أمين "البحوث الإسلامية": الأزهر اهتم منذ نشأته بعلوم الفلك والآثار إيمانًا بأهميتها في فهم الكون

مجمع البحوث الإسلامية
مجمع البحوث الإسلامية

 قال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد، إن الأزهر الشريف اهتم منذ نشأته، بعلوم الفلك والآثار، إيمانا منه بأهمية هذه العلوم في فهم الكون وتاريخ الحضارات؛ فالأزهر نفسه أثر ديني عظيم، حافظ عليه علماؤه عبر التاريخ حتى تجاوز عمره الألف عام، ومنذ نشأته اعتنى شيوخه بعلوم الهيئة والفلك، وكان يتم تدريسها في أروقته العتيقة.

جاء ذلك خلال افتتاح الدكتور نظير عياد، الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الحادي عشر "علوم الفلك والآثار في الحضارات الإنسانية"، والذي يعقد بالتعاون المشترك بين مركز الدراسات البردية والنقوش بكلية الآثار في جامعة عين شمس، ومركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء بمجمع البحوث الإسلامية، برعاية مباركة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور محمد ضياء زين العابدين رئيس جامعة عين شمس، والدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، والدكتورة غادة فاروق نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة. 

وأضاف عياد أن جامعة الأزهر الشريف اعتمدت أقساما علمية تهتم بدارسة الفلك والآثار في كليات العلوم، وأقسام التاريخ والحضارة في كليات اللغة العربية، كما تم إطلاق مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء والذي يعني بدراسة الظواهر المرتبطة بعلوم الفلك المعاصرة، فيما يتعلق بالارتباطات الشرعية وأوقات العبادات ذات الصلة الفلكية، كما يأتي هذا المؤتمر الذي نجتمع فيه اليوم هو أيضا مظهر من مظاهر التكامل المعرفي بين الأزهر الشريف والجامعات المصرية.

وأكد أن الإنسان ما كان ليخطو في طريق الحضارة التي شيد بنيانها خطوة واحدة لولا فطرة الله التي فطره عليها؛ فقد فطره على حب الفضول، وغريزة الرغبة، وقوة الإرادة، وملكة التعلم، والحرص على اكتشاف العالم والوجود من حوله.. وتابع "أنه إذا كانت معظم العلوم حاضرة في خلد الحضارة الإنسانية على مر التاريخ، إلا أن علوم (الفلك والآثار) كانت من أهم هذه العلوم التي أسهمت بشكل فعال في التكوين الحضاري والعمراني للبشرية على مر التاريخ، ولم تكن هذه العلوم في يوم من الأيام مجرد هوايات عشوائية، بل كانت معارف حقيقية لها مقاصد وغايات وحكم وأهداف".

وأوضح عياد، أن امتزاج الأسطورة بالحقيقة سمة غالبة في الحضارات الإنسانية القديمة، حتى جاء الإسلام العظيم، بمنهجية علمية حكيمة، وضعت حدودا فاصلة بين الوهم والحقيقة، وخير شاهد على ذلك ما يروى في كتب السنن أن الشمس كسفت عند موت (إبراهيم) ابن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتحدث الناس أن الشمس قد كسفت حزنا عليه لموته وهذا كما هو واضح تفسير أسطوري لظاهرة الكسوف فكان موقف النبي صلى الله عليه وسلم رافضا للخرافة، حيث خرج للناس خطيبا وقال النبي الكريم "إن الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا، وادعو الله وصلوا وتصدقوا".

وأشار إلى أن هذا التوجيه النبوي الحكيم، كان المؤثر الأكبر في تطور علوم الفلك في حضارة المسلمين، تلك الحضارة التي أظهرت نبوغا لا نظير له في علوم الهيئة والتنجيم والفلك وشهدت تطورا علميا لا أسطوريا يعتمد على الرصد والملاحظة والحساب الدقيق.

