من دفتر الأحوال

الطريق إلى النهاية

جمال فهمى
جمال فهمى

أكثر قليلا من أسبوعين مضيا على قرار محكمة العدل الدولية فى القضية التاريخية التى أقامتها دولة جنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيونى تتهمه فيها بارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية» بحق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.  


قرار المحكمة أكد قبولها الدعوة واعتبر فى حيثياته أن العدو الإسرائيلى ارتكب أفعالا رهيبة تؤكد إدانته بهذه التهمة الشنيعة، وطالب بوقف هذه الأفعال فورا، وإن امتنعت المحكمة (لأسباب سياسية) عن الأمر صراحة بوقف إطلاق النار لكنها ألزمت حكومة العدو بإبلاغها خلال شهر واحد بما فعلته لإنهاء العمليات الإجرامية التى تستهدف مئات آلاف من أهلنا فى القطاع وتعريضهم لخطر الإبادة سواء بالقتل المباشر أو الموت جوعا وعطشا.
  لست أعرف بماذا سترد العصابة الخطيرة التى تحكم كيان العدو عندما تنتهى المهلة التى قررتها المحكمة، لاسيما وأن الفترة التى مضت منذ صدور القرار لم تشهد شيئا مما يمكن الادعاء معه أن جرائم العدو المشينة انتهت أو حتى خفت قليلا، بل العكس هو ما حدث فعلا إذ ارتفعت وتيرة الجرائم وتنوعت وسائلها أكثر، حتى أصبح القتل والتنكيل والتشريد جرائم مستمرة على مدى الساعة لا تتوقف لحظة واحدة.
حقيقة، ماذا يمكن أن يقدمه دفاع حكومة هذه العصابة التى تفوقت فى الإجرام على أعتى النازيين فى التقرير المطلوب تقديمه للمحكمة الأممية بعد أقل من نصف الشهر؟!                                                                                                              هل سيلجأون إلى وعاء الأكاذيب المضحكة نفسه الذى غرفوا منه فى الجلسة الأولى للمحكمة، وهى أكاذيب كانت من الوقاحة والفجاجة إلى حد أن معلقا سياسيا شهيرا فى الكيان الصهيونى كتب فى صحيفة «ها آرتس» العبرية فى اليوم التالى لمرافعة دفاع العدو أمام المحكمة أنه « ..لو كان أحد قد أوصل جهاز كشف الكذب بمحامينا أمس لانهارت شبكة الكهرباء فى مدينة لاهاي» حيث يقع مقر محكمة العدل الدولية، فى إشارة من الكاتب إلى فيض الأكاذيب والخرافات التى تفوه بها محامو العدو فى مرافعتهم.
طبعا لا مهرب من لجوء العدو لمستنقع الأكاذيب والخرافات التى لن يصدقها أحد، حتى يوفى بالتزامه أمام المحكمة عندما تنتهى المهلة، لكن السؤال هنا: ماذا سيحدث بعد أن يقدم دفاع العدو رده المتهافت المنتظر؟
هل ستصمت جنوب إفريقيا والمحكمة؟ أم أنهما سيتخذان إجراءً قضائيا يضع الكيان الصهيونى فى مأزق قانونى أكثر إحكاما؟ أغلب الظن أن المحكمة وجنوب إفريقيا سيتحركان فى مواجهة أكاذيب العدو وستتخذ المحكمة قرارا أكثر صرامة من القرار السابق، وعندئذ ستتحقق مخاوف شريحة المجرمين الأشد تطرفا وإجراما فى الكيان الصهيونى التى كانت عارضت منذ البداية قبول المثول أمام محكمة العدل والاستمرار فى سياسة احتقار وتجاهل هذه المؤسسة القضائية الأممية المرموقة، لكن قرار المثول جاء نتيجة تقدير صحيح بأن الأمر هذه المرة شديد الخطورة ولا يمكن الاستمرار فى اتباع سياسة التجاهل (كما حدث فى العام ٢٠٠٤ عندما لم تمثل إسرائيل أمام المحكمة وازدرتها تماما، ومن ثم صدر قرارها باعتبار الجدار الفاصل بين الضفة الغربية وباقى فلسطين المحتلة، غير شرعى ومخالف للقانون الدولي).


فى كل حال خسر كيان العدو فعلا كل ما تبقى له من شرعية قانونية وأى قبول إنساني، وبدأ رحلته الحتمية نحو النهاية والتحلل التام وتفكك وتداعى الأساس العنصرى المقيت والمتفوق فى الجريمة والتوحش الذى قام عليه وظل يعربد به يمينا وشمالا وفى كل اتجاه على مدى أكثر من ثلاثة أرباع القرن.. صحيح أن مسيرة هذه النهاية مازالت طويلة لكنها بدأت بالفعل.