«سبحة خضراء» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبوالليل

الدكتور فراج أبوالليل
الدكتور فراج أبوالليل

وقفت انتظرها علي أطراف زقاق من أزقَّة حي الخليفة  .. جلست بجواره .. رجل يرتدي ثياباً خضراء ذو لحية بيضاء كثيفة وشارب عريض  .. مد يده وعينيه تنظر لي جاحظة كأنها كرة من الثلج باردة كبرودة أعصابه .. أعطاني سبحته الخضراء .. منحته بعض من الطعام الذي أحمله في يدى .. أخذ قضمة من قرص محشو بالعجوة .. ومضي بين زحام مولد السيدة عائشة بنت الإمام جعفر الصادق .. مردداً بعض من كلماته الغامضة  "ضاقت عليك ، مد رجلك فى البراح، اللي جاي مش زي اللي راح" .. ثم بصق فى وجهي وانتابته بعض من الضحكات الهستيرية ..

تراجعت محتمياً بالتائهين .. اليد قصيرة والعين لا تبصر سوي شبح الجوع فى عيون النساء .. جئنا لمقامك يا سيدة الضعفاء  .. دعواتهم المهمومة جعلت دموعي تنهمر علي حديد مقام السيد عائشة النبوية  .. تسللت خارجاً من الزحام ناحية باب القرافة مروراً بسور قلعة  صلاح الدين .. طالت نظراتي .. أتي صوت ذو العمامة الخضراء من بعيد .. من أين يأتي صلاح الدين؟؟ .. ثم رد علي نفسه .. من صلاح الدنيا .. والدنيا متاهة بها الضالين والمضللين .. هناك أكلوا السمين علي جسد العذراء .. ثم دفنت جثتها شاحبة وهزيلة فى مدافن الصدقة  ..

لمحت عبائته الخضراء .. حينها أنارت سبحته فى يدى .. ضغط عليها بأصبعي .. وردد فمي متهتهاً الله أكبر الله أكبر .. كان آذان المغرب عالياً .. كررت بسرعة الحمد لله الحمد لله .. أفقت من الجرى وراء الصوت وجدت نفسي بين مقابر الممالليك بجوار قبة وضريح الأمير "طرباي" .. حاولت الرجوع من باب الوزير .. تسرب صوتاً غليظا ً .. من أتي بك إلي هنا ؟ .. حنين للماضي يا سيدى .. ما بين الحاضروالماضي .. أحلام تتصارع .. نحو إثبات الذات .. خرجت كلماته مهزومة .. هنا يسكن الخوف والجوع .. هنا تسرق حيَّاً لتباع في سوق الغربة .. قلت بل لا شيئ يساوي حبة عرق تتنفس في حجر قديم .. عندما يتلكَّأ المستقبل .. وتعانده أحلام الشرق الغامق ..

أهرب بين جدران الماضي أبحث عنها .. حيث زمان سافر بلا رجعة .. وتفاصيل تتكلم بأن الأرض ليست جنة الله .. أعود بعدها للحاضر ببعض الواقعية بعيداً عن أحلام الغرب الوردية .. سمعت أصوات نباح لكلاب تتعارك ربما علي بقايا عظام فى جثة تلك الفتاة العذراء .. سقط حجر قديم علي كتفي جعلني أجري مذعوراً من الخوف .. وضحكات الأمير "طرباي" الخشنة زادت من سرعة الجري.