الجامعة العربية تؤكد أنها تضع حماية التراث الثقافي العربي ضمن أهم أولوياتها

جامعة الدول العربية - صورة أرشيفية
جامعة الدول العربية - صورة أرشيفية

أكدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أنها تضع (حماية التراث الثقافي العربي) ضمن أهم أولويات اهتماماتها وتحرص دائما على إحياء يوم التراث العربي الذي يصادف 27 فبراير من كل عام إيمانا منها بأن التراث الحضاري على اختلاف أنواعه وأشكاله مبعث فخر للأمم واعتزازها ودليل على عراقتها وأصالتها، ومعبرا عن الهوية الوطنية وصلة وصل بين الماضي والحاضر.

وقالت السفيرة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية بالجامعة في كلمة لها أمام احتفالية حماية التراث الثقافي الفلسطيني اليوم بالجامعة بمناسبة يوم التراث الثقافي العربي "لقد تم اختيار يوم 27 فبراير ليكون يوما للتراث الثقافي العربي، ذلك اليوم الذي دمرت فيه متاحف الموصل بالعراق على يد الإرهاب الغاشم والأيادي الفاسدة المدمرة، للتذكير والتوعية بأن تراثنا مستهدف وعلينا جميعا اتخاذ كافة التدابير للحفاظ عليه وحمايته".

وأوضحت أنه وبهذه المناسبة اختارت الأمانة العامة موضوع حماية وإحياء تراث فلسطين نظرا لما تمر به فلسطين وخاصة قطاع غزة على وجه الخصوص من تدمير وانتهاكات بشتى الطرق من قبل الاحتلال الصهيوني الغاشم بما في ذلك التراث الثقافي، والتراث يعني الهوية، وهم يستهدفون طمس الهوية العربية الفلسطينية، بل ويحاولون نسبتها لهم.

◄ اقرأ أيضًا | «الجامعة العربية»: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الطريق الوحيد لإحلال السلام

وأكدت أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل الأمة ومصيرها دون التطرق للأحداث المؤلمة التي خلفتها وتخلفها النزاعات المسلحة من أزمات على كل المستويات بما في ذلك دمار واستهداف الإرث الثقافي في ظل غياب الأمن الناتج عن عدم الاستقرار السياسي.

وقالت "إنه ومنذ عام 1917، جرت على هذه الأرض الكثير من الأحداث، ما بين تهويد، وتهجير، وطرد، وهدم، وقتل، وسرقة تراث، وتحريف اللغات، وتحويل أسماء المدن والشوارع إلى مفردات عبرية".

وأكدت أن أهمية التراث الفلسطيني، تأتي من منطلق أنه الهوية التي تميز الأرض وأهلها عن غيرها، وهو ما يعطيها القيمة الحقيقة للوجود الحضاري والفكري في تاريخ الأمم ومستقبلها، وسرقة التراث أو تزويره هو بمثابة سرقة لتلك الأرض، فأرض فلسطين لها تاريخ وحضارة شعبية فهي مهبط الأديان السماوية رسالة سيدنا موسى في الوادي المقدس في البقعة المباركة من الشجرة في الأرض المقدسة بفلسطين، وولد فيها السيد المسيح عيسى عليه السلام وأسرى فيها سيدنا محمد (ص)، ولذلك فإن فلسطين مهبط الأديان السماوية ولها معالمها ومواقعها التراثية العريقة، وطقوسها، وعاداتها، ومواسمها، وأزياؤها، ومأكولاتها، وفنها وغناؤها وفي ضوء ذلك، يأتي الدور الهام علينا وعلى كل فلسطيني وعربي سواء كان في فلسطين أو في الشتات بين دول الشرق والغرب بأهمية معرفة تراثه وهويته، وتعليمه لأبنائه، وتوريثه بين الأجيال، وبإحياء التراث، وعدم تركه شيئا هينا للمحتل.

