تاجر العملة كلمة سر وراء الغلاء عبر التاريخ.. والاحتكار من أعظم المعاصي

أرشيفية
أرشيفية

يُعد تاجر العملة كلمة السر وراء موجات الغلاء التي ضربت مصر عبر التاريخ، ومحتكر العملة هو أحد أقوى الأسباب الذي يسبب الأزمة المرتبطة بالتضخم وانهيار سعر العملة، ومصر صاحبة التاريخ العريق بين حضارات العالم القديم لها تاريخ طويل أيضًا مع هذا النوع من الأزمات، والتي كانت تتراوح بين الاعتدال والشدة التي تصل إلى حد المجاعة. 

اقرأ أيضا: «الأموال العامة» تسقط تجار عملة بالسوق السوداء بحجم تعاملات 7 ملايين جنيه

ونطوف في هذا التقرير في حقبات تاريخية لمصر والتي مرت بأزمات اقتصادية وموجات من الغلاء كان أحد أبرز أسبابها هم محتكروا الغلال والسلع التموينية وتجار العملة.

انخفاض منسوب النيل يسبب أزمة اقتصادية فى عهد الدولة الإخشيدية

قال تقي الدين المقريزي في كتابه إغاثة الأمة بكشف الغمة، إنه في عهد أونجور بن الإخشيد في زمن الدولة الإخشيدية عام 954، تراجع منسوب النيل مما تسبب في تلف المحاصيل، فتعاظمت الأسعار في شهر رمضان وحدث تضخم كبير في أسعار الأغذية.

ويذكر «المقريزي»، أنه في عهد علي بن الإخشيد عام 963، بيع ما كان بدينار واحد بثلاثة، وتضخم أسعار القمح، فكان الويبتان “64 كيلوجرام” من القمح بدينار كامل.

وبدأت الأوضاع الاقتصادية بالتدهور بسبب انخفاض منسوب النيل وكثرة الاضطرابات حتى عام 966، وصل سعر ويبة القمح “32 كيلوجرام” بدينار. تعزيز الرقابة للسيطرة على ارتفاع التضخم وذكر أن الأزمة الاقتصادية تم حلها بسبب ارسال المعز لدين الله الفاطمى عساكره من المغرب ودخل جوهر بن عبد الله الرومى إلى القاهرة وجمع سماسرة الغلات فى مكان واحد ووحد الأسعار وزادت الرقابة وفرضت عقوبات على السماسرة وحلت الأزمة عام 972.

 كيف أفقد الفاطميون العملة الذهبية قيمتها؟

طبقاً لكتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء للمقريزي، أصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي حين قدم مصر على ألا يقبض الخراج إلا بالدينار المعزى، فانحطت قيمته، رغم أنه كان أكثر وزن وأشد نقاوة في عيار الذهب، وأدى هذا الإجراء لسحب العملة القديمة وبيعها بأقل من قيمتها، وهكذا جنت الخلافة الفاطمية مزيدًا من الأموال، وضمنت نجاح تحول النظام النقدي من عملة لأخرى مع ضمان هيمنة عملتها الجديدة لتودع مصر آخر عملة ذهبية في العصر العباسي. السوق السوداء فى عهد الفاطميين أضاف المقريزى أنه فى زمن الحاكم بأمر الله عام 997 ميلادية، بدأت بوادر أزمة اقتصادية جديدة بسبب انخفاض منسوب النيل، فوصل سعر الخبز أربعة أرطال “1.8 كيلو” بدرهم. ويمكن أن نشبه ما حدث فى عام 1005، بالسوق السوداء حالياً، قال المقريزى إن الدنانير ندرت فى تلك الفترة، وبدأ الناس يبيعونها بأعلى الأسعار بـ”نظام المزايدة”، فزاد سعر الدينار إلى 26 درهما وتابع الزيادة حتى وصل إلى 34 درهم عام 1007، وتم حل الأزمة بعد أن أمر الحاكم بإنزال 20 صندوقاً من بيت المال، وتم توحيد سعر صرف الدراهم، فتم صك درهم جديد بسعر أربع “دراهم مزايدة”، وعاد يصرف الدينار بـ18 درهم. وتابع: “أمر الحاكم أن يباع 5.44 كيلوجرام من الخبز بدرهم جديد واحد”. ثم ارتفعت الأسعار من جديد، فجمع الحاكم الغلال والطحانين والخبازين، وجمع كل الغلال وأمر ألا تباع للطحانين لمنع الاحتكار والتخزين، وتم تسعيرها من الحاكم، فبيع الكيس الكبير من القمح بدينار، وفرضت عقوبات على المغالين. وذكر أنه بعد أن كثر الخبز بين الناس وكان سعره فى متناول اليد، بدأ بالنفاذ من السوق من جديد، وزاد سعر كيس الدقيق إلى دينار ونصف، و 2.72 كيلوجرام من الخبز بدرهم. وتابعت الأسعار بالتضخم، حتى وصل كيس الدقيق الكبير 6 دنانير، وكيس القمح بـ 4 دنانير، والأرز الـ 36 كيلوجرام بدينار واحد، ولحم البقر 0.68 كيلو بدرهم، ولحم الضأن 0.45 كيلوجرام بدرهم، والبصل ارتفع سعره فوصل 4.5 كيلو بدرهم. وحلت المشكلة حين فرض الحاكم عقوبات على من يجد فى منزله قمح مخزن، وأمر بإرسالها إلى قصره ليتم توزيعها، فوزع القمح وشبع الناس وحلت الأزمة.

حكم احتكار العملة الأجنبية لبيعها بسعر أعلى

وعن حكم احتكار العملة الأجنبية لبيعها بسعر أعلى، وهل يدخل في الاحتكار المحرم؛ قال مفتي الجمهورية: الدكتور شوقي علام، يدخل ذلك في الاحتكار المحرم شرعًا، وهو أيضًا مُجَرَّمٌ قانونًا، ومرتكبُ هذا الفعل مرتكبٌ لإثمٍ كبير؛ لأنه يضيق على عامة الناس من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومتطلبات الحياة بسبب شحِّ العملة، فيلحق الضرر باقتصاد البلاد، ويؤثر سَلْبًا في الاستقرار ومسيرة البناء والتنمية، ويوقع المحتاجين في المشقة والحرج».

وشدد المفتي على أنه لا يجوز التعامل في النقد الأجنبي إلا عن طريق البنوك وشركات الصرافة المعتمدة المرخص لها في هذا النوع من التعامل، والمال المكتسب مما يعرف بـ«تجارة السوق السوداء» كسبٌ غير طيِّبٍ.

رأي الفقهاء في الإحتكار في أقوات الناس

وفي هذا الصدد قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الاحتكار حرامٌ في الأقوات؛ حيث إن الشرع الشريف قد نهى عن الاحتكار وحرَّمه، ودَلَّت النصوص الشرعية على أَنَّ الاحتكار من أعظم المعاصي.

وتابع المفتي: فقد اشتملت الأخبار على لعن المحتكر وتَوعُّدِه بالعذاب الأخروي الشديد؛ وكذلك تم وصفه بالخاطئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وغيره من الأدلة.

مضيفًا، أن المحتكر منعدم الضمير وآثم إذا قصد حجب السلع عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتها؛ وبهذا يحصل المحتكرون على الأرباح الباهظة دون منافسة تجارية عادلة، وهو من أشدِّ أبواب التضييق والضرر، والسلع التي يجري فيها الاحتكار هي كل ما يقع على الناس الضرر بحبسها، ولا مانع من اتِّخاذ الدولة لإجراءات تمنع الاحتكار.