نانيس أيمن تكتب: «يومين» صرخة دريد لحام في وجه مجتمع الحرب

نانيس أيمن
نانيس أيمن

على خطى سينما العائلة التي بدائها العملاق السوري دريد لحام مع بداية الألفية الثالثة وبالتحديد فيلمه "الآباء الصغار" يعود إلينا من جديد بأحدث أعماله السينمائية وهو "يومين" والذي عرّض لأول مرة عالميا ضمن فعاليات مهرجان بغداد السينمائي في نسخته الأولى والذي اختتمت فعالياتها مؤخرا، وهو عملا يستعرض فيه صاحب "الحدود" أيضا قضايا أسرية هامة وذات حساسية في المجتمع العربي، يستكمل فيه دوره كفنان كرس لمناقشة قضايا وطنه، مهمومًا بالواقع الذي يعايشه، وتجسد ذلك ليس فقط في مجموعة من الأعمال السينمائية التي تتشابك مع هموم الإنسان السوري والعربي وإنما أيضا في مواقفه وأفكاره.

في فيلمهما الأحدث ابتعد الثنائي دريد لحام وتليد الخطيب - مؤلف العمل- عن حالة الحرب وأجواء المعارك الدامية التي عانت منها الدولة السورية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي ليقدما معا فيلمًا اجتماعيًا يناقشا فيه العنف الأسري في المجتمع العربي بوجه عام والسوري بوجه خاص، وقدما فيه صرخة في وجه مجتمع الحرب الذي فكك روابط الأسرة وجعل السلم الاجتماعي على المحك.

يدور "يومين" في إطار اجتماعي حول قصة رجل يعيش أوضاعا اجتماعية واقتصادية صعبة مما يؤدي لحدوث كثير من المشاكل مع زوجته، بعد كل مرة يعود فيها إلى البيت مخموراً أو خاسراً على طاولة القمار مما يدفعه لاستخدام العنف معاها أماما أولاده "نغم"، و"صباح" بشكل مستمر يوميا، وانشغل عن دوره الآبوي تجاه أولاده، مما دفع الأولاد للهروب من المنزل بحثًا عن الأمان والدفء، ويصادفهم الحظ بأن يلتقيا بـ غيث (دريد لحام) وابنته الوحيدة (رنا شميس)، ويقضيان معهما يومين احتضنهما فيهما غيث وشعرا معه بدفء إنساني وسلام نفسي افتقدوا، فأصبحا ينادينه بـ جدو.

الفيلم ورغم أنه يناقش قصة اجتماعية في الأساس لكنه لم يخلو من التلميحات والاسقاطات على الأوضاع السياسية في سوريا عبر إطار ضيق منطلقا منه لرحابة فكرية عن الوضع العربي، مسلطا الضوء على التناقضات الحادة التي أصابت شرائح واسعة من السوريين، وإلقاء الضوء على ما خلفته سنوات النزاع الطويلة من آثار نفسية واقتصادية على البلاد، معبرا عن قيمة العائلة في مجتمع الحرب، ويدين العنف الأسري، وينبذ العنف الممارس على النساء في المجتمعات الشرقية. 

لكن الفيلم أيضا ورغم هذا الصراعات النفسية التي تدور فيه، وتكرار مفردة العنف بكل معانيها وتداعيتها، إلا أننا نجد "لحام" يظهر بدور الحكيم المحب للحياة رغم قسوتها، يحبها ويعشقها من منظور طفولي مرح وبريء وفطري، وكأن تكرار العنف هنا ما إلا أمنية لاستمرار الحياة التي يجاهر بحبها.

بشكلا عام عاش الجمهور العراقي، على مدار نحو ساعتين تقريبا هى مدة الفيلم حالة من السعادة الشديدة، وبشكل عام مررت بتجربة رائعة بعدما مشاهدة عملا ك لم  أشاهد مثله من فترة طويلة خاصة أنه يحمل مشاعر إنسانية غزيرة وفياضة تصل إلى حد البكاء والضحك معا.

في المجمل يمثل الفيلم تجربة فنية جيدة قدم من خلالها صناعه ك عمل متكامل الأركان على في مستويات السردّ والبناء الدرامي، أو التشكيل البصري، ويعد إضافة جديدة لمكتبة السينما العربية، اتمني أن تتكرر كثيرا الفترة المقبلة، خاصة أن مجتمعاتنا العربية تحتاج مثل هذه الأهمال التى تصحيح كثير من القيم الخاطئة التي دمرت روابط الأسر العربية.