وأكدت أبو غزالة أن الهدف من إحياء هذا اليوم خاصة في تلك الفترة التي تمر بها دولة فلسطين هو شحذ الهمم واستنهاضها وتنفيذ أفضل المبادرات والممارسات التي من شأنها تصب في حماية تراث فلسطين الذي تدمره الآلة الصهيونية الحاقدة، وفي إطار تنفيذ المواثيق العربية والدولية ذات الصلة بحماية التراث الثقافي، ومن خلال التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والعربية، والحكومات والهيئات تتطلع للعمل على توثيق تراث فلسطين لأجيال الأمة الحاضرة والمستقبلية بل للعالم بأسره الذي يسعى الاحتلال الصهيوني إلى طمسه ونحن من خلال هذا العمل الهام والجاد نوثقه، فالاحتلال ليس قمعا وإبادة وبناء مستوطنات فقط بل هو محاولات مستمرة لقلب الحق باطل وتزييف وسرقة الهوية والتراث الفلسطيني وتدمير الآثار الفلسطينية ودورنا هو العمل على حفظ الآثار والتراث الفلسطيني الذي هو تراث عربي.

وأعربت عن أملها في أن يتم الخروج من هذه الاحتفالية برؤية تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وذلك بتضافر الجهود الدولية والعربية ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين والمتخصصين.

من جانبه، أكد الوزير المفوض حيدر الجبوري مدير إدارة شؤون فلسطين ـ قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة ـ أن الثقافة لعبت دورا بارزا في حماية الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني بكل مكوناتها، فمن خلالها حافظ الشعب الفلسطيني على تقاليده وموروثه الثقافي، وممتلكاته الحضارية ومقدساته وقيمه وسلوكه.. معتبرا أن هذا الشعب حرم طويلا من مؤسساته الثقافية التي تعنى بالتراث الثقافي والحضاري في دولة فلسطين، بسبب ما تقوم به سلطات الاحتلال من جرائم بحق الممتلكات الثقافية والتاريخية والدينية، مخترقة بذلك الحماية الخاصة المكرسة لهذه الأماكن بموجب الأحكام والاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يضع علينا واجبا كبيرا نحو حماية هذه الممتلكات، وفضح ممارسات الاحتلال تجاهها.

وقال الجبوري في كلمة أمام الاحتفالية - "لقد أصبح من واجب جميع المؤسسات الأممية والإقليمية المعنية أمام انتهاكات الاحتلال بحق التراث الثقافي والحضاري الفلسطيني، بموجب اتفاقية حماية التراث العالمي، مد يد العون المادي والفني لترميم المعالم التاريخية المهددة بالخطر، بفعل جدار الفصل العنصري والمستوطنات الإسرائيلية، التي تغذي عملية التشويه التي تتعرض لها الهوية الفلسطينية، فهناك آلاف المواقع والمعالم الأثرية عزلها الجدار، إضافة إلى عشرات المواقع التي دمرتها مسارات الجدار والاستيطان".

وأوضح أن القطاع الثقافي الفلسطيني والممتلكات الثقافية في قطاع غزة، تعرضت لتدمير شامل وممنهج، نتيجة العدوان الإسرائيلي الغاشم المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، طال البنية التحتية الثقافية في القطاع، والعديد من المبدعين في مختلف المجالات، كما يواجه الموروث الثقافي في الضفة الغربية مخاطر كبيرة نتيجة استفحال ظاهرة سرقة الآثار وتدميرها، وهي سرقة مرتبطة بمجموعات إسرائيلية تقوم بسرقة الآثار، ويدفع الاحتلال مبالغ مالية كبيرة لتجار إسرائيليين يتجولون في القرى الفلسطينية وينهبون المناطق الأثرية في الضفة الغربية المحتلة، لصالح متاحف الاحتلال التي تقوم بشرائها وعرضها على أنها آثار إسرائيلية.

وأشار إلى أنه ومنذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سنة 1948م أصبحت مدينة القدس إلى جانب المدن والقرى الفلسطينية رمزا للصراع الثقافي، حيث قام الاحتلال الإسرائيلي بتغيير ملامح فلسطين العربية ومعالمها الجغرافية والدينية والمعمارية والسكانية، وبدأ بسلسلة جرائمه المشهودة بهدم المنازل والاستيلاء على الأملاك الخاصة والعامة، ومصادرة الأراضي، وإغلاق المدارس والمراكز التعليمية والثقافية والمواقع التراثية والأثرية، والتدخل في المناهج التعليمية، والاستيلاء على الكتب والمخطوطات والخرائط، والاعتداء على دور العبادة الإسلامية والمسيحية، وإصدار الأوامر العسكرية وتعديل التشريعات النافذة في محاولة منه لتبرير اعتداءاته على المدينة وانتهاكاته للأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية.

