لماذا خلق الله الشيطان؟!

حامد عزالدين
حامد عزالدين

كتب :حامد عزالدين

في جزء سابق من هذه السلسلة ختمت بأن كل الصفات المذمومة في الإنسان - بصيغتي فعيل وفعول- هي جزء من جينات الإنسان، وهي بمثابة اختبار متجدد لمعرفة قدر الإسلام لله سبحانه لدى عباده. إذ إنه سبحانه حدد لنا العلاج الشافي لعدم تفعيل هذه الصفات من أمثال الضعيف واليؤوس والكفور والكنود والجزوع والهلوع. فهو القائل جل وعلا: ألا بذكر الله تطمئن القلوب. وإذا كانت الصفات الجينية المذمومة لدى الإنسان تدفعه للخطأ ما لم يذكر الله، فماذ عن خلق الله للشيطان؟ 

وأقول تسليما بمعنى الآية 49 من سورة الذاريات: «وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» ، إن المولى خلق الشياطين كما خلق الملائكة، كل منها يؤدي الوظيفة التي خلق من أجلها . وهو التأكيد اليقني الوارد في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في الآية الرقم 115 من سورة المؤمنون: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ». فالمولى سبحانه خلق كل شيء لإنفاذ قدره في كونه.

وفي الآية الرقم 49  من سورة القمر: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ». وبلاغة التعبير القرآني تبدو جلية في كلمة القدر، فهي تحمل القدر «بتسكين الدال» بمعنى الحجم والطاقة والقوة، وتحمل معنى القدر«بفتح الدال» أي الهدف والمبتغى. فالله تعالى الحكيم العليم اللطيف الخبير، لم يخلق شيئا عبثا، والعقل الإنساني مهما كانت قوته فهو محدود، فهو يجهل كثيرا من أسرار الخلق، قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «الإسراء:85» وقال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ «البقرة: 216».

وقد أمرنا بالتدبر والبحث والنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وشجع العلم في كل مجالاته، وقد أدرك السابقون بعضا من حكم الخلق وما يزال العلم الحديث يكشف جوانب أخرى من الحكم والأسرار. فكل كائن صغير أو كبير في هذا الكون مخلوق بقدر وحكمة بالغة، ومن هذه المخلوقات الصرصور والبعوضة والنملة، وليس من شك في أن لخلقه حكما بالغة قد لا يدركها كل الناس.
 
وعليه يكون السؤال: ولماذا خلق الله سبحانه وتعالى الشيطان الذي يعد هو المعادل الموضوعي للملائكة فقد تساوت مرات ذكر الشيطان والملائكة بالعدد 68 وتتساوى الألفاظ الأخرى للشيطان وهي 20 بالألفاظ الأخرى وهي 20 ويتساوى المجموع الكلي لكل من الشياطين والملائكة فيرد كل منهما 88 مرة في القرآن الكريم في إطار مفهوم الآية «وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الذاريات 49) . تعالوا معا إلى سورة «الناس» آخر سور القرآن الكريم في الترتيب المصحفي لنعرف حجم الدور الذي يقوم به الشيطان في الحياة الدنيا. «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» (6).

ولاحظوا معي كيف وضع المولى سبحانه وتعالى صفة الوسواس مربوطة بالشر وفصلها عن الخناس التي خصصت لها آية بالرقم 4 . إن الشيطان ذا الوسواس «الخناس» الرجاع أي كثيرا الترجع، وهو الشيطان الجاثم على قلب الإنسان، فإذا ذكر الناس  الله «خنس» أي تراجع فهو لا يمكنه أن يوسوس سوى لمن لا يذكر الله ويستعيذ به منه. أما إذا غفل الناس عن ذكر الله وسوس لهم بالشر بالطبع .

هذا هو قدر الشيطان أي وظيفته والهدف والمبتغي من خلقه في إطار معنى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) . وإذا كان ذلك كذلك فإنه لا يمكن أن نفهم استجابة المولى سبحانه وتعالى لطلب الشيطان بإمهاله إلى يوم يبعثون حتى يؤدي عمله في إغواء ذرية آدم إلا من تبيان الخبيث من الطيب فيثاب الطيب ويعاقب الخبيث . فمجرد استعاذة الناس «من الجِنة والناس» كافية لإفقاد الشيطان صفة «الوسواس» وخنوعه إلى صفة «الخناس» أي المتراجع، إلا على أنها تحديد للدور الذي سيقوم به الشيطان الذي أصبح «إبليس» أي الخالي من الرحمة. وهو ما نراه في الآيات: «قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ > إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ».

ونستكمل فى الأسبوع المقبل
بمشيئة الله إن كان فى العمر بقية.