ســــر الزيــــــارة

إيهـاب فتحى
إيهـاب فتحى

‭ ..‬فى‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬هناك‭ ‬مدارس‭ ‬متعددة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬لكن‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬فرضية‭ ‬واحدة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬وهى‭ ‬كسب‭ ‬المصلحة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الحركة‭ ‬السياسية‭. ‬

تحقيق‭ ‬المصلحة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬معتدلا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشخصيات‭ ‬التى‭ ‬تقود‭ ‬القرار‭ ‬السياسى‭ ‬فى‭ ‬بلادها‭ ‬داخليًا‭ ‬وخارجيًا‭ ‬أو‭ ‬يصل‭ ‬تحقيق‭ ‬المصلحة‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬البرجماتية‭ ‬وتصبح‭ ‬القاعدة‭ ‬والشعار‭ ‬الذى‭ ‬يرفعه‭ ‬هؤلاء‭ ‬البرجماتيون‭ ‬أن‭ ‬أصدقاء‭ ‬الأمس‭ ‬هم‭ ‬أعداء‭ ‬اليوم‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭. ‬

لعل‭ ‬أكثر‭ ‬مايمثل‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬البرجماتية‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬وبشكل‭ ‬صارخ‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬التركى‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬فمنذ‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬كرئيس‭ ‬للوزراء‭ ‬ثم‭ ‬رئيسا‭ ‬للجمهورية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وهوابن‭ ‬مخلص‭ ‬لمدرسة‭ ‬البرجماتية‭ ‬السياسية‭ ‬فلم‭ ‬يعرف‭ ‬للرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬أصدقاء‭ ‬أو‭ ‬أعداء‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬مصالح‭ ‬يريد‭ ‬تحقيقها‭ ‬سواء‭ ‬داخليًا‭ ‬أوخارجيًا‭.‬

ففى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬كان‭ ‬يلتقى‭ ‬أصدقاء‭ ‬اليوم‭ ‬بالأحضان‭ ‬وفى‭ ‬الغد‭ ‬يحولهم‭ ‬إلى‭ ‬أعداء‭ ‬ويوجه‭ ‬لهم‭ ‬الخطابات‭ ‬النارية‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬أنصاره‭ ‬بحزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬فى‭ ‬ساحات‭ ‬المدن‭ ‬التركية،‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬تطبيقات‭ ‬برجماتية‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬على‭ ‬علاقاته‭ ‬بسياسى‭ ‬الداخل‭ ‬التركى‭ ‬بل‭ ‬ظهرت‭ ‬فى‭ ‬علاقات‭ ‬تركيا‭ ‬بالعالم‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬الحكم‭. ‬

ففى‭ ‬لحظة‭ ‬يصل‭ ‬العداء‭ ‬التركى‭ ‬الروسى‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭  ‬الحرب‭ ‬بإسقاط‭ ‬طائرة‭ ‬مقاتلة‭ ‬روسية‭ ‬وبعدها‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬حليف‭ ‬مخلص‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬أحدث‭ ‬الصواريخ‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تصل‭ ‬المسيرات‭ ‬التركية‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭.‬

‭ ‬يشن‭ ‬حملات‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهو‭ ‬عضو‭ ‬فى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬الذى‭ ‬تقوده‭ ‬واشنطن‭ ‬وتستشعر‭ ‬بأن‭ ‬تركيا‭ ‬أردوغان‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬لحظة‭ ‬ستعلن‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الحلف‭ ‬ثم‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬صفقة‭ ‬طائرات‭ ‬إف‭ ‬16‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬تركيا‭ ‬بقيمة‭ ‬23‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