وأكد أن الموروث الثقافي يتمتع بحماية خاصة في القانون الدولي الإنساني، وتشكل مجموعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين والأنظمة الوطنية على مستوى الدول الإطار العام لحماية التراث الثقافي على الصعيدين الوطني والدولي، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالنزاع المسلح، ومعاملة المدنيين وقت الحرب الموقعة عام (1949م)، التي تمنع ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية، وأماكن العبادة التي تشكل التراث الروحي للشعوب، إضافة إلى اتفاقية لاهاي والبروتوكولات التابعة لها.

واتهم الاحتلال بأنه يضرب القانون الدولي الإنساني عرض الحائط، ولم يكتف فقط بسرقة الأرض بل اقتلع أشجار الزيتون التي يزيد عمرها على آلاف السنين، ودمر مباني يزيد عمرها على مئات السنين، في المدن الكبرى مثل القدس ونابلس والخليل، كما لم تسلم رفات الأجداد واللقى الأثرية، من السرقة، التي تدل على وجود الشعب الفلسطيني على مدار التاريخ على أرض دولة فلسطين.

وقال إن القطاع الثقافي الفلسطيني والممتلكات الثقافية في قطاع غزة تعرضت لعدوان شامل منذ السابع من أكتوبر الماضي، طال البنية التحتية الثقافية في القطاع، والعديد من المبدعين في مختلف المجالات، حيث خسرت الثقافة العربية في فلسطين قامات أدبية وفنية كبيرة خلال هذه الحرب لها دور كبير في رفعة وتعزيز الثقافة العربية وحضور فلسطين في المحافل الأدبية والفنية، حيث ارتقى 41 فنانا وكاتبا وناشطا ثقافيا في استهدافات الجيش المختلفة في مناطق قطاع غزة، والكثير منهم فقد عائلته وفقد مكتبته، ومرسمه، وضاعت تحت الركام العديد من الأعمال الفنية والمخطوطات الأدبية الثمينة، ومن بين الشهداء أطفال في فرق الدبكة الفلسطينية، إلى جانب إصابة العديد من الفنانين والكتاب أيضا وبعضهم فقد أطرافه وأجزاء من جسده.

كما تضررت المراكز الثقافية بشكل كلي أو جزئي عرف منها 24 مركزا، كما تضرر نحو 195 مبنى تاريخيا، وتضررت 8 دور نشر ومطابع، و3 استوديوهات وشركات إنتاج إعلامي وفني، كما تعرضت معظم أجزاء البلدة القديمة لمدينة غزة وفيها 146 بيتا قديما إلى أضرار عديدة إضافة إلى مساجد وكنائس مثل كنيسة القديس برفيريوس العريقة وأسواق ومدارس قديمة وتاريخية، وميناء غزة القديم، كما تحولت العديد من المؤسسات الثقافية لمراكز إيواء للنازحين، في محاولة لطمس الوجود الثقافي والتراثي الفلسطيني ومحاولة لدثر الشواهد التاريخية والعمق التاريخي الفلسطيني في قطاع غزة.

وأضاف أن آلة الحرب الإسرائيلية ركزت على استهداف المساجد بكافة أرجاء قطاع غزة، وتعاملت معها كأهداف عسكرية، بادعاء وجود أنفاق أسفلها وغير ذلك من المبررات التي تأكد زيفها وعدم صحتها، إذ كانت المساجد هدفا بذاتها في نطاق البعد الديني للحرب التدميرية والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بصورة منهجية متعمدة، فقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتدمير ألف مسجد بما في ذلك المساجد الأثرية، وعشرات من المدافن في القطاع، مع استشهاد أكثر من 100 إمام مسجد منذ السابع من أكتوبر، وفقا لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في دولة فلسطين.

وذكر أنه رغم أن الاحتلال الإسرائيلي يعد عقبة أمام أي محاولات للحفاظ على التراث الثقافي والحضاري لدولة فلسطين فإن الموروث الثقافي الفلسطيني لا يزال يلعب دورا كبيرا في تاريخ ونضال الشعب الفلسطيني في معركة الهوية ودعم فكرة الصمود والمقاومة من أجل البقاء، ومن أجل الحصول على حقوقه الوطنية الثابتة، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني التمتع بالحرية والحفاظ على موروثه الثقافي والحضاري، وصولا إلى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وهو يوم قيد التحقق أقرب من أي وقت مضى.