«ابتسامة».. قصة قصيرة للكاتبة آمنة علوي

 آمنة علوي
آمنة علوي

 دلفت من باب الكافيتريا على عَجل وعيناها تبحثان عن صديقتها ،، وبعد بحث استغرق بضعة ثوانى التقت عياناها بعينى صديقتها فأسرعت الخطى إليها وجلست محيية إياها بلهجة اعتذار عميق عن تأخرها

: اجلسى ولا تلفتي الأنظار ،، أنتِ هكذا لا تتغيرين أبداً

: عذراً على التأخير ولفت الأنظار ،، بالمناسبة رائعة ابتسامتك جداً

: أشكرك  ،، هيا اجلسى

:دائماً أراكِ مبتسمة ابتسامة لطيفة لا تفارق وجهك مطلقاً

: هذه نعمة أحمد الله عليها دائماً

: لكنى رأيت فى ابتسامتك بعض اللوم رغم رقتها وأعلم أنى أستحقه

: نعم تستحقينه،، واعلمى أن الابتسامة متنوعة الألوان  لكنها تظل ابتسامة رغم كل شيء

: ماذا قصدتِ بمتنوعة الألوان؟

: لم أقصد الألوان حرفياً ،، لكن الابتسامات متنوعه يا صديقتى

: كيف؟

: فلنضرب مثالا صغيرا مباشرا

: حسناً

: كيف تصفين الابتسامة التى على وجهى الآن

: ابتسامة رقيقة ودودة دائماً أراها مرتسمة على وجهك تنير ملامحك

: هذا وصف لطيف لا يخلوا من المجاملة

: كلا هذه الحقيقة فأنتِ دائماً صاحبة الابتسامة الرقيقة

: حسناً ،، أشكرك حقاً على كلماتك اللطيفة،، ولكنى سأصدمك بحقيقة غائبة عنكِ

: لا لا أريد صدمات

: فات الوقت ولابد من هذا

: انتظري

: لماذا أنتظر؟

: انتظرى لأبحث عن ساتر أختبئ خلفه قبل أن تصدمينى

: هاها أضحكتنى يافتاة

: الحمد لله أنكِ ضحكتِ ،، إذا ستخففين قوة الصدمة ،، هاهو وجهى

: لن أضربك ما هذا ،، نحن نتحدث ودياً لا داعِ للمبالغة

: أعرف،، فقط أمزح معكِ ،، اكملى كلامك

: لقد نسيت فيما كنا نتحدث ؟

: تفسير ابتسامتك الرقيقة دائماً

: أجل،، أنتِ ترينها رقيقة ثابتة لكن حقيقتها متغيرة

: كيف هذا

:كما سطح البحر اليوم،، ترينه جميل وهادئ،، وكأنه مسترخى لا يشوبه كدر ولا يغير سطحه حتى سريان النسيم

: نعم هذا تشبيه جميل

: هذه خدعة يا صديقتى

: ماذا

: نعم فالابتسامة الرقيقة الهادئة مثل سطح البحر،، تخفى خلفها الكثير من المشاعر لا يعلمها من يراها عليكِ مادام بعيد عن تفاعلات نفسك

: فيلسوفة العصر

: اسخرى كما تشائين

: ليست سخرية ،، ربما هى كذلك ،، قليلاً ،، اكملى

: ما علينا ،، ماذا ترين من سطح البحر اليوم

: أرى الهدوء بلا تعرجات الموجات الصغيرة

: وماذا

: فقط هذا الهدوء وصفاءه الجميل

: نفس الخدعة ياعزيزتى،،

 فالبحر هادئ السطح يخفى داخله معارك رهيبة وصراعات مميتة،، براكين وأهوال يخفيها السطح الهادئ الذى ترينه بعينيكِ لا بعقلك وكيانك مجتمع

: مالى أنا وما يحدث فى داخل البحر

: توقعت هذا التعليق،، ولما قد أتوقع غير هذا

: لم أفهم ،، أكملى

: وما الجدوى

: لأجل خاطرى أكملى

: حسناً ،، لقد عرفتِ ما يخفيه سطح البحر

: نعم ،، ولم أفهم الربط بينه وبين الإبتسامه

: الرابط بينهما واحد ،، ابتسامة رقيقة هادئة تخفى خلفها مشاعر متفاوتة،، ربما هى ابتسامة رضا وتسليم