تطلق‭ ‬سياسة‭  ‬أردوغان‭ ‬تعاطفًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬تجاه‭ ‬حال‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬مع‭ ‬ذرف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدموع‭ ‬وترتفع‭ ‬شعارات‭" ‬تركيا‭ ‬بيت‭ ‬كل‭ ‬سورى‭ ‬قادم‭ ‬إليها‭" ‬لكن‭ ‬البرجماتية‭ ‬لها‭ ‬رأى‭ ‬آخر،‭ ‬تحول‭ ‬اللاجئون‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬ابتزاز‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬أوروبا‭ ‬إما‭ ‬تدفعوا‭ ‬مليارات‭ ‬اليوروهات‭ ‬أو‭ ‬نتركهم‭ ‬ليعبروا‭ ‬إليكم‭ ‬والآن‭ ‬بعد‭ ‬تحالفه‭ ‬مع‭ ‬القوميين‭ ‬الأتراك‭ ‬أطلق‭ ‬يدهم‭ ‬فى‭ ‬مطاردة‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬فقد‭ ‬أصبحوا‭ ‬شخصيات‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيها‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬انتهت‭ ‬المصلحة‭.  ‬

أما‭ ‬علاقات‭ ‬تركيا‭ ‬أردوغان‭ ‬بإسرائيل‭ ‬فهى‭ ‬دراما‭ ‬برجماتية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬فريد‭ ‬فمن‭ ‬المشهد‭ ‬الاستعراضى‭ ‬الشهير‭ ‬لأردوغان‭ ‬منسحبًا‭ ‬من‭ ‬مؤتمر‭ ‬دافوس‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬وقتها‭ ‬شيمون‭ ‬بيريز‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬2009‭ ‬إلى‭ ‬انكشاف‭ ‬الحقيقة‭ ‬بعد‭ ‬12‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬وزير‭ ‬خارجتيه‭ ‬السابق‭ ‬أحمد‭ ‬داود‭ ‬أوغلو‭. ‬

كالعادة‭ ‬كان‭ ‬أوغلو‭ ‬من‭ ‬أصدقاء‭ ‬الأمس‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬أعداء‭ ‬اليوم‭ ‬فأردوغان‭ ‬وهو‭ ‬يغادر‭ ‬القاعة‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬أوغلو‭ ‬سرعة‭ ‬الاعتذار‭ ‬لبيريز‭ ‬بالنيابة‭ ‬عنه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬حركته‭ ‬الاستعراضية‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬ولا‭ ‬داعى‭ ‬لتأكيدات‭ ‬أوغلو‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬الاستعراضية‭ ‬التى‭ ‬تخدم‭ ‬برجماتية‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬فالمنسحب‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬بيريز‭ ‬وموجه‭ ‬الخطب‭ ‬النارية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬فى‭ ‬ساحات‭ ‬اسطنبول‭ ‬أمام‭ ‬مناصريه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬أعد‭ ‬استقبالا‭ ‬مهيبًا‭ ‬فى‭ ‬أنقرة‭ ‬للرئيس‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬الحالى‭ ‬اسحاق‭ ‬هرتسوج‭. ‬

طوال‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬الماضية‭ ‬ظلت‭ ‬ألاعيب‭ ‬الاستعراضية‭ ‬وبرجماتية‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وتحولت‭ ‬ساحات‭ ‬اسطنبول‭ ‬وأنقرة‭ ‬وأزمير‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬التركية‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬يقدم‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ "‬الشو‭" ‬الذى‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والخطب‭ ‬النارية‭ ‬والمظلوميات‭ ‬وأخيرًا‭ ‬ينتهى‭ ‬بالغناء‭ ‬والأناشيد‭ ‬وسط‭ ‬تهليل‭ ‬أنصاره‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬وحلفائهم‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭. ‬

واجهت‭ ‬برجماتية‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬الحقيقة‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬العشرية‭ ‬الاستعراضية‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬قاعدته‭ ‬الأساسية‭ ‬وهى‭ ‬المصالح،‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬هى‭ ‬الحقيقة‭ ‬الثابتة‭ ‬وأن‭ ‬الاستعراضات‭ ‬فى‭ ‬ساحات‭ ‬اسطنبول‭ ‬وأنقرة‭ ‬لن‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الموقف‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬الثابت،‭ ‬استقبلته‭ ‬مصر‭ ‬بحفاوة‭ ‬مترفعة‭ ‬عن‭ ‬التاريخ‭ ‬الاستعراضى‭ ‬السابق‭. ‬

