خارج النص

مستقبل الشخصية المصرية .. أمن قومى

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

لا ينبغى أن تشغلنا الأحداث المتلاحقة، وسيل التفاصيل المنهمر على عقولنا بين لحظة وأخرى، عن التفكير والانشغال بالمستقبل. وأهم مستقبل يجب أن ننشغل به هو مستقبل الشخصية المصرية، فالإنسان هو أهم عوامل بناء المستقبل وتغيير الحاضر، ولأن هناك العديد من المتغيرات التى تتحكم فى صياغة هذا الإنسان، ماديا ومعنويا، والكثير من التحولات التى تحيط بنا، وتنعكس على بناء هذا الإنسان، فمن الضرورى أن تكون هناك دراسات متعمقة ومتابعة علمية جادة لكيفية تطور هذا البناء الإنساني.

من هنا تأتى أهمية البحث العسكرى الذى قدمته إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، حول «الرؤية الاستراتيجية المقترحة لتطوير الشخصية المصرية للحفاظ على روح الولاء والانتماء للدولة المصرية فى ظل المتغيرات والتحديات الراهنة»، والذى جرى نقاش موسع له بحضور الفريق أول محمد زكى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وبمشاركة العديد من قادة وضباط القوات المسلحة، إضافة إلى مجموعة من الإعلاميين كان لى شرف التواجد بينهم. 

البحث الذى شارك فى إعداده عشرات الباحثين، بإشراف من اللواء أركان حرب دكتور وليد حمودة، مدير إدارة الشئون المعنوية، وبمعاونة جهاز العمل النفسى للقوات المسلحة وتعاون مع أساتذة ومختصين بالجامعات المصرية، يمثل رؤية متعمقة وجادة لطبيعة الشخصية المصرية وما طرأ عليها من تحولات، سواء نتيجة أحداث داخلية كبرى، أو جراء تحولات اجتماعية ونفسية مرتبطة بتغيرات العصر مثل زيادة تأثير التكنولوجيا وطبيعة أدوار الإعلام، وبخاصة منصات التواصل الاجتماعى على القيم الاجتماعية للإنسان المصري.

قيمة هذا البحث لا تنبع فقط من الجهد العلمى المبذول فيه، وهو كبير بالفعل ويستحق التحية والتقدير، ولكن أيضا من قيمة المؤسسة التى دعت إلى إجراء هذا البحث وحشدت الطاقات لإتمامه، فدور القوات المسلحة يترجم الرؤية الشاملة لمفهوم حماية الأمن القومي، والتى لا تعتمد فقط على الجوانب العسكرية والدفاع عن الحدود، بل تمتد كذلك إلى حماية الأمن الاجتماعى وسلام وتماسك المجتمع.

واللبنة الأولى فى كل ذلك هى الحفاظ على قيم الشخصية المصرية التى صنعت التاريخ، وصاغت التحولات الكبرى، واستطاعت أن تعلو وتتجاوز كل محاولات التشويه والعبث بهويتها، حتى باتت الهوية المصرية حاضنة كبرى لكل الهويات الوافدة.

البحث يقدم العديد من الحقائق القيمة والواقعية عن ثوابت الشخصية المصرية وسماتها، بإيجابياتها مثل التسامح والاعتدال والتدين وعدم الميل إلى العنف، وسلبياتها مثل الفهلوة واللامبالاة.

كما يقدم رصدا للعديد من التغيرات الطارئة خلال العقود الأخيرة، وأبرزها تغير السلطة الأسرية، وتنامى التدين الظاهرى والتعصب وأحادية الرؤية والثقافة الاستهلاكية، إضافة إلى تراجع الحس الفنى والذوق الجمالي، فضلا عن تزايد ظاهرة العنف.

وبالإضافة إلى رصد وتحليل أهم العوامل المؤثرة على الشخصية المصرية، يقدم البحث استراتيجية واضحة للتعامل مع تلك المتغيرات، ويضع توصيات مهمة وعملية لكيفية الحفاظ على ثوابت الشخصية المصرية وتعزيز النسق القيمى الذى ميزها على مر التاريخ، فى مواجهة التحولات الطارئة التى جعلت الجميع يلحظ ويشكو أحيانا من تلك المتغيرات التى انعكست على شخصية الإنسان المصري.

أبرز تلك التوصيات كان تأسيس مجلس قومى لتطوير الشخصية المصرية تشارك فيه أطراف متعددة بداية من التعليم والمؤسسات الدينية والشبابية وصولا إلى منظمات المجتمع المدنى والإعلام، بهدف تعزيز القيم الإيجابية للشخصية المصرية مثل القدرة على الصمود والإيجابية وتطوير الذات والحلول الإبداعية للمشكلات، والقدرة على التفكير النقدى ومتعدد الرؤى.

هذا البحث يجب أن يكون بين يدى جميع الباحثين والمختصين فى الجامعات والمراكز البحثية، والأهم بين أيدى صناع القرار، لأن بناء الشخصية المصرية قضية تهم الجميع، ومشروع قومى ينبغى أن يحظى بكل الاهتمام، فبناء الإنسان مسألة أمن قومى فى المقام الأول.