أتوموبيل الفن

مدحت عبدالدايم يكتب: رد قلبي.. حكاية حب يوسف السباعي وقصة شعب

مدحت عبدالدايم
مدحت عبدالدايم

■ بقلم: مدحت عبدالدايم

ساهمت نشأة الأديب الكبير يوسف السباعى (17 يونيو 1917 - 18 فبراير 1978) بحى الدرب الأحمر بالقاهرة فى تمتعه بعين ثاقبة راصدة لحياة أولاد البلد، بأجوائها المنفتحة على ثقافات متنوعة، وأكسبه الانخراط فى الحياة العسكرية منذ التحاقه بالكلية الحربية عام 1935 وعيًا جديدًا بقيمة الوطن، وكان لوالده الأديب المترجم محمد عبد الوهاب السباعى فضل توجيهه إلى مطالعة الآداب المختلفة فى سن مبكرة، وتشجيعه على كتابة القصة، وعلى الرغم من رحيل والده عام 1931 إلا أنه تمكن من نشر مجموعته القصصية الأولى "أطياف" وغرة أعماله الروائية "نائب عزرائيل" عام 1947، كما نشر فى العام التالى مجموعاته القصصية الأربع: "اثنتا عشرة امرأة، خبايا الصدور، يا أمة ضحكت، اثنا عشر رجلًا" وجاءت روايته "أرض النفاق" 1949 فتحًا روائيًا كبيرًا، وظل مخلصًا لهذا الفن رغم تقلده العديد من المناصب المهمة، وأبرزها اختياره وزيرًا للثقافة ونقيبًا للصحافيين.   

تحولت أعماله الأدبية إلى أفلام سينمائية خالدة، وبنفس القدر نجح فى كتابة السيناريو والحوار لمجموعة من الأفلام، حظيت ستة منها بشرف الاختيار ضمن أهم مئة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، وهي: "رد قلبى، جميلة، بين الأطلال، وا إسلاماه، الناصر صلاح الدين، السقا مات" وعرف بنزعته الوطنية فى الكتابة، ولقب بـ "فارس الرومانسية" نظرًا لغلبة تلك السمة على رواياته الخالدة "إنى راحلة، بين الأطلال، العمر لحظة، آثار فى الرمال" وغيرها، كما استحوذت سيناريوهات وحوارات أفلامه على عقول وقلوب النقاد والمشاهدين معًا، كما هو الحال فى أفلام: "نحن لا نزرع الشوك، شارع الحب، غرام الأسياد، الليلة الأخيرة، موعد مع الماضى، جفت الدموع، نادية، مولد يا دنيا". 

وتعد روايته "رد قلبي" واحدة من أبرز الأعمال الأدبية التى تحولت إلى عمل سينمائى كبير، يجسد تطلعات وطموحات أبناء الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين إلى الحق فى الحياة والعيش الكريم، فى ظل مجتمع تسوده طبقة من الإقطاعيين وأصحاب النفوذ، وهى دراما وطنية محملة بأوجاع وأحلام شعب، صدرت فى جزأين عام 1954، موزعة على 760 صفحة من القطع المتوسط، وأهلت مؤلفها لأن يكون "جبرتى العصر" على حد تعبير الأديب الكبير "نجيب محفوظ" لتسجيله أحداث ثورة يوليو منذ قيامها ولنحو ربع قرن من الزمان، وبالنظر إلى تلك الرواية فإن كتابتها استغرقت عامًا كاملًا، وكان السباعي يعدها أهم ما فى حياته، وأن كل عمل يتضاءل إلى جوارها، ويرجع اهتمامه البالغ بهذه القصة إلى كونها تؤرخ لحياته العسكرية، ووقائع عاطفية مستوحاة من أحداث حقيقية دارت بينه وبين زوجته "دولت طه السباعي" ابنة عمه، وبطلة روايته الشهيرة "إنى راحلة" فى نصفها الأول، وزاد من اهتمامه بتلك الرواية يقينه بضرورة تسجيل أحداثها الخطيرة، وثقته بأنه –بصفته العسكرية- أقدر الكتاب على تسجيلها بحكم خدمته فى الجيش وإحساسه بالمشاعر التى أدت إلى أحداث غيرت وجه التاريخ فى مصر، فى محاولة منه لدمج قصته العاطفية فى خضم الأحداث الواقعية، حتى تبدو القصة كتلة واحدة، وتجسيدًا لتلك الحالة التى غلبت أو طغت على روح المؤلف نراه يهدى روايته إلى: "سلاح الفرسان، بخيوله وعرباته ودباباته وجنوده وضباطه وقواده وشهدائه ومحاربيه القدماء، إلى سلاح "النصر أو الموت" أهدى قطعة من حياته.. وحياة مصر".