وسط‭ ‬الزيارة‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬التى‭ ‬انتهت‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬أبى‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬عرضًا‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬عرض‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬اللغز‭ ‬وهو‭ ‬زيارته‭ ‬لضريح‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المصرية‭ ‬والدولية‭ ‬حملت‭ ‬عناوين‭ ‬أخبار‭ ‬شبه‭ ‬متطابقة‭ ‬ما‭ ‬سر‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬إلى‭ ‬ضريح‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى؟‭ ‬وتعددت‭ ‬التفسيرات‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬الزيارة‭ ‬هى‭ ‬متابعة‭ ‬الترميمات‭ ‬للمسجد‭ ‬التى‭ ‬أسهمت‭ ‬فيها‭ ‬تركيا‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬2012‭ ‬،‭ ‬وهناك‭ ‬مشروع‭ ‬عالمى‭ ‬للتقريب‭ ‬بين‭ ‬المذاهب،‭ ‬وكان‭ ‬أغرب‭ ‬تفسير‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬التركى‭ ‬ينتمى‭ ‬للمذهب‭ ‬الشافعى‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الحقيقة‭ ‬فالرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬والدولة‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬المذهب‭ ‬الحنفى‭ ‬منذ‭ ‬نشوء‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬وهى‭ ‬تنتمى‭ ‬للحنفية‭ ‬الماتريدية‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬أبى‭ ‬منصور‭ ‬الماتريدى‭ ‬أحد‭ ‬أئمة‭ ‬المذهب‭ ‬الحنفى‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬المذاهب‭ ‬انفتاحا‭.‬

هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بشرعية‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬لحظة‭ ‬التأسيس‭ ‬أو‭ ‬اكتساب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬وقت‭ ‬الضعف‭ ‬فمن‭ ‬التأسيس‭ ‬إلى‭ ‬النفوذ‭ ‬سعت‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سياسيها‭ ‬والفقهاء‭ ‬المنتمين‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬تفسيرات‭ ‬حول‭ ‬المذهب‭ ‬الحنفى‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الخلافة‭ ‬تجوز‭ ‬للإمام‭ ‬الصالح‭ ‬ولايشترط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عربيا‭ ‬من‭ ‬قريش،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المذاهب‭ ‬الأربعة‭ ‬تتمسك‭ ‬بهذا‭ ‬الشرط‭ ‬لكن‭ ‬للسياسة‭ ‬دائمًا‭ ‬رأى‭ ‬آخر‭ ‬وبعد‭ ‬تأسيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك‭ ‬تمسكت‭ ‬تركيا‭ ‬بنفس‭ ‬المذهب‭ ‬بواقع‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬حسب‭ ‬رؤية‭ ‬السياسيين‭ ‬قبل‭ ‬الفقهاء‭ ‬بعد‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬تراث‭ " ‬الخلافة‭ ‬‭" ‬العثمانية‭. ‬

نعود‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬للسؤال‭ ‬حول‭ ‬سر‭ ‬الزيارة‭ ‬لضريح‭ ‬الإمام‭ ‬هنا‭ ‬لايمكن‭ ‬فصل‭ ‬تحركات‭ ‬صاحب‭ ‬الزيارة‭ ‬أو‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬عن‭ ‬المدرسة‭ ‬السياسية‭ ‬البرجماتية‭ ‬التى‭ ‬ينتمى‭ ‬إليها‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬زيارته‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬فزيارته‭ ‬إلى‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬تحمل‭ ‬رسائل‭ ‬تصالح‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬التركى‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬صداها‭ ‬إلى‭ ‬جبال‭ ‬البوكونو‭ ‬فى‭ ‬ولاية‭ ‬بنسلفانيا‭ ‬الأمريكية‭ ‬حيث‭ ‬يقيم‭ ‬فتح‭ ‬الله‭ ‬جولن‭ ‬زعيم‭ ‬جماعة‭ ‬خدمة‭ ‬صديق‭ ‬الأمس‭ ‬للرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬والذى‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الأستاذ‭ ‬والذى‭ ‬أصبح‭  ‬الآن‭ ‬عدو‭ ‬اليوم‭ ‬عقب‭ ‬صدامهما‭ ‬الشرس‭ ‬طوال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬لكن‭ ‬بالطريقة‭ ‬البرجماتية‭ ‬للرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬فالأعداء‭ ‬يعودون‭ ‬أصدقاءً‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬

