إنها مصر

حسابات حماس !

كرم جبر
كرم جبر

لو فكرت حماس فى رد فعل إسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى، هل كانت تقدم عليها؟
لا أتصور أنها توقعت تدمير غزة بهذا الشكل، ولكن عمليات عسكرية إسرائيلية خاطفة كما يحدث فى كل مرة، ويبدأ الاستعداد بعدها لمواجهة جديدة.
كان على حماس أن تدرك أن عملا عسكريا بهذا الحجم لن يمر بسلام، خصوصاً فى ظل الضغوط الداخلية التى يتعرض لها نتنياهو، وتدفعه إلى العنف الشديد إنقاذاً لنفسه من العزل والمحاكمة.


ومنذ الأيام الأولى كتبت فى هذا المكان أن حماس لا تستطيع أن تنتصر على إسرائيل ووراءها أمريكا والغرب، وإمكانيات عسكرية ومادية هائلة، بجانب مساندة الرأى العام العالمى الذى أدان بشدة قتل المدنيين فى طوفان الأقصى.
فى المرات السابقة، كانت إسرائيل تتخذ من صواريخ حماس ذريعة لضرب غزة، حتى لو لم تقع خسائر، فوجدت نفسها فى موقف أشبه بما حدث فى 11 سبتمبر فدمرت أمريكا أفغانستان والعراق، وأشعلت فى المنطقة نيران الربيع العربى التى أحرقت كثيراً من الدول.
ودفعت دول وشعوب المنطقة ثمناً فادحاً، مثلما تدفع غزة الآن، فى ظل عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، بما يعنى استمرار حرب الإبادة.
ومن الصعوبة الحديث بموضوعية عما يحدث فى ظل التعاطف الشديد مع غزة، ولكن سيأتى يوم لإعادة التقييم والدروس المستفادة من الحرب المأساوية.
فمنذ عام 2006 واشتعل الصراع داخل البيت الفلسطينى نفسه، بسبب الاختلاف حول «أوسلو» ورفض حماس والمنظمات الجهادية الاعتراف بإسرائيل، والهجوم على الرئيس عرفات، ووقوع معارك دموية بين فتح وحماس، حتى استطاعت الأخيرة أن «تحرر» غزة من فتح، على حد قول قادتها.
واستفادت إسرائيل من الخلافات الحادة وظلت تلعب على الوقيعة، دون أن تدرك الفصائل الفلسطينية أنها تتصارع على «كعكة سلطة» لم توضع بعد على المائدة، وضاعت السنوات تلو السنوات، فى البحث عن حلم الدولة الفلسطينية بعيد المنال.
لا يجوز الآن البكاء على اللبن المسكوب الذى أغرقته الدماء وجثث الشهداء، وأصبح ضرورياً الوصول إلى خط النهاية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكبح جماح الرغبة الإسرائيلية المتعطشة لمزيد من الدماء.


والخطوة الضرورية هى توحيد السلطة الفلسطينية فى غزة والقطاع، سلطة واحدة وليس سلطتين، وحكومة واحدة وليس حكومتين، والتفكير الجدى فى مستقبل قادة حماس ومدى استعدادهم للانخراط فى العملية السياسية، استثماراً لإعادة احياء حل الدولتين.
الثمن غال جداً من دماء وتضحيات الشهداء ولا يجب أبداً أن يضيع هباءً، وآن الأوان لوقف المجزرة، وإنقاذ المدنيين فى حرب ظالمة لم يحدث مثلها فى التاريخ.