الوصول لبر الامان بالطفلين ودعا لها كثيراً.

وتضيف: دائما اتحدث مع ابنائنا عنه وأقول لهم إن بابا راح يبنى لينا بيت كبير فى الجنة، وسبقنا على هناك، وبابا كان بيحارب الأشرار، وبالرغم من حداثة سنهم إلا أن لديهم وعيا وفخرا بما قدمه والدهم.

والدة الشهيد طيار: راضيـة والفـراق صعب

اما السيدة رتيبة والدة الرائد طيار أحمد على ابوزيد بدموع منهمرة تقول ابنى حبيبى عريس الجنة تسعد وتتهنى فى جنتك.. كنت وطنيا مخلصا للبلد متفوقا فى شغلك جدا كنت دايما بتقولى احنا كلنا فدا البلد دى حبيبى انت روحت عند ربنا علشان مصر تعيش.. انا راضية جدا بس فراقك صعب اكيد.

والدة المجند أحمد فوزى: لقب أم الشهيد.. وسام شرف

تقول السيدة حنان بكر والدة الشهيد المجند أحمد محمد فوزي: عندما تلقيت نبأ استشهاد ابنى استودعته عند الله، وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله، وصحيح أن ألم الفراق صعب إلا أن الله تعالى رحيم بعباده فقال «وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون».

وأضافت: ربنا ابتلانا لأنه بيحبنا، وابتلانا حتى يرفع درجتنا عنده، ونحن فى اختبار صعب، ولكن ما يجعلنا نصبر أن أولادنا الشهداء فى مكان أفضل، ويرون أماكنهم فى الجنة، ولنا شرف أن عاش بيننا واحد من أهل الجنة

وتابعت: أنا بفتخر بأبنى الشهيد، وبفتخر بأنى أم الشهيد، وهذا اللقب شرف ووسام على صدري، وكل أم شهيد ربنا أرسل لها علامات أن ولادنا فى الجنة، وهذه رسالة من ربنا إننا نصبر على فراق الشهداء لأنهم هيأخدوا أيدينا للجنة، فيجب على كل أم شهيد أن تصبر فلها شهيد ينتظر أن يأخذ بيدها إلى الجنة.
 

زوجة الشهيد محمود: تضحيات الشهداء في مكانها الصحيح

تقول السيدة شدى ممدوح زوجة الشهيد المقدم محمود جمال منتصر: تزوجنا فى عام 2012، وانجبنا يحيى وأسر ومارية التى فارقها ابيها وهى رضيعة عندها 5 أشهر، كان زوجا وأبا عطوفا ومحبا لزوجته وأبنائه، يتقى الله فى معاملتهم، ويخاف الله فيهم، كان رجلا هينا لينا بشوش الوجه، متفاهما يتقى الله فى كل تصرفاته، وكان بطلا دائماً، مخلص النية فى عمله فى سبيل الله، ولايعتبره مجرد عمل.. وتضيف: زوجى كان كتوما بما يخص عمله، هدفه هو حماية بلده وارضه وتحقيق الأمن والأمان، وكان قلبه مليئا بالإيمان وشجاعته وحبه لوطنه طاقة ايجابية للمحيطين به.

ذكرت السيدة شدى زوجة الشهيد أنه قبل استشهاده حدثها بمكالمة لم تفهمها وقتها، وأوصاها على والدته، وأوصاها بالتماسك وتحكيم عقلها على العاطفة مهما كانت الظروف، ولما سألته عن سبب هذا الكلام ؟! تهرب من الإجابة واختتم مكالمته بالشهادتين.

كما ذكرت أن آخر اجازة له كان يودعها ويوصيها على الاولاد، وانه لا ذنب لهم فى غيابه، وشدد عليها بضرورة أن تبذل جهدها لاسعادهم وادخال الفرحة دوما فى قلوبهم، وأن تعمل جاهدة لتحقيق كل ما يتمنونه، وقال لها قوليلهم انى بحبهم وانهم بيوحشونى وكل منهم له مكانته فى قلبي.

كل هذا ولم تع الزوجة أو لا تريد أن تعى أنها لحظات الوداع الأخيرة من الدنيا، وفى الصباح استيقظت الزوجة من نومها لتجد زوجها مرتديا الافارول ويصلى الفجر، شعرت وقتها بوخزة بقلبها كأنه اخر لقاء تراه فيه، حاولت أن تودعه وتكلمه، وهو لم يرد عليها، وحتى عينه لم تنظر لعينيها وترك المنزل دون أن يسلم على اولادهما، وكأنه لا يستطيع أن يودعهم واستشهد ونجحت الزوجة فى تحويل حزن الأبناء على فقد والدهم إلى فخر.

واختتمت الزوجة حديثها موجهة كلمات لزوجها البطل قائلة: أنا على العهد وملتزمة بوصيتك وما يؤلمنا هو ألم الفراق، ومصر بخير وتضحياتك انت وزملائك فى مكانها الصحيح.
والدة الرقيب: أحتسـبك عند الله

أما صفاء صلاح الدين والدة الشهيد الرقيب متطوع محمود السيد البقاش تقول: كان هادئا منذ صغره وحتى استشهاده.. كانت كل الناس تحبه وتحب طيبته وأدبه ...