قبل‭ ‬متابعة‭ ‬الرسالة‭ ‬التى‭ ‬حملتها‭ ‬زيارة‭ ‬الضريح‭ ‬والتى‭ ‬قد‭ ‬تنقل‭ ‬جولن‭ ‬من‭ ‬خانة‭ ‬الأعداء‭ ‬إلى‭ ‬خانة‭ ‬الأصدقاء‭ ‬يجب‭ ‬متابعة‭ ‬التحركات‭ ‬السياسية‭ ‬للرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ــ‭ ‬التى‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تقودها‭ ‬برجماتيته‭ ‬المفضلة‭ ‬ــ‭ ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬تحويل‭ ‬مجلس‭ ‬الدول‭ ‬التركية‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬الدول‭ ‬التركية‭ ‬وهى‭ ‬الدول‭ ‬التى‭ ‬تتواجد‭ ‬فى‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬وتنتمى‭ ‬للقومية‭ ‬التركية‭ ‬وضم‭ ‬إليها‭ ‬أيضا‭ ‬شمال‭ ‬قبرص‭ ‬غير‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دوليًا‭ ‬ويتيح‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬لتركيا‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وعسكرية‭ ‬بالغة‭ ‬حيث‭ ‬هى‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬التجمع‭ ‬الذى‭ ‬يضم‭ ‬دولا‭ ‬تتمتع‭ ‬بثراء‭ ‬اقتصادى‭ ‬وأهمية‭ ‬جيوسياسية‭ ‬كبيرة‭ ‬بل‭ ‬يرفع‭ ‬هذا‭ ‬التجمع‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭  ‬تركيا‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الصراع‭ ‬الأمريكى‭ ‬الصينى‭ ‬الروسى‭ ‬للتواجد‭ ‬فى‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬الغنية‭ ‬بالموارد‭. ‬

بعد‭ ‬مايقرب‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وتركيا‭ ‬حول‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬تركيا‭ ‬لأجل‭ ‬دخول‭ ‬السويد‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتوــ‭ ‬قانون‭ ‬الحلف‭ ‬يلزم‭ ‬إجماع‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬عضو‭ ‬جديد‭ ‬ــ‭ ‬وافقت‭ ‬تركيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلت‭ ‬السويد‭ ‬عن‭ ‬استقبال‭ ‬عناصر‭ ‬كردية‭ ‬تعتبرها‭ ‬تركيا‭ ‬إرهابية‭ ‬وفى‭ ‬المقابل‭ ‬حصلت‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬الصفقة‭ ‬الأضحم‭ ‬فى‭ ‬تاريخها‭ ‬وهى‭ ‬طائرات‭ ‬اف‭ ‬16‭ ‬بقيمة‭ ‬23‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬والأهم‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬الكامل‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬أردوغان‭ ‬وواشنطن‭ ‬حيث‭ ‬ينتظر‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬أردوغان‭ ‬بزيارة‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تتوج‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭. ‬

عاد‭ ‬أردوغان‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬صفر‭ ‬مشكلات‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وهى‭ ‬السياسة‭ ‬التى‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬والتعاون‭ ‬الاقتصادى‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬عشرية‭ ‬الاستعراضات‭ ‬والخطب‭ ‬فى‭ ‬ساحات‭ ‬المدن‭ ‬التركية‭ ‬ثم‭ ‬انقلابه‭ ‬على‭ ‬حلفائه‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬الإخون‭. ‬

