أصل الحكاية| أبراج وأسوار قلعة صلاح الدين الأيوبي.. "كنوز وتحف" لا مثيل لها في العالم

قلعة صلاح الدين الأيوبي
قلعة صلاح الدين الأيوبي

خلف أسورها تقف شواهد كثيرة تنطق بتفردها، إنّها قلعة صلاح الدين الأيوبي التي تضم مسجد المرمر وبئر يوسف وقصر الحريم، وسطورا من التاريخ العربي.

فعالياً فوق القاهرة الصاخبة، وتطل على مدينة الألف مئذنة، وتقف القلعة صامتة وفخورة، ظلت القلعة قائمة لأكثر من 800 عام، وكانت بمثابة حارس للمدينة وشهادة على التراث العسكري والمعماري المصري. 

تم بناؤه عام 1176 على يد صلاح الدين الأيوبي، أول سلطان لمصر ومؤسس الأسرة الأيوبية، وأكمله السلطان كامل بن العادل عام 1207، كما أن موقعه المرتفع فوق القاهرة جعل من الصعب مهاجمته ووفر موقعًا مثاليًا، النقطة التي يمكن من خلالها مراقبة المدينة بأكملها؛ من هنا يمكنك رؤية كل شيء.

شيّدها صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية التي حكمت مصر وفلسطين وسوريا، لتكون الرباط الذي يربط كبرى مدن العاصمة المصرية القاهرة والفسطاط اللتين أحاطهما بسور واحد، لكن القدر لم يمهله لكي يرى مشروعه الدفاعي عن مصر ضد أي هجمة صليبية وقد اكتمل على يد قراقوش، أول من أقام فيها هو ابن أخيه الكامل.

أحداث هامة شاهدتها القلعة :

شهدت أحداثا تاريخية هامة ، فيها توج سلاطين، وذبح آخرون، ومنها انطلقت الجيوش لتحرير بلاد الشام من الصليبيين ولفتح قبرص وغيرها، شهدت سقوط دولة المماليك وسيطرة الخلافة العثمانية على مصر، وقيام دولة محمد علي، هذه هي قلعة صلاح الدين في القاهرة لم تكشف أسرارها إلى اليوم، بالرغم من أنها تضم كنوزا وتحفا لا يوجد مثيل لها في أي قلعة في العالم.

القسم الجنوبي الغربي من القلعة:

تقع القلعة على ربوة صخرية من جبل المقطم، قام بالإشراف على بنائها بهاء الدين قراقوش الذي أمر بفصل هذه الربوة عن جبل المقطم لتكون وحدة منعزلة حصينة، قسمت القلعة إلى قسمين رئيسيين، القسم الشمالي كحامية عسكرية، تحيطه أسوار في الاتجاهين الشمالي والشرقي، تم بناؤها في عهد صلاح الدين الأيوبي وعهد أخيه الملك العادل، وهي تضم أبراجًا مستديرة ومربعة، الأولى بنيت في عهد صلاح الدين والثانية بناها العادل، أما القسم الجنوبي الغربي من القلعة فقد خصص لقصر الحكم ومقرًّا لإقامة الوالي. 

17 برجًا لحماية القلعة :

 

تتمتع أسوار القلعة بكم هائل من الأبراج الحربية، وتصل أعدادها تقريبا إلى 17 برجا، منها ما هو معروف تاريخه واسمه ومنها ما هو مجهول الاسم والتاريخ، ومنها :

- البرج المربع :

الذى يقع فى الشمال الغربى الذى أقيم عليه الجناح الغربى لقصر الحرم الذى بناه محمد على باشا، وكان أساس هذا الجناح هو برج مربع، أما أرضية الطابق العلوى للجناح الغربى لقصر الحرم فتمثل سطح هذا البرج المربع، ومن ذلك نستنتج أن هذا البرج من أعمال السلطان العادل وأن محمد على قام بإعادة بناء بعض أقبية وبعض أجزاء الطابق العلوى من البرج التى كانت مهدمة من ذلك الوقت، وبرج المربع هو برج ضخم يبلغ قطره 18م وارتفاعه أكثر من 20 م فوق الصخر، وكان هذا البرج فى الأصل أحد أبراج صلاح الدين، ثم قام الملك العادل بزيادة تحصينها، والبرج مكون من طابقين يتوصل إلى كل منهما عن طريق ممرات بسور صلاح الدين الأيوبى.
 
