الأم قتلت ابنتها دفاعًا عن النفس

المتهمة
المتهمة

حبيبة‭ ‬جمال

 عاشت عمرها من أجل تربية ابنتها الوحيدة، حافظت عليها، كانت هي الأب والأم؛ منذ أن انفصلت عن زوجها تركها هي وابنتها، قررت أن تعوضها عن فقدان الأب في حياتها، خرجت للبحث عن لقمة عيشها بالحلال، لم تكن قاتلة ولم تقصد قتل ابنتها الوحيدة، لكن الحظ العاثر هو ما وضعها في هذا الموقف، وأصبحت في عين الجميع أم بلا قلب قتلت ابنتها.. في السطور التالية نسرد لكم حكاية زينب من البداية ومنذ أن تحولت لقاتلة إلى أن رأفت بها المحكمة وبحالها وأصدرت حكمًا عادلا

داخل شقة صغيرة بمنطقة فيصل، عاشت زينب، سيدة في منتصف الأربعينيات من العمر، مع زوجها، رزقهما الله بابنة جميلة تدعى ريم، لكن شاء القدر أن تنفصل عن زوجها منذ ١٠ سنوات، وترك لها ابنتهما الوحيدة. وقتها قررت زينب العيش من أجل تلك الابنة، كانت الأم والأب لها، تعمل كل ما في وسعها، لتعوضها ولا تجعلها تحتاج لشيء.. كبرت ريم وتزوجت ورزقها الله بطفلتين، لكن حظها التعيس أوقعها في شاب تم القبض عليه ودخل السجن لقضاء عقوبة في إحدى القضايا، وعادت ريم خائبة الأمل تعيش من جديد مع والدتها، لكن تلك المرة وهي معها طفلتين، ريم كانت تعاني من حالة نفسية سيئة ودخلت مصحة نفسية للعلاج، وخرجت منها بعد فترة وقبل الواقعة التي غيرت كل شيء في حياة زينب وقلبتها رأسا على عقب؛ عندما تشاجرت مع ريم وانتهى الشجار وريم غارقة في دمائها بين يد والدتها والسكين مغروز في جسدها، لكن كيف حدث ذلك ولماذا؟!

يوم الواقعة

يوم ٧ أغسطس ٢٠٢٢م،بدا اليوم طبيعيا في البداية، استيقظت زينب وذهبت لعملها تاركة ريم وطفلتيها، وعندما عادت بعد يوم شاق، وجدت ابنتها لم تحضر الطعام لطفلتيها، فغيرت ملابسها وأخذت تطبخ لهما، وأثناء جلوسها على مائدة الطعام وتقطيعها للخضار، وجدت ريم ترغب في النزول للذهاب لصديقتها وتترك طفلتيها وحدهما دون أي اهتمام منها، فتشاجرت معها ووصل الشجار حد التشابك بالأيدي، لدرجة أن ريم خربشت وجه والدتها، وعندما حاولت الأم الدفاع عن نفسها، وأبعدتها عنها سقطت ريم على المائدة التي عليها السكين، فشاء القدر أن تقع عليها، وفجأة وجدت الأم ابنتها على الأرض غارقة في دمائها، لا تعرف ماذا حدث، فاقت من صدمتها سريعا وأخذتها للمستشفى في محاولة لإنقاذها، وكانت ريم مازالت على قيد الحياة تحتاج نقل دم، فلم تجد الأم أفضل منها أن تعطي ابنتها دمها، لكن ألقت المباحث القبض عليها، وعرضت على النيابة، وبعد ٤ أيام تلقت الأم الصدمة التي كادت أن تذهب بعقلها نحو الجنون عندما أبلغوها أن ابنتها توفيت متأثرة بإصابتها. 

منذ تلك اللحظة وزينب داخل الحبس حتى قضت ١٤ شهرًا خلف القضبان، يعتصر قلبها حزنا على ابنتها التي ماتت على يدها، حتى أخلت النيابة سبيلها بضمان محل إقامتها، وتحديدا في شهر سبتمبر ٢٠٢٣، وبتاريخ 19/11/2023أحيلت أوراق القضية إلى محكمة الجنايات، وتحدد لنظر القضية جلسة 22/1/2024م. 

