مأساة الأديب الأسير المرشح لـ«البوكر» العربية| الصحف العبرية تهاجمه.. والاحتلال يقمعه.. والقاهرة تستقبل روايته

يوسف خندقجي
يوسف خندقجي

الأديب الفلسطينى الأسير «باسم خندقجي» ، وُلد فى مدينة نابلس عام 1983، وهو أحد أبرز مفكرى الحركة الفلسطينية الأسيرة، تنوع إنتاجه الإبداعى بين الرواية ، والشعر، والمقالات السياسية، والتاريخية، اعتقله الإحتلال الإسرائيلى خلال انتفاضة الأقصى عام 2004، وحُكم عليه بالسجن المؤبد ثلاث مرات، ولا يزال محبوسا داخل سجن «عوفر» الصهيونى، وقد تطور الأمر إلى عزله انفرادياً منذ ساعات، حيث نقله المحتلون إلى زنزانة أخرى بعد التحريض المستمر من قبل الصحافة العبرية ضده بسبب الرواية المرشحة لهذه الجائزة الدولية التى تُمنح فى «أبو ظبى»، ونعنى بها الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، كان «باسم» قبل روايته» «قناع بلون السماء» التى صعدت الى القائمة القصيرة لـ «البوكر»، قد أصدر مجموعتين شعريتين، وخمس روايات، ولا تزال «محنة المهبولين» تحت النشر، ويقول الباحث والصحفى الفلسطينى د.محمود بركة: إنه أشرف على تدشين وإطلاق رواية «قناع بلون السما» من القاهرة، عاصمة الثقافة العربية، من خلال معرض القاهرة الدولى للكتاب، وجاء تصعيد رواية «قناع بلون السما» إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية «البوكر» 2024، مدخلاً أثار لدينا العديد من الأسئلة، كيف استطاع أسير فى معتقل الاحتلال الصهيونى وسط كل الإجراءات التعسفية التى يتعرض لها داخل السجون أن يتمكن من كتابة رواية ، وتأخذ طريقها إلى النشر؟، بل ويجرى ترشيحها لحصد إحدى الجوائز المرموقة فى العالم العربى، بحثنا عن وسيلة للتواصل مع أخيه «يوسف»..، المسئول عن متابعة أعمال شقيقه «باسم» منذ اعتقاله، ليجيب عن استفساراتنا الحائرة.

■ باسم خندقجي

متى جرى اعتقال «باسم» ولماذا وكيف؟
- أُعتقل يوم 02/11/2004 قبل وفاة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، وتعرض للتنكيل أثناء عملية الإعتقال، وجرى نقله إلى مركز تحقيق «بيتح تيكفا»، وحُكم عليه بالسجن المؤبّد ثلاث مرات بتهمة العمل الفدائى خلال انتفاضة الأقصى، ولا يزال قيد الأسر.

كيف خطرت لكم هذه الفكرة، أسير يكتب رواية رغم أسره فى سجون الاحتلال كمعتقل مدى الحياة؟
- فى البداية «باسم» من مواليد مدينة نابلس 22/12/1983 ترعرع تحت ظلال عائلة يسارية تقدمية تمتلك أقدم مكتبة فى مدينته، درس فى مدارس مدينة «نابلس»، ودرس الصحافة والإعلام فى جامعة النجاح الوطنية، وهو يقرأ منذ صغره، وأذكر عندما كان عمره اثنى عشر عامًا قرأ رواية «نهاية رجل شجاع» للروائى السورى الراحل «حنا مينا»، وقد تأثر بها إلى أن كُبر، وبدأ يكتب النصوص، والقصص القصيرة حتى جرى اعتقاله.

هل بدأت الفكرة لكسر ملل الحبس الطويل، أم محاولة فضح جرائم العدو الذى سلبه حريته؟
- كما أسلفت لك سابقًا، أكمل «باسم» مسيرته الأدبية داخل سجون الاحتلال متنقلًا من سجنٍ إلى آخر، كانت لديه مكتبة متنقلة داخل المعتقل، وكان يقرأ الروايات، والكتب النقدية، والدراسات إلى أن بدأ يكتب الروايات، ومارست ضده إدارة السجون فى بداية اعتقاله بعض الإجراءات المتعسفة مثل: منع إدخال الكتب إلى أن اشتدت عليه العقوبات، وهو ما زاد من إصرار «باسم» على الكتابة، وهو يعتبر السجن مثل السفر أو العزلة يستطيع من خلاله الإبحار فى عالم الأدب، فبدأ يكتب العديد من المقالات النثرية، وعن المرأة الفلسطينية ونضالها ضد المُحتل فى بداية اعتقاله والدراسات عن السجن، وخارجه، وقد تأثر كثيرًا بالمستشرق الفلسطينى الراحل د.«إدوارد سعيد».

