«شيخوخة» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

ارشيفية
ارشيفية

في عيادة الدكتور جلست امرأة عجوز أمام فتاة شابة، ولفيف من المرضى، من مختلف الأعمار، ينتظرون وصول الدكتور.

شردت الفتاة تحدث نفسها: لقد لاكني الزمن بين راحتيه، جرعني كؤوس المرارة وهي أسواء ما عنده، من مرارة، وجع، مسؤولية أكبر من تحملي، لقد خارت قواي عندما مرض أبي، ودورت مع مرضه في دوامات الأطباء والمستشفيات والعمليات، وانتهى به المطاف إلى مقابر العائلة.

استفقت من حزني على كارثة، لقد سلم أبي أمي روجته الزمن الصعب، وها أنا ذا أدور في نفس الدائرة المغلقة، ولم أبال، فوالدي كانا أجمل سنيني التي لم أعشها أجزل ورودي التي حرصت على رعايتها، بل كل دنيتي كل حياتي، أغلى من الزوج، الأبناء، الروح، النفس، الحياة.

 

بدأت المرأة العجوز تنظر إلى عين الشابة نظرات فضول سألتها قائلة: ماذا أصاب عينك؟! وما هذا الرباط الدائري فوقها؟!

كانت الشابة شاردة التفكير كما أنها كانت قلقة، مشتتة، ووجهها الحزين يسرد ما يدور في ذهنها.

 في بداية الأمر لم تهتم الشابة لسؤال العجوز، بل ربتت على يدها بيمناها وباليد الأخرى تمسح دمعة فرت من محبسها.

 لكن بعد مرور لحظات ردت قائلة:  بها بعض الجروح أثر حادث تشاحن مع زوجي.

ردت العجوز: أهي أول عملية في عينيك؟

أجابت الشابة : لا هذه العملية السادسة لي بها وبقيت لي عملية.

العجوز :  لا داعي لكل هذا الخوف؛ ولا تقلقي سيكون كل شيء على ما يرام .

وضعت الشابة يدها على عينها و نظرت أمامها تحبس دموعها وقالت: أتمنى ذلك.

العجوز: أحيانا يرسم لنا القدر طرق وأخاديد بها بعض ما يسؤنا، وبداخلنا أمورا ترهبنا، بل وتضخم شعورنا بالخوف   القاتل؛ على أشياء لا تستدعي منا كل هذا القلق، ولا كل هذا التفكير.

ردت بنبرة حزينة: فعلاً.

 بدت العجوز أكثر فضولاً وقالت:  يبدو أنك تمرين بأمور صعبة، لماذا لم يأت زوجك معك؟

أجابت الشابة: لقد انفصلنا بعد أن ارتفع سقف خلافاتنا منذُ سنة.

العجوز: - لماذا ؟!

أجابت الشابة: الأمور أحيانا تتعقد بين الزوجين، كنت أقوم براعية والدي، اذهب بأبي إلى الأطباء، بعد فترة ذهب أبي إلى مثواه الأخير، الآن أمي ليس لديها أحد غيري، كي يرعاها في محنتها، يريدني أن أهملها في دار مسنين وأهتم به وأتركها لدار مسنين، وهذا مرفوض تماما.

قالت العجوز: تعلمي عندي الكثير من الأبناء؛ ولكنهم غير بارين بي، لا أحد يأتي عندي، ولا معي عند دكتور العظام.

-هل تأتين لدكتور العيون هذا بمفردك، والأمر يتطلب أن يكون أحدهم بصحبتك؟!

وماذا عن أخواتك، عائلتك، أصدقائك، أليس لديك أحد ؟! أخذت نفسا عميقا وهي تزرف دموعها وتنتحب بين شهيقين وزفير قالت: - أعيش برفقة أمي المريضة، وأبنائي فقط.

وهل أمك تجدينها سنداً قوياً لك الآن كما كانت لك في صغرك؟

 نزلت الدموع من عينيها وقالت: فعلا هي سندي، وعزوتي، وحبيبتي، وإخوتي، وأخواتي، وأعمامي، وخيلاني، وأصحابي، هي كل هؤلاء، وهي أماني، حتى و هي في حالتها تلك.

سالتها العجوز: مالها أمك؟ ومن ماذا تشكو؟

أجابت الفتاة: هي تشكو من الدنيا، ومن عظامها التي جرت عليها الشيخوخة، ووهن جسدها، وأمراض الشيخوخة بلغت منها مبلغها، لقد نال منها الزمن وأخذ منها مبتغاه، وسحق صبرها، وأرهق تفكيرها، وتركها قطعة بالية خرقاء، لا تستطيع تحمل أي شيء .

 بعد لحظات فقط من وصول الدكتور الذي سيكشف عليها استقامت الشابة من جلوس وقالت:

- لقد وصل الدكتور وحان موعدنا في الكشف، وخطت بضع خطوات فيما بقيت العجوز جالسة على الكرسي، التفتت ورائها الشابة وعادت تمسك يدها وقالت لها :

-هيا بنا يا أمي.

وبعد الانصراف سألها أحدهم:  هل هذه عيادة دكتور العظام؟!

 أجابت فعلا هي عيادة دكتور العظام.