خبير آثار: بالكلمات الرقيقة والزهور جسّد المصرى القديم أسمى معانى الغرام| صور

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تحتفل مصر بعيد الحب مرتان في العام، 14 فبراير و 4 نوفمبر، الأول هو احتفال عالمي يعرف بـ "الفلانتين داي" تخليدًا لذكرى القديس فلانتين الذي حكم عليه الإمبراطور الروماني بالإعدام لأنه يزوج العشاق سرًّا بالمخالفة لقراره بمنع الزواج، والثانى تحتفل به مصر منذ عام 1974، منذ أن كتب الصحفي الراحل مصطفى أمين في عموده الشهير "فكرة" بأخبار اليوم" عن ذلك حين رأى جنازة تمر أمامه في حي السيدة زينب بها ثلاثة رجال فقط، لأن المتوفى تجاوز السبعين ولا يحب أحدًا ولا أحد يحبه، فأراد بعد هذا المشهد نشر المودة والسلام بين أفراد المجتمع.

وفى ضوء هذا يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار ، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية إلى أن المصرى القديم جسّد مشاعر الحب فى صور متعددة ومنها لمسات المشاعر الجميلة فى التماثيل وعذوبة الكلمات شعرًا وقصص حب الملوك وإغراق المحبوبة بالزهور، وحرص المرأة على الظهور فى أجمل صورة وحتى الإسطورة جسّدت لديه مشاعر الوفاء للمحبوب.

اقرأ أيضا| «وردة في عيد الحب».. احتفالية للفرقة القومية بدار الأوبرا

وينوه الدكتور ريحان، إلى تصوير المصري القديم للعلاقة بين الزوجين على الجدران وفى نحت التماثيل بمنظر وقوف الزوج مجاورًا لزوجته أو الجلوس معًا على مقعد بينما تلف الزوجة ذراعها برفق حول عنق زوجها أو تضع يدها على إحدى كتفيه أو تتشابك أيديهما معًا رمزًا للحب الجارف أو تقف أمامه لتقدم له الزهور أو تقف جانبه وتسند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له في كل الأمور.

ويجسّد تمثال القزم (سنب) وأسرته من الأسرة الخامسة بالمتحف المصرى روح المحبة والعطف التي تسود الأسرة المصرية حيث تجلس الزوجة إلى جوار زوجها وتلف ذراعها حوله برقة ولطف على حين وقف الأبناء بجانب الأب والأم فى أدب واحترام، ومنظر آخر على ظهر كرسى عرش الملك توت عنخ أمن بالمتحف المصرى يصور جلوس الملك دون تكلف والملكة مائلة أمامه وفى إحدى يديها إناء صغير للعطر تأخذ منه وباليد الأخرى عطر آخر تلمس به كتف زوجها برقة ولطف، وتمثال حور محب وكيف يمسك يد زوجته فى ود ومشاعر رقيقة أسرة 18 بالمتحف البريطانى، " وتمثال نمتى نفر وزوجته المكتشف شمالى الهرم المدرج بسقارة ويرجع إلى الأسرة الخامسة ومحفوظ بمتحف الغردقة. 

الحب شعرًا.

ويشير الدكتور ريحان إلى أن المصرى القديم نظم الحب شعرًا تجسدت فى دراسة أثرية للدكتور خالد شوقى البسيونى الأستاذ بكلية السياحة والفنادق بالإسماعيلية عنوانها " شعر الغزل والغرام فى مصر القديمة" رصدت نماذج من الشعر المصرى من قصيدة العاشقة العذراء عن بردية شستربيتى تشبه أغنية ( يا امّا القمر على الباب). 

لقد أثار حبيبى قلبى بصوته – وتركنى فريسة لقلقى وتلهفى – أنه يسكن قريبًا من بيت والدتى – ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه – ربما تستطيع أمى أن تتصرف حيال ذلك – ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها – أنه لا يعلم برغبتى فى أن آخذه بين أحضانى – ولا يعرف بما دفعنى للإفصاح بسرى لأمى – إن قلبى يسرع فى دقاته عندما أفكر فى حبى – أنه ينتفض فى مكانه، لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدى ملابسى – ولا أضع المساحيق حول عينى ولا أتعطر أبدًا بالروائح الذكية

قصص حب خالدة.

ونوه الدكتور ريحان إلى قصص الحب فى حياة الملوك ومنها قصة الحب الخالدة بين الملك أحمس الأول وزوجته أحمس- نفرتاري وهي الزوجة التي شاركته في الحكم وأقام لها معبدًا في طيبة وخصص لها مجموعة من الكهنة لعبادتها وقدسها الشعب بعد وفاتها كمعبودة فجلست مع ثالوث طيبة المقدس (آمون وموت وخونسو)، واستمرت عبادتها ٦٠٠ عام بعد وفاتها وحتى الأسرة الـ ٢١، وقد سجل نقش في معبد الكرنك للملك حريحور أول ملوك الأسرة الـ٢١ متعبدًا للأرباب ( آمون وموت وخونسو وأحمس- نفرتاري) .

