«لكل مكانٍ ذكرى» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

الكاتبة أميرة عبد العظيم
الكاتبة أميرة عبد العظيم

 

ها هي الشمس قد سطعت والصبح قد أتى ووجب علىّ أن أستيقظ فالوقت يُداهمني سريعاً والطريق إلى وسط البلد طويل ومزدحم، لولا أن وعدتها ما كنت ذهبت هذا المشوار.

اليوم عيد ميلاد ابنتي الصغرى هدى وطلبت منى أن أُحضِر لها التورتة والجاتو من "جروبي" في وسط البلد كما تفعل أمها، ولأن الأم مشغولة في عملها اليوم فأنا قد حملت المهمة على عاتقي ووعدتها بأن آتيها بمَ طلبت حتى لو أنى سأذهب إلى جزر القمر....

 البنت دى مُرزَقة منذ ولادتها على حظها اليوم مشمس وجميل والطريق غير مزدحم كعادته ولدى شعور داخلي يداعب صدري بالارتياح والسعادة شعور كده غريب لم أستشعره منذ سنوات طويلة مضت من الجائز أن هذا الشعور بالراحة يأتي وراء ذهابي إلى هذا المكان الذي يحفر في ذاكرتي من الذكريات حلوها ومرها، لحظات اللقاء بالأحبة والفراق.

جروبى ذلك المكان الذي شهد أروع الذكريات في حياتي، أشكرك ابنتي الحبيبة على أن جعلتني آتى هنا، فأجمل ما في هذا المكان أنه مليء بعبق الذكريات..

عندما نعود لهذه الأماكن، يمر بنا شريط سريع للذكريات التي كنا نعيش في أجوائها، ونتفاعل معها بحواسنا، حتى إننا نشتم روائح العطور التي كانت ضمن تلك الأيام الخوالي، نتذكر الضحكات، والغضب والحزن والمشاكسات التي كانت تعقبها لحظات الصلح ......

دخلت إلى صالة المحل وأتممت عملية الشراء وخرجت أنتظر في الحديقة حتى يتم تجهيز الطلبات

ومازالت أصداء الذكريات ورائحتها تعلق بخيالي أستشعر كل لحظة منذ أن دخلت المكان شعرت برغبتي في أن أحتسي فنجان من القهوة كما كنت أفعل عندما آتى إلى هنا منذ سنوات طويلة مضت،

التفت حولي أبحث عن طاولة مناسبة كي أجلس وأحتسى قهوتي، غالبا سأجلس هنا.

جاء النادل بالقهوة وعند أول رشفة أطلت النظر بعيداً بعض الشيء إلى ذلك الركن الذي كنا نركن إليه أنا وهي...أطلت النظر وصرت أحدق كثيراً في تلك السيدة التي تجلس هناك على نفس الطاولة التي كنا نجلس عليها أنا وهي جميلة الجميلات وصفتها بما تستحق.

ما هذا الذي تكشفه عيناي لا ليس حقيقي إنها هواجس العقل الباطن. أحقا هي في نفس الركن وذات الطاولة وهو هو الجمال ذاته، والشعر البنى الذي يكسو ظهرها

لا لن أصدق عيناي بعد كل هذه السنين وكل هذا العمر بعد فراق دام أكثر من ربع قرن التقى بريحانة القلب مرة أخرى كنت أشعر أنه يوم غير عادى وأن له نسمات مختلفة!!!

ماذا أفعل أذهب إليها وأسلم عليها؟!

هل ستتذكرني بعد أن اشتعل الرأس شيبا وبعد كل ما حدث بيننا بسبب الغيرة وانعدام الثقة

وثورات الشك التي دمرت ما كان بيننا من حب، هل لوعة الفراق ستشفع لي عندها؟

لكن بالتأكيد سأذهب وأُلقى عليها السلام وأسأل عن أحوالها، ما كان بيننا من ود وحب واحترام يُحتم علىّ الذهاب

فعلاً أوتيت بكل سبل الشجاعة وتعزيز النفس وأنهيت آخر شرفة في فنجان القهوة وقبل أن أبرح المكان وقفت هي واستدارت لتكون في مواجهتي خانتني الذاكرة لم تكن هي الريحانة. ولم تكن هي الملامح ولا حتى التعبيرات...

إنما كانت هي تلك الذكريات التي داعبت في الأفق خيالي، وأخذتني إلى البعيد القريب، وكأني كنت أبحر مع فنجان القهوة في بحر عالي الأمواج، أخذت تلاطم فكرى حتى رَسيت مرة أخرى على بر الواقع، وإذا بالنادل يأتي ليوقظني من غفوتي الطلب جاهز يا بيه!!

رديت بصوت تعلوه الحسرة وأنا جاهز.

اقرا ايضا | «خيوط النور» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم