«دموع ندم».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

 محمد محي الدين أبوبيه
محمد محي الدين أبوبيه

  سارت الأيام ولم يتحقق شئ مما تمناه، أصبحت الغمامات السوداء هي التي تكتنف مستقبله أمام عينيه، بادرة الأمل لا يوجد لها بصمات، كل مساعيه ذهبت سُدى بلا نتيجة مرجوة، فحمل على عاتقه ألا يفكر وألا يستجدي فالعقل تائه في منحنيات هذه الدنيا الغادرة.

الأرض والسموات ضاقت به وصدره أضحى ضيقا حرجا بما يعتمله من زفرات الحسرة على ما مضى وخشية ما هو قادم في وسط هذه الأجواء طافت بمخيلته فكرة الذهاب بلا عودة، نعم إنه الحل الأوحد

عندما همّ بالتنفيذ لم يستطع واستعصى عليه الأمر، فالروح ليست رخيصة لكي يتنازل عنها بهذه السهولة، وانسحبت شجاعته وحل مكانها بريق خافت من حب الحياة وجال بخاطره بعض من ذكريات نجاح فائت، كما أن هناك من يرجون وجوده بينهم وهم أسرته زوجه وبناته الصغار، فإنه سيكون أنانيا لو تركهم لتتلاطم بهم أمواج عاتية من ظروف الزمن القاسي.

إذن الحل هو أن يخلصهم هم وينجيهم مما هو آت، فليبدأ بهم وينهي مسيرتهم قبل أن تبدأ معاناتهم.

دبر الخطة المحكمة، جهز العُدة، أتى بليل وهم نائمون وتسلل بحيث لا يحس به أحد، نظر إليهم نظرة الوداع ، الآلة الحادة بين يديه ، سيبدأ بزوجته ، دلف إلى  داخل غرفة النوم التي تغط فيها  وهَمّ بما سيفعل إلا إنه تراجع وهمس لنفسه بل يتركها لآخر المهمة وليذهب لغرفة الأولاد وهكذا أمضى ليلته روحة وجيئة بين الغرفتين حتى أصابه الوهن من كثرة التردد فألقى جسده المنهك عل الأريكة الموجودة في الصالة والعرق يتصبب من جميع جسده وقد غمره إحساس تام بالفشل والعجز حتى عن تنفيذ هذه الخطة التي يظن أنها ستنجيهم من عذاب مقيم وتدخلهم جنة أبدية.

يد رقيقة تلمس خده، فانتبه من نومته، إنها ابنته الصغرى التي لا يتعد عمرها الخمس سنوات ، ابتسامتها الساحرة وهي تداعب شاربه قائلة

: (بابا نايم هنا ليه)

لم يجبها وقد أتت البنتان الأخريتان وأخذن جميعا يتقافذن حوله وعلى كتفيه وضحكاتهن ترن بالمكان

وهو شارد الذهن لائما نفسه على ماكان سيُقدم عليه وأنه كان سيُحرم من هذه اللحظات التي يغمرنه فيها بسعادة خفية لم يشعر بها من قبل رغم حدوثها دائما وأبدا طيلة وجوده معهن

بتلك الأثناء كانت زوجته تسأله لماذا أتى متأخرا ؟ فهناك خبر جيد تحمله له...

: ماذا؟

: (الأستاذ (عبد الجواد) صاحب مكتب السفريات اتصل عليك كتير وموبايلك مغلق).

:(كان عايز ايه؟ دا انا بقالي سنة ما شوفتوش)

:(ساب الجواب دا ليك)

فتح الظرف فوجد فيه:

احضر حالا هناك عقد لك في دولة خليجية تحتاج تخصصك النادر في الترجمة للغة الأسبانية بمبلغ خيالي  وقد تم قبولك، انسابت الدموع منه والتي لم تكن دموع فرح ولكنها دموع ندم كان سيكسو بقية أيامه.