هذا‭ ‬الانقلاب‭ ‬يعود‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬إلى‭ ‬التحذيرات‭ ‬الشديدة‭ ‬التى‭ ‬حملتها‭ ‬إليه‭ ‬النخب‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬بوجودها‭ ‬على‭ ‬الأراضى‭ ‬التركية‭ ‬أصبحت‭ ‬جاذبة‭ ‬وتشكل‭ ‬بؤرة‭ ‬تطرف‭ ‬قد‭ ‬يقضى‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬وصورة‭ ‬الإسلام‭ ‬المنفتح‭ ‬الليبرالى‭ ‬التى‭ ‬تحاول‭ ‬تركيا‭ ‬أن‭ ‬تظهربه‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬والأخطر‭ ‬أن‭ ‬التحالفات‭ ‬التى‭ ‬أقامها‭ ‬أردوغان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬الإرهابية‭ ‬مع‭ ‬تنظيمات‭ ‬إرهابية‭ ‬تتبعها‭  ‬جلبت‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬موجات‭ ‬شرسة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬وأصبحت‭ ‬صورة‭ ‬تركيا‭ ‬أنها‭ ‬دولة‭ ‬راعية‭ ‬للإرهاب‭ ‬مما‭ ‬سيحمل‭ ‬تركيا‭ ‬ثمنًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬فادحًا‭ ‬فى‭ ‬علاقاتها‭ ‬الأوروبية‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬يجد‭ ‬أردوغان‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الدولة‭ ‬التركية‭ ‬العميقة‭ ‬التى‭ ‬ترى‭ ‬كارثية‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬وهذه‭ ‬الدولة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬دفعته‭ ‬سريعًا‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬الدموى‭ ‬وعشرية‭ ‬الاستعراضات‭ ‬ومد‭ ‬يد‭ ‬المصالحة‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬نهاية‭ ‬القوة‭ ‬الدافعة‭ ‬التى‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬أردوغان‭ ‬فى‭ ‬عشريته‭ ‬الاستعراضية‭ ‬برحيل‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬بأفكارها‭ ‬المعولمة‭ ‬الجنونية‭ ‬حول‭ ‬مايسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربى‭ ‬والتى‭ ‬وجدتها‭ ‬برجماتية‭ ‬أردوغان‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬حسب‭ ‬تصوره‭ ‬ليصبح‭ ‬زعيم‭ ‬الربيع‭ ‬بالتحالف‭ ‬مع‭ ‬جماعة‭ ‬إرهابية‭ ‬ولكن‭ ‬برجماتيته‭ ‬لم‭ ‬تسعفه‭ ‬ليكتشف‭ ‬أنه‭ ‬يطارد‭ ‬ذهبًا‭ ‬زائفًا‭. ‬

فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضى‭ ‬دشن‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬كنيسة‭ ‬للسريان‭ ‬الأرثوذكس‭ ‬وهى‭ ‬أول‭ ‬كنيسة‭ ‬يتم‭ ‬تشييدها‭ ‬منذ‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬فى‭ ‬تركيا‭ ‬داعيًا‭ ‬إلى‭ ‬التعايش‭ ‬فى‭ ‬سلام‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬طوائف‭ ‬وأعراق‭ ‬المجتمع‭ ‬التركى‭ ‬ويعتبرهذا‭ ‬تحولا‭ ‬أيضا‭ ‬فى‭ ‬سياسات‭ ‬أردوغان‭ ‬فقبل‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬العشرية‭ ‬الاستعراضية‭ ‬وقع‭ ‬أردوغان‭ ‬مرسومًا‭ ‬بتحويل‭ ‬كنيسة‭ ‬أيا‭ ‬صوفيا‭ ‬إلى‭ ‬مسجد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬متحفًا‭ ‬وإغلاق‭ ‬كنيسة‭ ‬تاريخية‭ ‬أخرى‭ ‬وخرج‭ ‬أنصاره‭ ‬من‭ ‬التحالف‭ ‬الإخوانى‭ ‬الكارثى‭ ‬يهللون‭ ‬لخطوته‭ ‬الجبارة‭ ‬وسط‭ ‬استياء‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬غير‭ ‬المفهومة‭ ‬ولكنها‭ ‬البرجماتية‭ ‬والاستعراضبية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زعامة‭ ‬وشعبية‭ ‬زائفة‭. ‬