بمنطقة المطرية بدأ تصوير فيلم "رد قلبي" عام 1957 وتحديدًا فى قصر الأمير "يوسف كمال" مؤسس مدرسة الفنون الجميلة، وهو تحفة معمارية بنيت عام 1908 على طراز أوروبى يرجع لعصر النهضة، لمصمم القصور الملكية الإيطالى "أنطونيو لاشياك" بواجهته الفخمة المطلة على حديقة تبلغ 14 فدانًا، استخدمها المخرج النقيب السابق بالقوات المسلحة عز الدين ذو الفقار مسرحًا لأحداث الفيلم، التى قامت بإنتاجه شركة لوتس فيلم "آسيا وشركاها" وتتمحور أحداثه حول شخصية على "شكرى سرحان" ابن الريس عبد الواحد "حسين رياض" جناينى يعمل فى قصر الباشا إسماعيل كمال "أحمد علام" من الأسرة المالكة، والأميرة إنجى "مريم فخر الدين" التى ترتبط بقصة حب بالصبى على، الذى يكبر ويصبح ضابطًا فى الجيش، كما يصبح شقيقه حسين "صلاح ذو الفقار" ضابطًا فى البوليس، ويكتشف الأمير علاء "أحمد مظهر" شقيق إنجى تعلقها بعلى، فيبلغ والده ليحذر الريس عبد الواحد من مغبة تلك العلاقة، فيعرض عليه الأخير خطبة الأميرة لابنه، لكن الباشا لا يكتفى بالرفض بل يقوم بطرد الريس عبد الواحد من عمله، فيما تتظاهر إنجى بقبول خطبة أحد الأمراء لها لتحول دون بطش أسرتها بحبيبها، الذى يتهمها بالغدر والخداع. 

اسم الرواية "رد قلبي" مستلهم من المشهد الدرامى الذى يرأس فيه "علي" لجنة مصادرة أملاك الباشا بعد قيام ثورة يوليو 1952، حين تلقاه إنجى وتظن أنه جاء شامتًا، وكان قد أبلغها بأن لجنة مصادرة الأملاك سمحت للأميرات بالاحتفاظ بشيء من حليهن، لكنها ترفض الاحتفاظ بشيء، فيصارحها "علي" بسوء ظنها بأنه جاءها متشفيًا، وهل من المعقول أن يتشفى المرء من نفسه؟ فتطلب منه وقد لمست صدق مشاعره، أن يرد إليها قلادة بسيطة عبارة عن "قلب ومفتاحه" هى أعز ما تملكه، كان قد أهداها إليها تعبيرًا عن حبه لها، فيرد لها القلب ويدرك أنها لا زالت تتمسك به.

دور تنظيم الضباط الأحرار فى تحقيق آمال وطموحات الشعب الرافض للإقطاع والطبقية وفساد الحكم الملكى، أبرزته شخصية الضابط سليمان زكى "كمال ياسين" بإشارتها إلى شخص وفكر الرئيس عبد الناصر، الذى حرص على مشاهدة الفيلم فى عرض خاص مشيدًا بأداء الفنانين ومؤكدًا دعم الدولة للفنون، بمنحه مخرج الفيلم وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، وثنائه على رد الفعل المدهش للفنان حسين رياض على حدث قيام الثورة، حينما نطق لسانه بعد طول عجز "تحيا مصر.. تحيا الثورة" بقوله: "أبكيتنى يا أستاذ حسين" ومنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى عيد العلم، وحاز الفنان شكري سرحان وسام الجمهورية، وذكر: إنه لا ينسى مشهد عودته من الكلية الحربية واستقبال أسرته له وخشية أبيه من احتضانه خوفًا على هندام بدلته العسكرية، يقول: "كان مشهدًا صعبًا أبكانى حقيقة"، أما مريم فخر الدين فطلبت من عبد الناصر تسجيل كلمة بالأوتوجراف يستهلها بـ "إلى الأميرة إنجي" وتعتبر الفيلم درة تاجها السينمائى، فيما قبل عبد الناصر استقالة القائم مقام "عقيد" أحمد مظهر من عمله بالجيش بسبب رغبته فى التفرغ للتمثيل والعمل بالفيلم، ومن الطريف أن تتحول مناوشات صلاح ذو الفقار مع زهرة العلا "بهية" إلى واقع، فيتزوجها فور انتهاء تصوير الفيلم الذى حمل الأفيش الخاص به عنوان "قصة حب وقصة شعب".