وأوضح أن الحضارة الإسلامية كان سباقة في تأسيس المراصد الفلكية في شتى بلدان العالم الإسلامي، مثل مرصد "جبل قاسيون" في دمشق، ومراصد بغداد والتي تضم مرصد سامراء، والمرصد المأموني، ومرصد بني الأعلم، والمرصد الشرقي، ومرصد (ملك شاه)، وكذلك مرصد مراغة، ومرصد سمرقند والمرصد الحاكمي، وكذلك نبوغ الكثير من علماء الحضارة الإسلامية في دراسة الفلك والهيئة مثل الخوارزمي، وثابت بن قرة، وأبي عبد الله البتاني، والبيروني، وابن الهيثم، ونصير الدين الطوسي، وغيرهم، وظهور الإنجازات والاكتشافات البديعة مثل (الأسطرلاب) و(الربع المجيب) و(الجداول الفلكية)، وتطورت علوم حساب المثلثات والبصريات، فكان لها الدور الأكبر في نجاح علماء المسلمين في حساب محيط الأرض، ورصد مسارات الشمس والقمر والكواكب، والتنبؤ بظواهر الكسوف والخسوف، وغير ذلك من الاكتشافات التي ما كان لعلم الفلك الحديث أن يكون له شأن بدونها.

وأشار الأمين العام إلى أهمية وضرورة علوم الآثار، لطلاب العلم الباحثين في الشرائع والأديان، حيث: يمكن أن تساعد علوم الآثار أيضا على فهم السياق التاريخي للنصوص الدينية، من خلال دراسة الثقافات والحضارات التي نشأت فيها هذه النصوص، ويمكن أن تكشف لنا علوم الآثار عن الممارسات الدينية القديمة، من خلال دراسة المواقع الأثرية والمعابد والأدوات الدينية، ويمكن أن تساعد علوم الآثار في التأكد من صحة بعض الروايات، من خلال دراسة الأدلة المادية التي تشير إلى الأحداث المذكورة فيها، كما تساعد علوم الآثار في تعزيز الحوار بين الأديان، وتوسيع آفاق طلاب الكليات الدينية، من خلال تعريفهم على ثقافات وحضارات أخرى.

وأوصى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية - في نهاية كلمته - ببعض النتائج والتوصيات التي ربما تسهم في نجاح المؤتمر، وتحقيق أهدافه، والتي منها التأكيد على قيمة علم الفلك وضرورته في بناء الحضارات الإنسانية المعاصرة، ومن ثم نثمن أي جهد يبذل في تطوير هذا العلم، أو يسهم في تقوية التكامل المعرفي بينه وبين العلوم الإسلامية والإنسانية الأخرى، التأكيد على قيمة علوم الآثار، والتي تعد بوابة لفهم الحضارات الإنسانية القديمة وفهم

تطور الثقافات والمعتقدات والعادات والتقاليد عبر الزمن، وتوفر لنا معلومات عن الأنظمة الاجتماعية والسياسية للحضارات القديمة، وتسهم في الحفاظ على تراثنا الثقافي وفهم جذورنا، ونعتبر أي تجاوز فكري مغلوط تجاه هذه الآثار تجاوزا مرفوضا ومتطرفا؛ لذا قام الأزهر الشريف بتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الآثار وما يتعلق بها، وكان ذلك واضحا في البيان الختامي لمؤتمر "التجديد في الفكر والعلوم الإسلامية" الذي عقد في عام 2020، التأكيد

على ضرورة العمل على إنشاء برامج تعليمية وتوعوية في علوم الفلك والآثار للطلاب والباحثين، حتى نساعدهم على فهم الكون ونظامه، ومن ثم يدركوا عظمة الخالق وقدرته، ونعزز الإيمان بالله عندهم، ونقدم لهم أدوات الفهم للنصوص الدينية بشكل صحيح بعيدا عن تحريف الغالين أو تأويل المبطلين.

ودعا نظير عياد جامعة عين شمس للتعاون المشترك مع الأزهر الشريف في تدشين هذه البرامج وتفعيلها على أرض الواقع، من أجل الاهتمام بالمنجزات التراثية والمعرفية التي تركها لنا السابقون في علوم الفلك والآثار، والعمل على فحص الاجتهادات التراثية التي خلطت الحقائق الفلكية بالأساطير الدينية، وذلك من خلال تكوين فرق بحثية متخصصة تضم فلكيين وعلماء دين ومؤرخين، ودراسة هذه الاجتهادات بعناية، ووضع معايير علمية لتقييمها، وتصحيح المعلومات المغلوطة الواردة فيها، والتي باتت لا تتوافق مع المنجزات الحضارية الثابتة في الواقع المعاصر.

اقرأ أيضا :وسطية الأزهر تعالج التشنجات الفكرية