المُخطط الصهيوني لاجتياح رفح.. وموقف مصر الحاسم

الكاتب الصحفي أحمد عبدالوهاب
الكاتب الصحفي أحمد عبدالوهاب

من يقرأ المشهد، منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر، يرى أن جيش الاحتلال حاول استغلال الفرصة، ليس من أجل الرد والانتقام من «حماس»، لإعادة حق المستوطنين الإسرائيليين، بل لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، وتهجير أصحاب الأرض، ومحاولة الضغط من كافة الاتجاهات، لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهو الأمر الذي قوبل بعاصفة من الرفض التام من مصر والعالم أجمع، وأيضًا رسخت أمريكا، التي كانت تؤيد المخطط الإسرائيلي الخبيث، وأعلنت في تصريحات لمسؤوليها، تأييد رفض فكرة التهجير القسري. 

حجم الدمار الذي شهده قطاع غزة، لم يحدث عبر التاريخ، فتهدمت المنازل، وشُردت العائلات ممن كتب لهم القدر أن يبقوا على قيد الحياة، ونزح الآلاف من الجنوب إلى مدينة رفح، التي اكتظت بالفلسطينيين، وتأزمت الأوضاع أكثر مما كانت عليه، ويعيش أصحاب الأرض أصعب مرحلة من الممكن أن يراها إنسان في حياته، وسط القهر والظم والقتل بدم بارد، أمام المجتمع الدولي، الذي اكتفى بدور المتفرج، أمام جرائم الإبادة الجماعية، التي يرتكبها الاحتلال تجاه الأبرياء. 

الصمت الدولي المُريب، تجاه ما يحدث في غزة، أعطى جيش الاحتلال الضوء الأخضر، لمواصلة سفك دماء الفلسطينيين، والزعم بين الحين والآخر، بتحقيق نتائج إيجابية بقتل عدد من المُسلحين التابعين لحماس، لمحاولة تهدئة الرأي العام الإسرائيلي، الذي يصب غضبه يوميًا على حكومة نتنياهو، لفشله في تحرير الرهائن، الأمر الذي وضع حكومة الاحتلال في مرمى النقد والسب العلني.. أمام الضغوط التي تتعرض لها حكومة الاحتلال، أعلن نتنياهو عن خطة جديدة لاجتياح مدينة رفح، في ظاهرها القضاء على «كتائب حماس»، وباطنها مواصلة جرائم الإبادة بحق المدنيين العُزل، فيبقى أمامهم الحل الوحيد، إما الموت أو الفرار نحو الأراضي المصرية، التي لا يفصلهم عنها سوى «سور» على الشريط الحدودي. 

خطة نتنياهو الخبيثة، قوبلت بحالة من الإدانة والاستهجان من جانب العديد من الدول، وفي مقدمتها مصر، بالإضافة إلى قيام منظمة الصحة العالمية، بإصدار بيان شديد اللهجة، يحذر من خطورة الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح ووصفته بأنه «كارثة لا يمكن تصورها»، ويزج بالنظام الصحي في القطاع ليقترب أكثر من حافة الهاوية، ويزيد من حجم الكارثة الإنسانية إلى ما هو أبعد من الخيال، بعد تكدس أكثر من مليون فلسطيني في رفح عند الطرف الجنوبي من قطاع غزة على الحدود مع مصر، يعيشون في مخيمات وأماكن إيواء مؤقتة بعد الفرار من القصف الإسرائيلي في أماكن أخرى من غزة.

كذلك اعتبرت الأمم المتحدة، أن أي هجوم إسرائيلي في رفح يمكن أن يؤدي إلى مذبحة، في الوقت الذي وقفت فيه أمريكا عاجزة عن ردع نتنياهو، وما يزيد من حجم الكارثة، هو عدم قدرة منظمة الصحة العالمية، على توزيع المساعدات الطبية، بسبب رفض العديد من طلباتها لتوصيل الإمدادات، ورغم ذلك هناك إصرار من حكومة الاحتلال على غزة رفح، وهو الأمر الذي دفع مصر إلى الرد بحزم على تلك التصريحات الاستفزازية، والتأكيد على أن توغل إسرائيل في رفح والهجوم عليها، يعد انتهاكًا صاروخًا لاتفاقية السلام. 

ودعونا نتذكر أن الجيش المصري قبل نحو 50 عامًا، استطاع أن يلقن جيش الاحتلال الإسرائيلي، درسًا لا ينسى عبر التاريخ، عندما استطاع اجتياح خط بارليف وعبور القناة وتحقيق النصر، وهزيمة العدو الإسرائيلي هزيمة مُزلة، أظهرت قوة الجيش المصري، وهو ما دفع أمريكا للتوسط وإبرام اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، لضمان أمن واستقرار الحليف الأول لأمريكا، التي حتى الآن ترعى جرائمها تجاه الشعب الفلسطيني. 

ويشهد التاريخ، أن مصر من أوائل وأكثر الدول، الداعمة والمدافعة عن القضية الفلسطينية، ودائمًا تكون القاهرة هي نقطة التقاء الأطراف للتوصل للتهدئة، بالإضافة إلى جهودها الدبلوماسية، لمحاولة إيجاد حل عادل للقضية، والمناداة دائمًا بأن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، هو السبيل التي تسعى مصر لتحقيق، منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي وحتى الآن، ولا يمكن لأحد أن يغفل الجهود المضنية التي بذلها الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه الحكم، فطالما تصدرت مصر المشهد، وتبنت عمليات إعادة إعمار غزة، في كل الهجمات الوحشية التي تعرض لها القطاع، وحتى المرحلة الحالية الأسوأ في التاريخ، التي تشهد دمارًا شاملًا للبنية التحتية، ورغم ذلك أبدت مصر استعدادها في المشاركة لإعادة إعمار غزة، وهو الأمر الذي تصدر مباحثات الرئيس السيسي ونظيره التركي «أردوغان»، الذي أبدى الاستعداد للتعاون مع مصر في إعادة الإعمار. 

موقف مصر الواضح، من القضية الفلسطينية، وتحذيرها شديد اللهجة الأخير، بشأن الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، يجبر حكومة الاحتلال على التفكير ألف مرة، قبل اتخاذ قرار «غشيم»، قد يُعرض إسرائيل لمخاطر غير محسوبة، وجبهة لا تستطيع مقوماتها، من الممكن أن تدخل في النفق المظلم، لذلك قد تضطر حكومة الاحتلال لتأجيل أو إلغاء المخطط الخبيث، لتجنب الصدام مع مصر، التي لن تصمت أمام أي تهديد لأراضيها، وتتملك القدرة على ردع من تسول له نفسه التعدي على سيادتها، وسط جهود البحث عن نُصرة فلسطين وإقامة دولتها المُستقلة.