ما‭ ‬علاقة‭ ‬تحركات‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬الأخيرة‭ ‬بصديقه‭ ‬وحليفه‭ ‬القديم‭ ‬فتح‭ ‬الله‭ ‬جولن‭ ‬وعدوه‭ ‬اليوم‭ ..‬إلى‭ ‬حين؟‭ ‬،‭ ‬الأمر‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬رؤية‭ ‬فتح‭ ‬الله‭ ‬جولن‭ ‬لتركيا‭ ‬والسياسة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يطبقها‭ ‬أردوغان‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬الحكم‭ ‬حتى‭ ‬اصطدامهما‭ ‬الأول‭ ‬بعد‭ ‬حادث‭ ‬السفينة‭ ‬مرمرة‭ ‬فى‭ ‬2010‭ ‬التى‭ ‬حملت‭ ‬أنصار‭ ‬أردوغان‭ ‬والإخوان‭ ‬ومهاجمة‭ ‬إسرائيل‭ ‬لها‭  ‬بدعوى‭ ‬فك‭ ‬الحصار‭ ‬عن‭ ‬غزة‭. ‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬كان‭ ‬بداية‭ ‬تأسيس‭ ‬حالة‭ ‬العشرية‭ ‬الاستعراضية‭ ‬وقبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬هبوب‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربى‭ ‬ومطاردة‭ ‬أفكار‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬الجنونية‭ ‬ثم‭ ‬تحالفه‭ ‬الكامل‭ ‬مع‭ ‬الإخوان‭ ‬وهاجم‭ ‬جولن‭ ‬مافعله‭ ‬أردوغان‭ ‬واصفًا‭ ‬إياه‭ ‬بالفعل‭ ‬الأحمق‭ ‬دون‭ ‬فائدة‭ ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تتورط‭ ‬تركيا‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحماقات‭ ‬وكان‭ ‬الصدام‭ ‬الأكبر‭ ‬عندما‭ ‬اتهم‭ ‬أردوغان‭ ‬جولن‭ ‬وجماعته‭ ‬بأنهم‭ ‬وراء‭ ‬محاولة‭ ‬انقلاب‭. ‬2016‭ ‬

فأثناء‭ ‬تحالف‭ ‬جولن‭ / ‬أردوغان‭ ‬أسست‭ ‬رؤية‭ ‬جولن‭ ‬لحركة‭ ‬أردوغان‭ ‬السياسية‭ ‬وكانت‭ ‬رؤية‭ ‬الحليف‭ ‬القديم‭ ‬جولن‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬محاور‭ ‬أولها‭ ‬أن‭ ‬امتداد‭ ‬تركيا‭ ‬ليس‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬فضاء‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬التركى‭ ‬ولذلك‭ ‬أسست‭ ‬جماعة‭ ‬خدمة‭ ‬التى‭ ‬يتزعمها‭ ‬نفوذ‭ ‬قوى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المراكز‭ ‬التعليمية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬ضم‭ ‬الكثيرين‭ ‬إلى‭ ‬جماعته‭ ‬وأن‭ ‬اتصال‭ ‬تركيا‭ ‬بالمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬فقط‭. ‬

المحور‭ ‬الثانى‭ ‬صاغ‭ ‬جولن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جماعته‭ ‬مفهومًا‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬إسلام‭ ‬صوفى‭ ‬منفتح‭ ‬وقائم‭ ‬على‭ ‬القومية‭ ‬التركية‭ ‬التى‭ ‬يتحرك‭ ‬فى‭ ‬دوائرها‭ ‬وليس‭ ‬إسلامًا‭ ‬أمميًا‭ ‬أو‭ ‬جهاديًا‭ ‬يجنح‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬كما‭ ‬تريده‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬وفروعها‭ ‬من‭ ‬القاعدة‭ ‬إلى‭ ‬داعش‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬تحذير‭ ‬جولن‭ ‬الدائم‭ ‬أن‭ ‬دخول‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬نفوذ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬سيجلب‭ ‬الكوارث‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬وهو‭ ‬ماحدث‭ ‬بالفعل‭. ‬

