أوراق شخصية

كيف تكون إنساناً؟

د. آمال عثمان
د. آمال عثمان

الفنان الحقيقى صاحب الموهبة الصادقة، لديه طاقة هائلة من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، تجعله يتوحد مع كل شخصية يجسدها، ويتعايش معها بكل ذرة فى كيانه ووجدانه، وتحركه تلك الأحاسيس ليتفاعل مع مشاعر الشقاء والألم والقهر التى يمر بها الآخرون، ويتبنى قضايا إنسانية واجتماعية تجسد جراح وأحزان وأوجاع البشر، وهذا لا يجعل الفنان يختار الأعمال التى يجسدها فحسب، وإنما يختار مواقفه التى تعكس التزامه تجاه نفسه وجمهوره ووطنه.

والفنانة منى زكى واحدة من أهم النجمات، وأكثرهن موهبة وصدقاً، ليس فقط بما تتمتع به من موهبة متفردة، ورجاحة ومقدرة على اختيار أعمال تناقش قضايا إنسانية واجتماعية مهمة، وانتقاء شخصيات تبقى فى الوجدان الإنساني، وإنما لمواقفها التى تجسد رقى مشاعرها، وتعكس ثقافتها ووعيها بالقضايا الإنسانية والسياسية، وقدرتها على التعبير عن تلك المواقف بعفوية وبساطة، لا تفتقد للصراحة والثبات والشجاعة.

فى أحدث أفلامها «الرحلة 404» قدمت بحرفية، وأداء نفسى وجسدى يفيض بالصدق والإحساس، رحلة امرأة تتحدى قدرها، وتصارع لتغيّر مصيرها من الانحلال والسقوط، إلى التطهر والتوبة، رحلة لعب فيها القدر دور البطولة فى تحديد مصير إنسانة، يرفض ماضيها الأسود أن يتخلى عنها، ويتركها تستكمل سعيها فى رحلة إلى الله، لنكتشف الصراع الداخلى والخارجى لأبطال الرحلة، عبر شريط سينمائى أبدعه باقتدار المخرج هانى خليفة، وسيناريو محكم لرحلة لاهثة تأبى أن تضع أوزارها، كتبه محمد رجاء، وشارك فى كتابته تامر حبيب، وبرع الفنانون محمد فراج، محمد ممدوح، خالد الصاوي، وشيرين رضا فى تجسيد تلك الرحلة الإنسانية.

وبقدر إبداعها فى تجسيد تلك الشخصية، عبّرت أيضاً ببراعة عما يدور فى أفئدتنا وضمائرنا جميعاً، خلال كلمتها فى دبى بعد تسلمها جائزة أفضل فنانة عربية، تحدّثت عن عجزنا أمام المجازر الوحشية التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وعن الشرخ النفسى العميق الذى حدث بداخلنا، ولن يلتئم إلا بعد توقف تلك المذابح الدموية، وحصول الشعب الفلسطينى على حريته وحقوقه، وعن عالم استيقظ أخيراً وأدرك جرائم إبادة الشعب الفلسطيني، وإخفاق المنظمات الإنسانية فى إنقاذ أرواح الآلاف من الأطفال والنساء، وعلمتها الأحداث أن الإنسانية لا تحتاج لمنظمات كى ندرك قواعدها، فلا أحد يُمكن أن يعلمك كيف تكون إنساناً؟!، وإنما تولد الإنسانية معنا، ونفهم قيمها بضمائرنا، ونحن من نضع قواعدها لأنفسنا.