 أما البرج الصغير فهو عبارة عن برج صغير نصف دائرى يقع على بعد 32 م من برج الحداد بالزاوية التى بين السور الشمالى والسور الشرقى، وتخطيطه يشبه تخطيط الأبراج التى بناها صلاح الدين، حيث يتكون من قاعة تخطيطها متعامد.

أما برج المقوصر : فهو أول أبراج السور الشرقى، وهو من الناحية المعمارية نموذجا لأبراج صلاح الدين الأيوبى، حيث يتكون تخطيطه من نصف دائرة وقد بنى من الأحجار المصقولة، ويتكون من طابقين بكل طابق حجرة متعامدة الأضلاع مغطاة بقبو متقاطع.

القسم الشمالى الشرقى من القلعة:

هناك بعض الأبراج والأسوار المحيطة بالقلعة، ومن هذه الأبراج هي :

1- برج الرملة :

يعد برجا الرملة والحداد أكبر أبراج القلعة ويشكلان مقدمتها، ومنهما يتم رصد أي تحركات تجاه القلعة والتعامل معها.

برج الرملة يرجع تاريخه إلى عصر السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وهو على هيئة ثلاثة أرباع دائرة ويتكون من طابقين وسطح كشف سماوي. 

كل طابق يتكون من قاعدة يتعامد عليها ثلاثة أذرع بكل ذراع مزغل، وقد تم توسعة البرج فى عصر السلطان العادل الأيوبى بحيث تحولت المزاغل إلى فتحات أبواب تفضى إلى حجرات مستطيلة مغطاه بأقبية وتنتهى كل حجرة بفتحة مزغل.

2- برج الحداد : 

برج الحداد فهو من أضخم أبراج القلعة على هيئة ثلاثة أرباع دائرة، وكان فى الأصل برج نصف دائرة من أبراج صلاح الدين، وتمت عليه إضافات فى عصر السلطان العادل الأيوبى حتى أخذ هذا الشكل، وهو عبارة عن قاعدة متعامدة الأضلاع بوسطها درقاعة مغطاة بقبو متقاطع لها ثلاثة أذرع تنتهى بفتحات مزغلية، ثم تحول مزغلان إلى بابين يؤديان إلى ممر على هيئة نصف دائرة مغطى بأقبية متقاطعة، أما دور قاعة الطابق العلوى فهى مثمنة المسقط.

3- برج "القرافة " :

يطلق على هذا البرج اسم باب الإمام، لأن إمام مسجد سارية الجبل اتخذ هذا البرج سكنا له، وباب القرافة كان يؤدى إلى قرافة مصر المعروفة حاليا باسم الإمام الشافعى، وهو عبارة عن برج كبير مزدوج أبعاده 28.70م عرضا، و2.70م عمقا، وكانت قمته قبل تنظيفه عام 1923م عبارة عن سطح من الحصباء.

4-  برج "المبلط: :  

برج المبلط فهو على هيئة ثلاثة أرباع دائرة ويتكون من طابقين متشابهين تقريبا، ويتوسط كل طابق قاعة متعامدة التخطيط يغطيها قبو متقاطع ويمزج منها ٣ أذرع، وقد بنى هذا البرج من الأحجار المصقولة، ويتميز برج المبلط بانحرافه تجاه الشمال فى خط مستقيم، مما يسمح برمى السهام فى اتجاه أمامى نحو الواجهتين الجنوبية والشرقية.