: نعم

: وربما ابتسامة تخفى حزن ثقيل

: نعم

: وربما تخفى ألم وخيبة وخذلان مرير

: نعم ،، هذا محزن للغاية

: وربما ابتسامة موجهة

: ما معنى هذا؟

: ابتسامه موجهة لتغيير رؤية المتلقى عن حقيقتها

: ما هذه الألغاز؟

: أنتِ قلتِ ابتسامتى رقيقة هادئة

: أجل وهذه حقيقة

: لا ،، هى اليوم ابتسامة موجهة مموهة

: كيف؟

: هل لمحتِ ذراعى اليوم

: وما دخل ذراعك ف ... ما هذا ؟ ماذا حدث لما هذا الرباط

: هذا ليس مجرد رباط ياعزيزتى ،، هذا جبس متكامل مثبت للذراع والكتف

: صديقتى لا بأس عليكِ

: سَلِمَتِ صديقتى من كل سوء

: لا أعرف ما أقول،، أنا آسفة حقاً لم أنتبه لذراعك

: أعرف ،، لذا سأكمل حديثى

: نعم

: أرأيتِ التفسير لمعنى ابتسامة موجهة مموهة؟

: نعم

: لقد صرفت انتباهك تماماً عن شعورى بالألم ولم تفطنِ إلى أنه الشعور الطاغى حالياً ،، فقط لمجرد ابتسامة كما وصفتِها بالرقيقة

: نعم واعتذر لتقليلى منها

: لا تعتذرى فأنا من أجدت إخفاء الآمى

 : ولماذا لا تشاركينا الآمك كما تشاركينا فرحتك

: ليس ذنب الآخرين ما ألاقى وليست نفسى تحتمل إثم جديد

: أيوه،، ياعينى،، ياروحى،، أعد هههه

: حقاً ؟ سخرية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء

: لا سمح الله " تمسح دمعة سقطت من فرط الضحك" فقط راقتنى الجملة فلم أتوقعها

: هذه حقيقة يا صديقتى لا تحتمل المزاح والسخرية

: أعلم لكن لم أستطع مقاومة الضحكة كما أن هذا ليس مبرر لكتمانك

: وما الجدوى من قول شئ لمن لا يملك تغييره للأفضل

: الفضفضة تخفف ثقل الأمور

: وماذا بعدها، ما الفائدة؟

: تخفيف أحمال كما تفعل الحكومات ،، هذا مجدى نوعاً ما

: كلا ،، غير مجد بالمرة ،، فقط كشف أمور لا فائدة من كشفها بقدر الضرر الذى قد يعود من البوح بها

: لست أفهمك حقاً

: منذ متى ونحن صديقتان؟

: زمن بعيد ،، حقاً عمر كامل

: إذاً نعرف بعضنا منذ سنوات طوال

: أجل

: لكنك لم تعرفينى حق المعرفة

: نعم ، وأعلم أن هذا من مساوئى

: كلا ،، لن ألقى عليكِ اللوم ربما هذه قوة كتمانى

: نعم أنتِ فعلاً تمتلكين قدرة رهيبة على الكتمان وكأنك ثقب أسود كل ما يدخله لا يخرج منه

: حسناً حسناً ،، كلمتنى ليلة أمس عن أمر هام تريدين ملاقاتى لأجله ،، فلندخل فى صلب الموضوع

: لما العجلة؟ فلنطلب شيئاً نشربه أولاً

: حسناً ،، لا بأس

" تشير للنادل للحضور وتطلب فنجانى قهوة"

: هل من شئ آخر مع القهوة سيداتى

:فقط أريد فنجان قهوة سكر زيادة بن مظبوط محوج فاتح بمياه باردة تنضج على نار هادئة للغاية،، هذا فقط

" تنظر إليها صديقتها مطولاً ثم تلتفت للنادل قائلة"

: أريد قهوتى مثلها لكن سكر أقل ،، وزجاجة مياه

: حسناً سيداتى " وتركهم ورحل"

