خواطر الإمام الشعراوي .. لبنة الأسرة المؤمنة

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يبدأ الشيخ الشعراوى فى تفسير الآية 221 من سورة البقرة حول قوله تعالى: «وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ».

بقوله: إن الحق يقول: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ»، وهذه أول لبنة فى بناء الأسرة وبناء المجتمع، لأنها لو لم تكن مؤمنة، فماذا سوف يحدث؟ إنها ستشرف على تربية الطفل الوليد إشرافاً يتناسب مع إشراكها، وأنت مهمتك كأب ومرب لن تتأتى إلا بعد مدة طويلة تكون فيها المسائل قد غُرست فى الوليد، فإياك أن يكون الرجل مؤمنا والمرأة مشركة؛ لأن هذا يخل بنظام الأسرة فعمل الأم مع الوليد يؤثر فى أوليات تكوينه إنه يؤثر فى قيمه، وتكوين أخلاقه. وهذا أمر يبدأ من لحظة أن يرى ويعي، والطفل يقضى سنواته الأولى فى حضن أمه، وبعد ذلك يكبر؛ فيكون فى حضن أبيه، فإذا كانت الأم مشركة والأب مؤمنا فإن الإيمان لن يلحقه إلا بعد أن يكون الشرك قد أخذ منه وتمكن وتسلط عليه. ونعرف أن الطفولة فى الإنسان هى أطول أعمار الطفولة فى الكائنات كلها، فهناك طفولة تمكث ساعتين اثنتين مثل طفولة الذباب، وهناك طفولة أخرى تستغرق شهراً، وأطول طفولة إنما تكون فى الإنسان؛ لأن هذه الطفولة مناسبة للمهمة التى سيقوم بها الإنسان، كل الطفولات التى قبلها طفولات لها مهمة سهلة جدا، إنما الإنسان هو الذى ستأتى منه القيم، لهذا كانت طفولته طويلة؛ إنها تستمر حتى فترة بلوغ الحلم. والحق هو القائل: «وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ» «النور: 59». فكأن الطفل يظل طفلاً إلى أن يبلغ الحلم، فكم سنة إذن ستمر على الطفل؟. وكم سنة سوف يتغذى هذا الطفل من ينابيع الشرك إن كانت أمه مشركة؟ إنها فترة طويلة لا يمكن له من بعد ذلك أن يكون مؤمنا غير مضطرب الملكات. وإن صلح مثل هذا الإنسان أن يكون مؤمنا فسيقوم إيمانه على القهر والقسر والولاية للأب وسيكون مثل هذا الإيمان عملية شكلية وليست مرتكزة ولا معتمدة على أساس صادق. ونحن نعرف أن الثمرات التى ننعم نحن بأكلها لا يكون نضجها إلا حين تنضج البذرة التى تتكوّن منها شجرة جديدة، وقبل ذلك تكون مجرد فاكهة فِجة وليس لها طعم. وقد أراد الحق أن ينبهنا إلى هذا الأمر ليحرص الإنسان على أن يستبقى الثمرة إلى أن تنضج ويصير لها بذور. إن المرأة لا تكون ثمرة طيبة إلا إذا أنجبت مثلها ولداً صالحا نافعا، يريد الحق للنشء أن يكون غير مضطرب الإيمان؛ لذلك يقول: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ» أى إياكم أن تنخدعوا بالمعايير الهابطة النازلة، وعلى كل منكم أن يأخذ حكم الله: «وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»؛ لأن إعجاب الإنسان بالمرأة بصرف النظر عن الإيمان سيكون إعجابا قصير العمر. إن عمر الاستمتاع بالجمال الحسى للمرأة إن جمعنا لحظاته فلن يزيد مجموعه عن شهر من مجموع سنوات الزواج. فكل أسبوع يتم لقاء قد يستغرق دقائق وبعدها يذبل الجمال، وتبقى القيم هى المتحكمة، ونحن نجد المرأة حين تتزوج، ثم يبطئ الحمل فإنها تعانى من القلق وكذلك أهلها. إن الرجل إن كان قد تزوجها للوسامة والقسامة والقوام والعينين، فهذا كله سيبرد ويهدأ بعد فترة، ثم توجد مقاييس أخرى لاستبقاء الحياة، وعندما يلتفت إليها الإنسان ولا يجدها فهو يغرق فى الندم؛ لأنها لم تكن فى باله وقت أن اختار. لذلك تريد المرأة أن تُمكن لنفسها بأن يكون عندها ولد لتربط الرجل بها، وحتى يقول المجتمع: (عليك أن تتحملها من أجل الأولاد)! فالرجل بعد الزواج يريد قيماً أخرى غير القيم الحسية التى كانت ناشئة أولاً، لذلك يحذرنا الله قائلاً: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ». وجاء قوله «حتى يُؤْمِنَّ»؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله ما دامت قد آمنت فقد انتهت المسألة. وانظروا إلى دقة قوله سبحانه: «وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ» أى إنّ الأمة المسلمة خير من حرة مشركة، «وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ» لقد جاء قول الحق هنا بمقاييس الإعجاب الحسي. ليلفتنا إلى أننا لا يصح أن نهمل مقاييس خالدة ونأخذ مقاييس بائدة وزائلة.