ما الوسائل التى جرى اتباعها فى كتابة رواية «قناع بلون السماء»، وكيف استطاع تهريب النص إليك على الرغم من الإجراءات الإسرائيلية المشددة، والتقنيات الحديثة المُستخدمة داخل السجون؟
- أن تكتب رواية داخل السجون هذا أمر صعب جدًا، حيث إنه عانى خلال السنوات التى قضاها داخل المعتقل من الإجراءات التعسفية ضده وضد الأسرى الآخرين أيضًا، وهذا الأمر سبب بعض الاضطرابات داخل السجون، وأدى إلى اتخاذ إجراءاتٍ تصعيدية ضد إدارتها، وكلنا يعلم بذلك، أما رواية «قناع بلون السماء» فقد مثَّلت مشروعاً كبيراً لأخى، حيث إنها تختلف كثيرًا عما كتبه من رواياتٍ سابقًا، فالأسلوب المتبع فى السرد مختلف كثيرًا، ومتطور أكثر، والرواية تمثل ثلاثة أجزاء بعنوان «ثلاث مرايا»، وهذا الحديث سابق لأوانه، وبالعودة إلى الرواية، وقبل البدء فى كتابتها طلب «باسم» الكثير من المعلومات عن «الفيلق الرومانى السادس»، و«كيبوتس» مشمار هعيمق، وقرية «اللجون»، وسهل «مجدو»، وتكونت لدى «باسم» فى المعتقل معلومات كثيرة، ولكنها لم تكن كافية، فتواصلت مع د. جونى منصور، وهو مؤرخ فلسطيني، زودنى بكافة المعلومات، وبعدها واجهت صعوبة  فى إدخال الكتب لأخى، وبعد مماطلة طويلة وافقت إدارة المعتقل على إدخالها ، وقد استغرق جمع المعلومات للرواية ثلاثة أعوام، وأدخل «باسم» بعض التعديلات، وقام بدراستها ونقدها وأنجز الرواية، فى البداية كتب مسودة، واحتفظ بها خوفاً عليها من المصادرة، وخرجت الرواية إلى النور بصعوبة بالغة جدًا، حيث حاول «باسم» إخراجها مع بعض الأسرى إلا أن إدارة السجن قامت بمصادرتها بحجة الدواعٍى الأمنية، فقام بإرسالها عبر البريد الإسرائيلى، وللأسف وصلت الرواية منقوصة الأوراق، وانتظرنا فترة حتى وصول بقية الأوراق.

هل شعرتم أن هذه الرواية حققت الصدى المطلوب منها؟
- لنكن صرحاء، لستُ أنا من كتب الرواية، ودائمًا المؤلف له وجهة نظر أخرى بأعماله الأدبية، و«باسم» ليس معنا لكى يعرف مدى الصدى الذى حققتها روايته ، فالأوضاع داخل السجون الإسرائيلية صعبة جدًا، أما بالنسبة إلى فأنا كوكيل لـ«باسم» وعنه، أرى أن صداها جيد، وأتمنى المزيد، لأن الرواية كُتبت داخل السجون بأسلوب وبناء روائى مختلفين، وتتناول موضوعاً مهماً ، وأنا لا أريد من أحد قراءة الرواية للتضامن مع «باسم» بل للتعرف على الهوية الفلسطينية المسروقة من قبل هذا الاحتلال، أُريد أن تصل إلى كل القرّاء فى العالم أجمع، وتعمل دار نشر «الآداب» جيدًا فى توزيع الرواية على كافة مكتبات الوطن العربى، مع العلم أن عدد الطبعات وصل إلى أربعة طبعات بالإضافة إلى الطبعة المصرية، ولكن صدقنى لو«باسم» معنا، سيكون الأمر مختلفاً كليًا، وأتمنى أن تحقق صدى أكبر خلال الفترة المقبلة، وأنا متفائل بذلك.

كيف تلقيتم نبأ وصول رواية «قناع بلون السماء» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وهل وصل النبأ إلى «باسم»، وما رد فعل سلطات الاحتلال؟
- كنا سعداء بوصولها إلى القائمة الطويلة ، ومن ثم إلى القائمة القصيرة، فهناك غُصة كبيرة، لأن مؤلفها داخل المعتقل، كان الخبر جميلاً وممزوجاً بالدموع والفرح والألم .. وهذا الإنجاز والنجاح يُحسب لـ«باسم»، ولأدب الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، وعلم «باسم» بذلك عن طريق أحد المحامين عندما زار أحد الأسرى ، وقام بإبلاغ «باسم»، وهو سعيد بذلك، ولكن ماذا قال؟ لا أعلم لأنه لا توجد وسيلة تواصل معه، فهو معزول عن العالم الخارجى.