: والآن فلندخل فى الموضوع

: نعم ،، خذى هذه

: وما هذه؟

:هدية

:لم أعتد أن أتلقى هدايا من أحد ،، حتى منكِ يا صديقة العمر

: هذه ليست أى هدية،، إنها هدية مميزة من شخص مميز

:لا يهم ما هى أو ممن،، لماذا قبلتيها عنى ،، لقد أخطأتِ الآن فى حقى

:لم الغضب افتحى الهدية

:لا فلم أقبلها

:صدقينى ستحبينها متأكدة أنها من الأشياء التى تحبينها

:لن تثيرى فضلولى مطلقاً فتوقفى عن المحاولة

: حسناً أنا سأفتح الهدية عنكِ

: خطأ ثانى فى أقل من دقيقة

: فليكن" وتفتح غلاف الهدية " يا الله

: فليكن" وتفتح غلاف الهدية" يا إلهى ما هذا كتاب لا أحب الكتب

: لماذا صدمتِ هكذا من رؤية الكتاب

:لقد كنت أتوقع أنها حلوى وهذا الكتاب ليس حلوى

: دعينى أرى ،، هذا أحدث كتاب للأديب الشهير ،، لكن !

: لكن ماذا ؟

: هذه الكتاب لم يتاح للترويج بالمكتبات بعد ،، لماذا يهدينى إياه قبل الطرح ؟

: أرأيتِ لقد أثرت فضولك حقاً،، وهذه الابتسامة على وجهك رائعة

: نعم لكن لماذا ،، فلست ناقدة سأقيم الكتاب مثلاً

: لأنك إنسانة مميزة يا صديقتى ،، وقارئة حقاً مميزة

: وفيما أتميز وماذا فعلت لأستحق هذا الكنز الثمين

: أنتِ تفعلين الكثير والكثير دون انتظار شئ ،، البعض يقدر هذا أكثر من الجميع ،، ثم أى كنز؟ هذا مجرد كتاب ،، لا تصخمى الأمور

 : أعرف رأيك فى الكتب فهى لا تؤكل ههه

: نعم نعم ،، ثم أنها تضيع الوقت والنظر وتحشوا العقول بخيالات كتابها

: كفى عن هذا ،، فالكتاب كل كتاب كنز لمن يعى قيمته وإضافته وإثراءه للعقول .

: أى قيمة وأى إثراء فى بضعة أوراق مسطورة

: القيمة فى السطور ،، وما بين السطور

: المهم ،، هل قبلتى الهدية

: لا أعرف ،، ربما ،، نعم ،، لكن

: ما السبب هل هذا سؤالك

: أجل ولماذا لم يكتب الإهداء بالمقدمة كعادته

: أجيبك بما قال هو نفسه ولن أشغل عقلي بالمعنى

: حسناً

: قال " شقى الاتصال لتعلمى روعة  هدايا العقول السامية لمثيلتها"

: أشق الاتصال! أى اتصال؟

: لا أعلم ،، لقد قال أنكِ ستفهمين المعنى

: أشق الاتصال لا أعلم روعة هدايا العقول السامية لمثيلتها

: طبعاً أنا لم أفهم فقلت العبارة كما سمعتها

:مفكرة" أشق الاتصال"

" تفتح الكتاب وتتفحصه جيداً فتجد صفحة مثبتة به لكنها مطوية فتفتح طيتها لتجد عبارة تقدير وامتنان لها على خدمة هامة قدمتها منذ زمن للأديب وكعادتها أدخلتها بئر الحفظ وأغلقت عليها ،،فلم تتذكرها سوى الآن"

 

: شكراً جزيلاً

: لمن توجهين الشكر بهذا الهمس

: للأديب أولاً

: ثم؟

: ولكِ ثانياً

: للأديب مفهومة لكن لى لم أفهمها

: شكراً لكِ لإصرارك على قبولى للهدية ،،رغماً عنى ،، فهذه الهدايا بنظرى أكثر قيمة من كل الهدايا

: سأقول كما تقولين دائماً ،، هذه مجرد وجهات نظر

: نعم،، كما أنها أول هدية أتلقاها منذ زمن بعيد وليست أى هدية إنها عهد ود وخطاب عقل

: وقلب

: عقل يا صديقتى فالخطاب هنا للعقول ليس للقلوب ،، على الأقل بالنسبة لى .

: عهد ود وخطاب قلوب،، وستقولين أنى قلت لكِ

: اشربى قهوتك وكفاكِ تأويل للأحداث خذيها هكذا كما هى.

: فليكن ،، وسنرى.