داخل المحكمة

أمام الدائرة ٢٤ جنايات الجيزة؛ والمنعقدة بالكيلو عشرة طريق إسكندرية الصحراوي، حضرت المتهمة زينب ومعها محمد ميزار محاميها. 

وبدأت الجلسة بمناقشة المتهمة ومواجهتها بتهمة قتل ابنتها، فأنكرت التهمة، وأنها لم تقصد قتلها وإنما ابنتها تعاني من حالة نفسية سيئة وحاولت الانتحار ثلاث مرات قبل ذلك، وعندما تنتابها الحالة النفسية تتعدى عليها بالضرب، وفي هذا اليوم حدثت مشادة بينهما تطورت لحد التشابك بالأيدي، وكانت تدافع عن نفسها، فسقطت ريم على السكين، كلام زينب أكده شقيقها أمام النيابة.

ثم بدأ محمد ميزار المحامي، الدفاع عن المتهمة، وبدأ مرافعته؛ بانتفاء أركان الجريمة بركنيها المادي والمعنوي، وانتفاء صلة المتهمة الواقعة، وأيضا انتفاء علاقة السببية بين الفعل المزعوم والنتيجة ومرجع ذلك للتدخلات الجراحية التي تمت بالمستوصف الطبي وكذا مستشفى قصر العيني وأن تلك التدخلات تمت قبل الوفاة بأربعة أيام».  واستكمل مرافعته، بالدفع بتوافر حالة من حالات الدفاع الشرعي، ودفع بسبق إصابة المجني عليها بمرض نفسي؛ وهو اكتئاب حاد ثنائي القطب أحد أهم مظاهرة الميول الانتحارية وإلحاق الأذى بالنفس والغير، كما دفع بتناقض أقوال شهود الإثبات، وعدم جدية التحريات، وقصور تحقيقات النيابة وعدم معاينة مسرح الجريمة. 

واختتم دفاعه بطلب البراءة للمتهمة، وبعدها دخلت هيئة المحكمة غرفة المداولة، لتخرج في النهاية بحكم عادل رأف بحال الأم المسكينة التي فقدت ابنتها؛ حيث قضت المحكمة برئاسة المستشار حسين أبو مسلم، بالاكتفاء بمدة الحبس التي قضتها قاتلة ابنتها بالهرم سنة مع الشغل. 

المرافعة

تواصلنا مع المحامي محمد ميزار، ليحكي لنا تفاصيل تلك القضية، فقال: «في البداية حكم المحكمة هو عنوان الحقيقة، فالمتهمة لم تكن قاتلة في يوم من الأيام، وإنما القدر هو من وضعها في هذا الموقف، وهي العائل الوحيد الآن لأحفادها، فوالدتهما ماتت ووالدهما في السجن، وأي حكم آخر أودى بها في السجن كان سيودي بحياة الطفلتين الصغار للهلاك». 

أما بالنسبة لحكم المحكمة، فقال: «المحكمة رأفت بحال المتهمة، لأسباب كثيرة، مثل الدفاع الشرعي عن النفس، وانتفاء السببية، وأيضا أن الأم المتهمة كان في وجهها إصابات من اعتداءات المجني عليها، وذلك عندما عاينتها النيابة، وتم تعديل وصف القضية من القتل لضرب أفضى للموت، فجاء هذا الحكم العادل». 

أي حكم آخر صدرضد تلك الأم، مهما كان لن يزيل آلامها، حيث أنها تألمت وتتألم وستظل تتألم، لأنها ستشعر دائما بالذنب وأنها سببًا في قتل فلذة كبدها، وحتى ولو كانت الحقيقة أنها لم تقصد، زينب عادت للحياة وللنور من جديد وقلبها يتمزق حزنا على ابنتها الراحلة، لكنها لابد وأن تقوى وتقف على قدميها من جديد حتى تربي الطفلين اللذين حرما من والدهما القابع خلف الاسوار، وأمهما في نفس الوقت، كنا نريد التواصل معها ولكن علمنا من محاميها أنها داخل المستشفى مع حفيدتها التي تخضع للعلاج.

اقرأ  أيضا : كشف ملابسات مقتل أحد الأشخاص بالغربية وضبط مرتكبي الواقعة

 

 

;