5- "برج المطار" :

لكن برج المطار هو أكثر الأبراج إثارة، حيث استخدم البرج لاستقبال وإرسال الحمام الزاجل محملاً بالبريد إلى كل أنحاء مصر وبلاد الشام والعودة بالبريد القادم.

وقد سمى هذا البرج ببرج المطار لأنه كان مخصصا للحمام الزاجل الذى كان يستخدم فى حمل الرسائل، ومن هنا يمكن نسبة هذا البرج إلى الملك الكامل لأنه منشئ أبراج الحمام بالقلعة، كما ذكر ذلك المقريزى فى كتاب المواعظ، ويتكون تخطيط كل من البرجين من قاعة متعامدة ذات قبو متعامد مع مزغل أمامى واثنين جانبيين.

وصف البرج المطار :

هذا البرج عبارة عن زوج من الأبراج النصف دائرية ارتفاعها ١٥ م، ويجاور أحدهما الآخر دون اتصال داخلى بينهما، وهذان البرجان متشابهان فى الحجم والتخطيط.

 6- "برج كركيلان" :

يقع برج كركيلان على بعد 32 م ، شرقا من برج الصفة، وهو برج مربع الشكل تبلغ أبعاده 21 م، وارتفاعه 2.60م، وقد بنى هذا البرج كما بنى برج الصفة من كتل تميل واجهتها إلى السطح الخلفى بمقدار 75سم، ويتكون هذا البرج من 3 طوابق كشف عن الطابق السفلى له سنة 1923م.

حيث تبين من دراسة هذا الطابق أن برج كركيلان كله مضاف على سور صلاح الدين فى عهد الملك العادل، ويظهر السور الأصلى عند نقاط التماس مما يدل أن البناءين قطعوا فى سور صلاح الدين الأيوبى مسافة 5 م، ويتم الدخول للبرج حاليًا من خلال باب فى الطابق الأوسط حيث يؤدى هذا الباب إلى ممر على هيئة زاوية قائمة توصل إلى الذراع الغربى للقاعة الوسطى ذات التخطيط المتعامد.


7- برج الصفة :

برج الصفة وهو ذو مبنى مربع ويتكون من طابقين، كما أنه يشتهر بأقبيته وفتحات رمي السهام، ويمثل هذا البرج نموذجًا فريدًا في عمارة الأبراج الحربية، ويتسم في الداخل بالمهابة والضخامة.

ويقع برج الصفة شرق برج المقطم على بعد 16.60م، وينسب بناؤه إلى الملك العادل، وقد بنى على عكس أبراج صلاح الدين النصف دائرية الموجودة بالسور، وهو برج مربع تقريبا طوله 25.80م، وارتفاعه 15 م فوق مستوى الأرض الحالي، وعندما قامت لجنة حفظ الآثار العربية بعملية كشف أسفل المزغل الثانى على اليسار فى نوفمبر عام 1953 م ، تم الكشف على وجود صخر على عمق3.30م، وهذا ما يجعل ارتفاع البرج حوالى 18.30 م من الخارج أما من الداخل فإنه يبلغ عمقه من الخلف إلى الأمام 25.30 م.

يتسم برج الصفة بالقاعدة ذات التخطيط المتعامد التى تبلغ أبعادها 18.38 م من الشمال إلى الجنوب، و14.38 م من الشرق إلى الغرب، ويغطى الجزء المربع الذى يتوسطها قبو متقاطع، أما الأذرع الأربعة فتغطيها أقبية من حجر منحوت، وقد ألحق بالذراع الجنوبى حجرتان مربعتان تقريبا زودتا بمزغلين للسهام.

وأهم ما يميز هذا البرج هو إحكام تخطيطه، بحيث نجد أن محور القاعدة الكبرى ذات التخطيط المتعامد يتعامد تماما مع الواجهة، كما أن ظهر البرج يوازى الواجهة على اختلاف بسيط قدره 5 سم.

