«حين توسدنا السحاب».. قصة قصيرة للكاتبة فاطمة الرفاعي

الكاتبة فاطمة الرفاعي
الكاتبة فاطمة الرفاعي

انقطع التيار الكهربائي. فى حدود الساعة الثامنة.. أوينا باكرا إلى فراشنا.. كما تأوي الطيور إلى أعشاشها .. فردت أمي ذراعيها.. نام أخي الصغير على ذراعها الأيمن... وتوسدت أنا صدرها.. كانت أذني فوق قلبها تماما.. سمعت دقات قلبها الرائع..

كانت تماما كحمامة تفرد جناحيها وتحتضن صغارها في حنان بالغ.... قربت شفاهها تقبل خدودنا الواحد تلو الآخر.. كانت كعادتها تشم رأسنا وشعرنا بحب شديد... وكأنها تشم أروع الزهور.

نسيت أن أقول لكم.. أنها تناديني بالغزالة.. حين أنهى عملا تقول لي: هل أنهيت كذا يا غزالة؟ ... و تنادى أخي بالفراشة، وتقول لنا أن أسماء الدلع هذه.. سر بيننا وبينها.

حين تنادى أقفز فرحا بين يديها.. كما الغزال فعلا...

آه.. كم أحبك.. يا أمى الجميلة.

وحين تنادى.. يا فراشة.. يطير لها  أخى الصغير،.. أحسه يطير بلا جناحين.

في تلك الليلة وحين انقطع التيار.. لم تحك لنا أمى حكاياتها الجميلة... ولم تكتب فينا قصائد الشعر.

أمى شاعرة معروفة... بارعة فى الشعر الرومانسي... ولكنى سأفشى سرها... فهى  دائما تنظر فى عيوننا نظراتها الهائمة ثم يحضرها ملاك الشعر.. تنظر لنا وتقول: لتلك العيون كتبت أجمل قصائدي .. وتتلو القصيدة بصوت هامس.. وهى تحدق فى عيوننا ونحن نسمع... وكأننا فى عالم الأحلام.

فى هذه الليلة أضاءت كشاف هاتفها المحمول بإضاءة خافتة... ونحن نتوسد صدرها.. وأسمعتنا لأول مرة مقطوعة موسيقية من عزف العود لنصير شمه... كنا نسمعها وهي تلاعب بأناملها الناعمة خصلات شعرنا... شعور لا يمكن وصفه حين تلامس أنامل أمي شعرى... وحين سمعت عزف العود.

بعدها أسمعتنا مقطوعة أخرى لعازف الجيتار الشهير عمر خورشيد... يا ألله كان إحساسا يفوق الخيال.

وطلب أخى أن يسمع صوت الناي... سمعنا مقطوعة العازف الضرير... كنا نسمع ونراقب خيالنا المبتسم على الجدران.. ونتأمل عيون أمى الساحرة.

وكما الورد يغفو فجأة.. وهو يسمع موسيقى الكون.. غفونا.. كالزهور على صدرها.. تلك الليلة  كنت فعلا طفلا سماوى.. يمدد رجليه وسط النجوم.. ويتوسد وسائد الغيوم.

آخر ما قلته لها  بقلبي والنعاس يداعب جفونى :

أحبك أمي

يا أجمل الأمهات.