المحور‭ ‬الثالث‭ ‬أن‭ ‬تمسك‭ ‬تركيا‭ ‬بتعاليم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامى‭ ‬لايعنى‭ ‬الانغلاق‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنفتح‭ ‬بكامل‭ ‬طاقتها‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وتدخل‭ ‬معهما‭ ‬فى‭ ‬علاقات‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬نهضة‭ ‬حضارية‭ ‬حقيقية‭ ‬تنتج‭ ‬أجيالا‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬الأقوياء‭ ‬همهم‭ ‬الأول‭ ‬تحصيل‭ ‬العلم‭ ‬وبناء‭ ‬الحضارة،‭ ‬وأن‭ ‬الأتراك‭ ‬المقيمين‭ ‬فى‭ ‬الغرب‭ ‬عليهم‭ ‬أيضًا‭ ‬الاندماج‭ ‬فى‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬إسلامهم‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬لجولن‭ ‬وجماعته‭ ‬حضورًا‭ ‬ضخمًا‭ ‬فى‭ ‬أووبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حيث‭ ‬يقيم‭. ‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬تحركات‭ ‬أردوغان‭ ‬الأخيرة‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬ونجحت‭ ‬فى‭ ‬تطبيق‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عودة‭ ‬صاحب‭ ‬الرؤية‭ ‬أو‭ ‬فتح‭ ‬الله‭ ‬جولن‭ ‬إلى‭ ‬التحالف‭ ‬القديم‭ ‬سيسرع‭ ‬من‭ ‬تطبيقها‭ ‬والأهم‭ ‬النفوذ‭ ‬القوى‭ ‬الذى‭ ‬يمتلكه‭ ‬جولن‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدوائر‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬الداخل‭ ‬التركى‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬صورة‭ ‬تركيا‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المنفتحة‭ ‬الليبرالية‭ ‬بسسب‭ ‬التحالف‭ ‬الكارثى‭ ‬مع‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭.‬

أما‭ ‬ارتباط‭ ‬الزيارة‭ ‬أو‭ ‬الرسالة‭ ‬من‭ ‬ضريح‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬بجولن‭ ‬لأن‭ ‬جولن‭ ‬يعتبر‭ ‬نفسه‭ ‬امتدادًا‭ ‬وعلى‭ ‬طريق‭ ‬استاذه‭ ‬الروحى‭ ‬المتصوف‭ ‬بديع‭ ‬الزمان‭ ‬سعيد‭ ‬النورسى‭ ‬الشافعى‭ ‬الكردى‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬جولن‭ ‬ينتمى‭ ‬للمذهب‭ ‬الحنفى‭ ‬مثل‭ ‬أردوغان‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحًا‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ ‬المذهبية‭ ‬ولا‭ ‬يؤثر‭ ‬الانتماء‭ ‬المذهبى‭ ‬فى‭ ‬الانتماء‭ ‬لجماعة‭ ‬جولن‭ ‬وأيضا‭  ‬فإن‭ ‬المناطق‭ ‬الكردية‭ ‬فى‭ ‬أغلبها‭ ‬شافعية‭ ‬بالإضافة‭  ‬إلى‭ ‬أنها‭  ‬مكونًا‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬مكونات‭ ‬الجماعة‭ ‬والتى‭ ‬قد‭ ‬يريد‭ ‬أردوغان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬تصالح‭ ‬مع‭ ‬جماعة‭ ‬جولن‭ ‬وزعيمها‭ ‬والكرد‭ ‬بنفس‭ ‬الوقت‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬توجهاته‭ ‬الجديدة‭. ‬

قد‭ ‬تؤدى‭ ‬هذه‭ ‬البادرة‭ ‬التى‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬أصدقاء‭ ‬الأمس‭ ‬أعداء‭ ‬اليوم‭. ‬


 

;