 8- "برج الطرفة" :

ويقع على بعد 30 م من برج كركيلان، وقد بنى فى عهد الملك الكامل، وهو برج ضخم مربع الشكل مساحته 30مترا مربعا، وقد شيد بالحجارة، ويتكون من الداخل من جزءين مستقلين عن بعضهما دون أى باب يصل بينهما، ويتكون الجزء الخارجى وهو الأصغر من 4 غرف كبيرة معقودة كانت مخصصة لرمى السهام أبعادها 7.20 ×4.50 م، ويتميز بأن حائطه الخارجى سميك جدا حتى أن المزاغل عملت فى حنايا نصف مستديرة لتسمح للرماة بالتحرك فى حرية، وهى تشبه المزاغل الموجودة بكل من برج الصفة كركيلان، أما الجزء الداخلى لهذا البرج فإنه يختلف فى تخطيطه، حيث تميز بوجود قاعة فى الوسط متعامدة التخطيط.

9- "برج العلوة" :

يقع برج العلوة على بعد 9 م شرقى برج الصفة، وهو برج نصف دائرى يزيد اتساعه عن 6 م، ويبرز بمقدار 5.95 م، ويتكون من الداخل من قاعة متعامدة التخطيط ذات قبو متعامد عرضها 4.80م، وطولها 2.55م، وكان هذا البرج يتصل ببرج الصفة عن طريق ممر داخلى فى سور صلاح الدين لكن المرر تم سده عند بناء درج لبرج الصفة، وأهم المميزات المعمارية لهذا البرج أن مزاغله متصلة بأرض القاعة مباشرة، الأمر الذى كان يعطى رامى السهام سهولة الحركة داخل المزاغل، هذا ويوجد لهذا البرج طابق علوى يشبه فى تخطيطه تخطيط الطابق السفلى ويصعد عليه عن طريق سلم فى الناحية الشرقية للبرج.

10-  برج "المقطم " :

برج المقطم، وهو برج ضخم ومستدير يرتفع عن باقي أبراج القلعة، كان يعرف ببرج القلة، وفيه كان يجلس والي القلعة، والقلة مكان مرتفع يمكن منه مراقبة كل أقسام القلعة، هذا هو سر اتخاذه مقرًّا لوالي القلعة.

ويقع بالركن الجنوبى الغربى من السور، وهو برج ضخم دائرى قطره 24م،  وارتفاعه 25م، ويتكون من حجرة بسقفها قبة صغيرة، وقد استخدم فى بناء جدران البرج الخارجية الأحجار الملساء فى حين استخدمت الأحجار غير المصقولة التى تعرف باسم الدقشوم فى بناء جدرانه الداخلية، ويتضح من سمك الجدران الكبير أنه كان مصمما لمقاومة قذائف المدفعية التى عرفت فى العصر العثمانى، لذلك يعتبر من الإضافات الحديثة على القلعة.

11- برج الصحراء :

أما "برج الصحراء" فهو برج مركب ويظهر من الخارج أنه برج مستدير موضوع على ركن من أركان السور، إلا أن تخطيطه الداخلى يظهر أنه مستطيل وأبعاده 12.70م ×21.30م، ويتبع هذا البرج فى تخطيطه أبراج صلاح الدين الأيوبى من حيث احتوائه على قاعة متعامدة التخطيط يخرج منها 3 أذرع، ويوجد فتحات بكل ذراع، منها فتحة مزغل، ويتكون هذا البرج من طابقين يتماثلان فى التخطيط، ويلاحظ أن حائط هذا الجزء من السور قد دعم بحائط إضافى يبلغ سمكه 2م، وتتكون هذه الكسوة التى نراها من الخارج من كتل حجرية، مما يدل أنها صنعت للدفاع عن القلعة من نيران المدفعية، لذلك يعتبر أيضا من الإضافات الحديثة على القلعة.