وقصة الحب الشهيرة بين الملك أمنحتب الثالث والملكة تيي، وهي القصة التي تحدت العادات والتقاليد، ومن أجلها أمر بتغيير القوانين المقدسة لكهنة آمون؛ حيث كانت «تيي» من خارج الدماء الملكية ولا يجوز زواجهما، ومن أجلها أمر بإنشاء بحيرة شاسعة لمحبوبته العظيمة، ومن أجلها أيضا أمر بإقامة معبد كرّسه لعبادتها في منطقة صادنقا على بعد 210 كم جنوبي وادي حلفا، ويشهد بهو المتحف المصري في القاهرة على وجود تمثال عملاق للملك تجلس إلى جواره محبوبته «تيي» بنفس الحجم، في دلالة فنية على علو الشأن وعظيم الحب.

وقد تزوج الملك أمنحتب الثالث في السنة الثانية لحكمه من الملكة «تيي»، ولم يكن لها أصول ملكية، ولكن والدها ووالدتها كانا يشغلان مناصب راقية في الدولة وأنجبت له أمنحتب الرابع خليفته، الذي آمن بالإله الواحد ومثله في الشمس (آتون) كعاطية للحياة وأخناتون تعنى «المخلص لآتون».

وقد خلّد معبدي أبوسمبل أعظم قصة حب جمعت بين الملك رمسيس الثاني وزوجته نفرتاري (جميلة الجميلات) والتي أطلق عليها في مصر القديمة (المحبوبة التي لا مثيل لها والنجمة التي تظهر عند مطلع عام جديد رشيقة القوام الزوجة الملكية العظمى مليحة الوجه الجميلة ذات الريشتين)، حيث بنى لها رمسيس الثاني معبد أبو سمبل الصغير بجوار معبده وأعد من أجلها بوادي الملكات، أجمل مقابر تصور الملكة المحبوبة مرتدية ثياب الكتان الناعم وتزدان بالحلي الملكية النفيسة تصاحبها الآلهة.

الزهور للمحبوبة

وتابع الدكتور ريحان بأن مقابر الجيزة وسقارة ومقابر النبلاء غرب الأقصر تضم لوحات عن تقديم المصرى القديم الزهور لمحبوبته، وذلك لمكانة الزهور فى مصر القديمة خاصة زهرة اللوتس وكان يقدمها المحبوب لمحبوبته رمزًا للحب والجمال والبعث والحياة، فهى الزهرة التى تنتشر فوق الماء عند استشعار ضوء الشمس وتغلق أثناء الليل حتى تسقط تحت الماء، وتنبت من قاع النهر، وتفتح بتلاتها على سطح الماء، بما يشبه زنبق الماء من خلال الكشف عن قلب أصفر داخل مظهره الخارجي الأبيض الجميل، يختبىء بعيدًا في الليل وتستغرق الزهرة ثلاثة أيام لتتفتح فوق النهر بألوانها الزرقاء والحمراء والبيضاء ثم تبدأ دورة حياة جديدة، وهى الزهرة الذى استخلص منها المصرى القديم العطور ومستحضرات التجميل .

جمال المرأة

وأردف الدكتور ريحان بأن المرأة فى مصر القديمة حرصت على أن تكون جميلة الجميلات وقد رصدت ذلك دراسة للدكتورة ماجدة أحمد عبدالله أستاذ تاريخ وآثار مصر والشرق الأدنى القديم ورئيس مجلس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ أكدت أن المصرى القديم هو أول من صنع مساحيق وأدوات التجميل واهتم الفنانين المصريين القدماء بتصوير المرأة فى أجمل صورة وتفانى رجال مصر القديمة فى إسعاد زوجاتهم بتقديم العطور والهدايا، وحرصت المرأة على أن تتزين لزوجها ليراها فى أبهى صورها عند عودته إلى المنزل من يومه الشاق بالعمل، وصنع المصرى القديم الكحل والروج والكريمات والعطور والبخور والحناء والشعر المستعار "الباروكة" وإكسسورات المرأة وقد عثر على الكحل والزيوت العطرية والمساحيق فى المقابر منذ فجر التاريخ، وأن المرأة المصرية عرفت كيف تبرز جمالها بالتركيز على رسم العينين بالكحل ووصلت فى المهارة كما لو كانت تستخدم أى لاينر حول العينين كما حددت الشفتين باللون ألأحمر أو الوردى وتبدو بشرة المرأة فاتحة اللون نضرة ويظهر هذا فى ملامح رأس الملكة نفرتيتى المعروضة بمتحف برلين وفى مناظر الملكة نفرتارى بمقبرتها فى وادى الملكات بالبر الغربى بالأقصر، ولقد عُثر على تماثيل تمثل نماذج لسيدات يقمن بتصفيف الشعر وأطلق عليهن لقب "نشت "، وظهرن فى عدد من النقوش وهن يتعاملن بمهارة فى شعر الأميرات أو الملكات .

وقد كشفت الحفائر الأثرية عن أوانى للتجميل كأوعية صغيرة، مناشف كتانية، وأنواع مختلفة من الأمشاط بعضها من الخشب أو العاج أو العظم ودبابسيس للشعر من المعادن بجانب المرايا المصنوعة من الذهب أو الفضة أو النحاس وأيدى المرايا مزخرفة ومطعمة بالأحجار النصف كريمة كما وجدت أدوات لصحن مواد التجميل وعرفت المرأة المصرية المقص والملقاط من النحاس والبرونز وتنوعت أوعية حفظ الكحل وأشكالها ومواد صنعها.