«محسن.. مش عايز يتجوز!».. قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

علاء عبدالعظيم
علاء عبدالعظيم

لم يكن محسن من أنصار فكرة الزواج، ولم يكن من أعداء الفكرة أيضا، حيث كان منصرفا إلى عمله التجاري، ولا يفكر في هذه المشكلة على الإطلاق، ويسمع من وقت لآخر سؤال يلقيه عليه أحد أصدقائه.

_ متجوز يا محسن _ فيجيب في اكتراث _ مفكرتش..  ومعنديش وقت.. العمل شاغلني ليل نهار.

يجد الصديق اللحوح أن محسن لا يعارض فكرة الزواج، وينهي الأمر عند هذا الحد.

محسن يعيش وحده بعد أن فقد أبويه وهو صغير، وكون نفسه وأقام حياته وعمله بساعديه، وكان لا يزال في الثلاثين من عمره، لكنه لم يشعر بالوحدة، فعمله في دكان السجائر الذي يملكه يتطلب أن يقف فيه ليل ونهار بلا انقطاع، وكانت أرباحه كثيرة يستغلها في تنمية تجارته وتحسين واجهة دكانه وإضاءته بالفلورسنت، وشراء أحدث أجهزة الراديو وأعلاها صوتا.

ونادرا ما كان يفكر في المرأة حيث زبائنه جميعا من الرجال، ثم حدث أن محسن مرض ولزم بيته، واضطر إلى أن يستعين بعامل يدير له دكانه أثناء مرضه.

بدأ الجيران في زيارته، جلس جاره محمود يشكو له متاعبه من الزواج، وكان قد تزوج حديثا، لكن زوجته أحالت حياته إلى جحيم لا يطاق، فقد كان محسن يراها وهي تطل من نافذة شقتها، وكانت جميلة هيفاء، تلبس ملابس حريرية خفيفة، ولا تكاد تغادر النافذة أبدا.

ثم جاءه الحاج خميس وهو في الخمسين من عمره وله ثلاث زوجات، وكان سعيدا مطمئنا يتحدث عن نجاح أولاده في المدرسة، ويحمد الله على حبات مسبحته، على ما منحه من سعادة وراحة بال.

وكان يعوده أيضا طبيب شاب يقطن في عمارة مجاورة له، ويبدو عليه أنه مهموم، دائم التفكير، وقد عرف منه بعد أيام أنه قد طلق زوجته الغنية العجوز، فما عاد يستطيع أن يتحمل الحياة معها فهي ثرثارة، مسيطرة، جاهلة حمقاء إلى آخر هذه الصفات التي وصفها بها الطبيب الشاب في إحدى نوبات الصراحة مع محسن.

نهض محسن من مرضه، وقد امتلأ رأسه بحديث كل هؤلاء الزوار الذين كان في عجب شديد من أمرهم جميعا.

وعاد إلى عمله، لكن مشكلة هؤلاء المتزوجين لم تغادر رأسه أبدا، وقد غلبه فضول، وتحركت في نفسه رغبة خفية في أن يعرف المزيد عن النساء وأحوالهن في معاشرة الرجال.

زاد اختلاطه بجيرانه، وتبادل معهم الزيارات، ووجد في صداقتهم لونا جديدا من الحياة لم يعرفه من قبل، فاحتفظ بالعامل الذي استعان به وقت مرضه فقد كان أمينا مخلصا في عمله وتناوب معه السهر في الدكان.

اشتهر محسن بين معارفه من جيرانه أنه معارض لفكرة الزواج بل خصم لدود لها، فكانت سهراتهم تقام وتنفض وهم يناقشونه في رأيه محاولين التأثير عليه أو مداعبته إلى حد السخرية اللاذعة أحيانا.

انهار محسن فجأة ولعل فضوله هو الذي زاد ودفعه دفعا لأن يبحث عن عروس له، وسرعان ما نشط الجيران في تدبير الفتاة المناسبة، فخطبها وتزوج منها.

ولما أحس محسن بعد شهور قلائل ببعض الضيق والسأم، لم يفكر في الخلاص من زوجته، بل انصرف ذهنه إلى الحاج مصطفى جاره الذي تزوج بعد سنة زوجة ثانية محتفظا بالأولى.

وكلما سئل محسن عن سر سعادته الزوجية؟ أجاب ببديهة حاضرة: تزوجوا، مثنى، وثلاث، ورباع