ارتقى ابنى البطل إلى الجنة لنعيش فى امان واستقرار بفضل دمائهم وتضحياتهم، رحمك الله يا قلبى ويا فلذة كبدى.. واستكملت: أنا  فخورة اوى لما حد يقولى يا ام الشهيد ولما حد يقولى ربنا يصبرك اقولهم الحمد لله ابنى شهيد حى عند ربنا.

وانخرطت فى  البكاء مرددة.. احتسبتك عند الله يا محمود ياحبيبى.

والدة الشهيد ملازم أول وليد: معايا حتي في أحلامي

تقول السيدة فاطمة حفنى والدة الشهيد ملازم اول جوى وليد حسن عبدالفتاح  إن ابنى شعلة من مشاعر الحب والطيبة والعطاء والحنان كان رجلا بقلب طفل برئ لم تلوثه الدنيا ويسألنى مرارا وتكرارا عن ماذا اريد حتى يحضره لى   بالرغم من عمله الشاق ومشاغله الكثيرة لم يتأخر عنى فى أى مناسبة بالسؤال عنى وتقديم الهدايا وكنت ارد عليه ان وجودك فى حياتى اثمن واغلى هدية فى الحياة وأتذكر ليلة سفره الأخير للمطار وهو يجلس بجوارى كعادته ليفاجئنى بطبع قبلات متسارعة على يدى تعبيرا عن حبه لى بل وقبل قدمى وسألته ليه كده قالى اصلى بحبك اوى فكان ردى هو حضن دافئ له واكدت له انه حياتى هو وشقيقته ندى وتعجبت للموقف كثيرا... والآن امسك بصوره واشتكى لها وأحدثها.. أتذكر آخر مكالمة طلبت منه أن يأتى لإعادتى للقاهرة ولكن الاجابة مش هقدر اجى ياماما وهى المرة الاولى لرفضه..ووجهت له كلمات بصوت يخنقه بالبكاء: وحشتنى اوى ياوليد انت فديت مصر وفخورة بيك .. بفتكر كل لحظة ومعايا حتى فى احلامى.

والدة الشهيد أحمد: مصر تستحق دم ابني

«راضية بقضاء الله، واحتسب ابنى عند الله شهيدا حيا فى الجنة»...هكذا بدأت السيدة عزة زين الدين والدة الشهيد النقيب أحمد عبدالسلام عبدالواحد حديثها لـ «أخبار اليوم»، وقالت: بالرغم من مرور 8 سنوات على فراقه إلا اننى اردد اللهم لك الحمد والشكر يارب لأنك اكرمتنى واكرمت ابنى بالشهادة، فلقد احتسبته من الشهداء عند الله، فمصر تستحق دم ابنى وكل أبنائنا وانا قبلهم دمى فداء لمصر.

وأضافت: أتذكر فى آخر اجازة له أننى وضعت له الطعام وجلست معه برفقة والده لنتناول وجبة الغداء، وكان ذهنه يشرد قليلاً، وظل يغنى ويقول: «وإن مت يا أمى متبكيش راح أموت علشان بلدى».

ووجهت كلماتها لابنها الشهيد قائلة: وحشتنى يا أحمد وحاسة انك معايا فى كل مكان، وشكراً انك جعلتنى أم البطل يابختك بالجنة، طلبت الشهادة ونلتها، كنت خير الابن البار بوالديك وبأسرتك، ووصلت الأرحام، وسعيدة انك هتودينى الجنة يابطل.

والد الشهيد بيشوي شهدي: ابنى عريس فى الجنة

قال والد الشهيد جندى مقاتل بيشوى شهدى عبدالمسيح: ابنى كان ذا طبيعة خاصة، مهذب، وراجل بمعنى الكلمة، وكان يحرص على العمل منذ صغره لمساعدتنا، وكنت انتظر انتهاء خدمته العسكرية حتى أعتمد عليه، وكان لديه احساس بالشهادة، واتذكر اننى شاهدته يجلس بين قدمى والدته يقبلها ويقول لها: «عاوزة لقب أم البطل ولا أم الشهيد» وهى دموعها تنهمر طالبة منه عدم التحدث كذلك، ولكن لم يتوقف وطالبها بالصبر والقرب من المولى عزوجل.

لحظات صمت وصوت مخنوق من الأب اثناء حديثه ويستكمل قائلاً: بيشوى أكبر اخواته وكان خاطب وملحقش يتجوز ، ولكنه عريس فى الجنة، وقبل مغادرته آخر مرة لخدمته فوجئت به يحتضنى بقوة على غير عادته وكأنه يودعنى، ورفض أن أقوم بتوصيله ووجدت نفسى اتابع ابتعاد خطواته عن المنزل وأنا فى حالة تعجب لما اشعر به، وقد ترك لنا وصية ومحتفظ بها وانفذها على أكمل وجه.