«القتل بدم بارد».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور حامد أبو المجد

الكاتب الدكتور حامد أبو المجد
الكاتب الدكتور حامد أبو المجد

في يوم من الأيام التي يصعب فيها التنفس من شدة الهجير بمدينة دمياط، بلل الأستاذ أحمد بخيت المنديل، ووضعه على رأسه ليخفف من حرارة جسده، ويجفف عرقه المنحدرعلى وجنتيه؛ فبلل مساحة واسعة من صدره، وهو مازال يضبط ملفات العاملين في مدرسته، ويحسب الأجازات والعارضات والمرضى وغير ذلك، ثم يدخل على ملفات الطلبة؛ فيضبط الأسماء مع زميل عمره ورفيق غرفته الأستاذ محمود سيد عبد ربه الشهيربـ " حوده فيديو"، الذي كان يعمل شاويش مسرح بعد الظهر مع فرقة شعبية، فهو أخصائي تطبيل، قبل أن تتوطد معرفته بالأستاذ أحمد بخيت، الذي كان يرشحه لأولياء الأمور كمدرس خصوصي، فكان يساعده في مراجعة النتائج والتظلمات، ويذهبان بعد ذلك لاستلام ملفات الطلبة المحولين للمدرسه من مدارسهم، ويعودان بها إلى المدرسة، ليضعاها في أماكنها في بالسجلات والدواليب، وهكذا كان عمل الأستاذ أحمد بخيت، يوديه بمنتهى النشاط لمده عشرين سنة، حتى داهمه السكر والضغط، فلم يكل ولن يمل لأنه متفان في عمله .

 وكان لا بد من الابتلاء، الذي جعله الله مقياسا لقوه الإيمان، وقد كان مضاعفا، إذ أتت للمدرسة مديره تدعي "ريماس علبة" الشهيرة "بالمنشار"، وقد ارتكبت مخالفات مالية في مدرسة ابتدائية حيث تبرع أحد أولياء الأمور الكرام بباب حديد للمدرسة، وبدلا من إضافته في دفتر التبرعات أحضرت فاتورة بثمن الباب، وسحبت قيمتها من ميزانية المدرسة، ولم تكتف بذلك؛ فقامت ببيع الباب القديم بالكيلو، وأخذت الثمن، مما جعل الإدارة تحقق معها، وتم نقلها لإدارة مدرسة إعدادية، كمكافأة على حسن البيع وإعادة التدويرللمخلفات المدرسية، بغض النظر عن المخالفة،  وكان ذلك سبب اللقب بين رفقاء المهنة "بالمنشار" .

حضرت تلك " المنشارة " في بداية عام 2020 للمدرسة الإعدادية، وبدأت تأخذ الأستاذ أحمد بخيت تحت جناحها من ناحية، وتوسوس" لحوده فيديو" بأن يراقب صديقه ليخبرها بما يصنع حمايه له ولنفسها، وبذلك لا تجعل بينهما مودة؛ حتى لا يفعلان بها كما فعل رجب العامل بالمدرسة السابقة ويشهد عليها في أي عملية بيع ستتم بالمدرسة الجديدة،  أو أن  يصل الأمر لما وصل إليه العامل السابق "رجب" الذي سلط زوجته علي المديرة، فضربتها علقة ساخنة " بالشبشب" وسحبتها من شعرها أمام الموظفين بالمدرسة، عندما علم أنها ستمزق ملابسها، وتتهمه بالتحرش وقام بالاتصال بالمديرية، وحضر مسئول الاتصال السياسي الأستاذ خالد عماد، الذي حقق في الواقعة وتم النقل، فأرادت الاستفادة من الخطأ السابق والتفريق بين الناس، كي تأمن شهادتهما ضدها، وصادفت رغبتها قبول"حوده فيديو" الذي أنهي أجمل علاقات الصداقة بينه وبين الأستاذ أحمد بخيت صاحب الفضل عليه، وقسيم لقمته، وزائر بيته .

فقد كان مبدأ "حوده" اليد التي لا تعرف تعضها بوسها حتى يأتي لك الوقت التي تعضها، وقد عرف كثيرا من العمل الإداري من زميل العمر، الذي رفض كل محاولات الابتزاز التي تجعله يخضع لها، فقررت فعل ما أدركه رجب معه خاصة بعدما رفض إنجاح طالب يدعي محمود رجب لأنه لا يستحق، فاستدعته للمكتب وهددته بأنها سوف تتهمه بالتحرش، بها ففكر في سمعته بين زملائه وسمعة أولاده، خاصة أن مصر غرفة وصالة، وما يحدث في مكان يتم تكبيره وإعادة إنتاجه خلال دقائق، ويتم نشره قبل أن يخرج من مكتبها، فلم يتحمل خياله ما تخيل، فأصابه دوار ثم سقط على الأرض، ونُقل للمستشفى مصابا بجلطة في المخ، فلما علمت بذلك قالت: الأول وكأنها حسن الهلالي أمير الانتقام الذي خرج من محنته؛ لينتقم مع الفارق في التربية والهدف والظروف، فهذا مجني عليه وتلك جانية صورت نفسها ضحية لتستسيغ ما ترتكب من مخالفات فالرشوة إكرامية وتقدير، والتزوير تسهيل وتيسير على الناس، والتفريق بين الناس حماية من أذاهم، وهكذا تسمي الأشياء بغير مسمياتها كما فعل معلمها الأكبر بأبينا آدم -عليه السلام -عندما قال له " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى".

 ولايزال الأستاذ بخيت لا يستطيع الحركة، ولم يعد لعمله تاركا أسرته لا يكفيها ما تبقى من راتبه، وتخلى عنه صاحبه،  وسوف تطارها دعواته ودعوات المخلصين الذين يعرفونه، فإنها ابتلاءات لتصفيه الذنوب،" ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه القلوب والأبصار".