خطيب الجامع الأزهر: الوعي واليقظة واجبان في زمن الغفلة

الجامع الأزهر فضيلة الدكتور محمود الهوار
الجامع الأزهر فضيلة الدكتور محمود الهوار

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر فضيلة الدكتور محمود الهوارى، الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول "زمان اليقظة في شهر شعبان".

قال د. محمود الهواري، إن السعادة كل السعادة لمن اتقى الله، والفوز كل الفوز لمن راقبه في سره ونجواه. قال تعالي: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". هذا الحديث يعلن ويصارح لكل مستمع ذو فهم واضح بفضل شهر شعبان. فهو دعوة طيبة لكل مسلم فطن عاقل أن يستثمر أزمنة البركة التي يقرر الله فيها من النفحات والعطاءات ما تطمح إليه النفس.

وأشار د. الهواري، إلي أن الحديث فيه ملمح جديد وهو أنه لما سئل النبى ﷺ عن صيام هذا الشهر الذي بين رجب ورمضان، علل عبادته في هذا الزمان بأنه يصوم في زمان الغفلة، فهي دعوة واضحة، ونداء صريح منه ﷺ إلي الأمة باليقظة الواجبة في زمان الغفلة. وتابع فضيلته: نحن في أشد الحاجة إلى تلك اليقظة في زمننا هذا الذى اختلفت فيه المفاهيم، حيث نعيش الآن مرحلة تزوير وتزييف وتشويه متعمد في محاولة لإخراج قلوبنا من صدورنا واستبدالها بأخرى جديدة تنكر الإحسان، والإيمان، والشعور، والأحكام. لذا جاء النداء منه ﷺ باليقظة الواجبة في هذه الغفلة التي تغلب على الإنسان حياته كلها، صغيراً كان أو كبيراً، متعلماً أو غير متعلم.

وحث الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية كل مسلم علي أن يكون فطنا لا تحكمه الغفلة؛ فينسى مسؤولياته، ويدور حول ذاته وملذاته، ويعمل وينسى آلام أمته. فاليقظة كما جاء في النص العملي الذي ترجم فيه النبى ﷺ غفلة الناس، لابد وأن تكون واقعاً نعيشه، فتبدأ من دور الإنسان في فرده، وأسرته ثم مجتمعه. فهي واقع يحتاج إلى مراقبة حتي يتحقق تقدم الأمة. علينا تأمل واقع الناس لمعرفة كيف أثرت الغفلة علي الكثيرين منا. فالمسلم مأمور بأمر الله ورسوله ﷺ بأن يرعي أسرته، وأن يحتاط لشئونهم. نري الآباء والأمهات قدموا استقالة من تربية أبنائهم طواعية واختياراً، وأصبح كل شغلهم الشاغل هو جمع المال لتوفير احتياجات البيت من مأكل وملبس فحسب.

اقرأ أيضا|أمين «البحوث الإسلامية» يشيد بدعم شيخ الأزهر للجهود العلمية والتثقيفية للمجمع

وأردف د. الهواري قائلاً: أبناؤنا وشبابنا يحتاجون إلى أبوة حقيقية، ليس المأكل والملبس فحسب، بل يحتاجون إلي الإحسان، الرعاية، الشفقة، أبوة التجارب والخبرة، التوجيه والنصح والإرشاد. قال ﷺ "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت". فهذا ذنب كبير لكل من يضيع من هو مسئول عنهم، نهي النبى ﷺ عن قتلِ الحيَّاتِ التي في البيوتِ وقال كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِه و الرجلُ راعٍ عن أهلِه ومسؤولٌ عنهم وامرأةُ الرجلِ راعيةٌ على بيتِ زوجِها وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على مالِ سيِّدِه وهو مسؤولٌ عنه ألا كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعِيَّتِه". فالمسلم يحتاج إلى يقظة واجبة في أسرته ليفهم أنه يعدهم لمستقبل الأمة المشرق. نحتاج إلى يقظة واجبة علي ما نراه من بعض الأشخاص الذين جعلوا المادة حاكمة لهم فحسب، ولا ينشغلون بهموم وآلام المحتاجين، فيحتكرون في زمن حرمة الإحتكار فيه شديدة. جاءت قافلة جمالٍ لعثمان بن عفّان - رضي الله عنه - قد أتت من الشّام إلى المدينة. فلمّا وصلت خرج النّاس يستقبلونها، فإذا هي ألف جمل محملة سمناً وزيتاً ودقيقاً، وتوقّفت عند باب عثمان - رضي الله عنه - فلمّا أنزلت أحمالها في داره جاء التجار. قال لهم عثمان - رضي الله عنه - ماذا تريدون؟ أجاب التجار: إنّك تعلم ما نريد، بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنّك تعرف حاجة النّاس إليه. قال عثمان: كم أربح على الثّمن الذي اشتريت به؟ قالوا: الدّرهم درهمين. قال: أعطاني غيركم زيادة على هذا. قالوا: أربعة! قال عثمان - رضي الله عنه -: أعطاني غيركم أكثر. قال التّجار: نربحك خمسة. قال عثمان: أعطاني غيركم أكثر. فقالوا: ليس في المدينة تجار غيرنا، ولم يسبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟! قال عثمان - رضي الله عنه -: إن الله قد أعطاني بكل درهم عشرة، الحسنة بعشرة أمثالها، فهل عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال عثمان: فإني أشهد الله أني جعلت ما جاءت به هذه الجمال صدقة للمساكين وفقراء المسلمين. ثم أخذ عثمان بن عفان يوزّع بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة واحد إلاّ أخذ ما يكفيه ويكفي أهله. هذا المشهد وجد فيه عند عثمان بن عفان رضي الله عنه اليقظة الضرورية الواجبة. يقظة وضمير حفظا للفقراء والمحتاجين حقهم.

وبيّن خطيب الجامع الأزهر أننا بحاجة إلى يقظة ضرورية في زمن الغفلة ليعرف الإنسان ما يُراد منه من ربه، ليعرف ما يُحاك له من أعدائه، يعرف حقوقه، وواجباته، ومسؤولياته وما هو منوط به، وليعرف قدره في الدنيا ومنزلته عند ربه في الآخرة. وأن يشعر بآلام إخوانه شرقاً وغرباً، وألا يري من يتألم ويتوجع، ويصرخ، ويستغيث؛ ويقف مكتوف الأيدي لا يحرك ساكناً. قال تعالي: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. حذر النبى ﷺ من هذه الحال حينما قال ﷺ (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قيل: يا رسول الله أمن قلة بنا؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم منكم ويوضع في قلوبكم الوهن قالوا يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). فحب الدنيا وكراهية الموت جرء علينا أعداءنا، وصرنا ضعفاء أمامهم. فاليقظة واجبة وحتمية حتي نملك قراراتنا، ونفعل ما هو مطلوب منا، وما هو منوط بنا فعله علي مستوي الأفراد، والأسر، والمجتمعات، والأوطان، بل وعلي مستوي الأمة كلها.