«رحلة شقاء» قصة قصيرة للكاتبة حنان عزت عويس

«رحلة شقاء» قصة قصيرة للكاتبة حنان عزت عويس
«رحلة شقاء» قصة قصيرة للكاتبة حنان عزت عويس

يترك أمير وزوجته في إحدى الدول الشقيقة، ويأتي إلى القاهرة مع أحمد ابنه، ويترك أحمد توأم روحه أمير ويذهب مع أبيه .. حيث ترقد أمه في أحد المستشفيات بين الحياة والموت، يترك ما بيده ويفر مسرعًا قبل أن تلفظ الأم أنفاسها الأخيرة المتعلقة بلقاء " شقيق الروح" كما كانت تطلق عليه الأم .. تحاول نور تهدئة كساب وإيقافه حتى تعود معه ..

يقول لها ودموعه حبيسة ترفض السقوط: ليس هناك وقت يا نور .

تنتظر رغمًا عنها مع أمير لضيق الوقت وعدم التجهيز للسفر؛ فهي لم تجدد جواز السفر ... طمأنها كساب بأنه سيطمئنها عند وصوله... قلق أمير على الجدة الحنون التي كان لا يمر يوم دون سماع صوتها أو رؤيتها من خلال الهاتف ... يبكيان على الجدة.

لم تمر سوى ساعات على ذهاب كساب وأحمد، حيث وصلا إلى المستشفىى، فوجدا الأم تنظر إلى كساب وتنظر إلي السماء تحمد الله على أن آخر وجه تراه وجه معشوقها وأقرب الأحفاد لقلبها .. يفتح كساب التليفون حتى تودع الجدة نور وأمير .. نظرة شوق وحب وابتسامة رضا، ثم تذهب الروح لخالقها .. وسط بكاء وعويل نور وأمير؛ لم تمر ساعات على دفن جثمان الأم ... بدأ أمير يسمع صوت رصاص وقذائف تلقى هنا وهناك، ماذا يحدث !!؟؟ لم يستوعب أحد ماذا يحدث ؟!! أيحارب الأخ أخاه بهذه الطريقة .. يخرب ويقتل كل منهما الآخر، يحاربان على البقاء والأقوى يريد الاستيلاء على الأرض ..

تراب البلد ملك للجميع .. أيمزق كل منهما الآخر في شهر "رمضان الكريم " لم يمنعهم الصوم ولا الصلاة عن القتل والنهب والتخريب وترويع الأطفال والكبار ....

يصرخ أمير: الحقنا يا بابا، الجميع يقتلون بعضهم بعضًا هنا، وصوت النيران من كل جانب؛  ماذا نفعل !!؟

ثم يذهب أمير إلى" السوبر ماركت" لشراء الطعام؛ يحاولون اللحاق به .. يهرب منهم بأعجوبة؛ ثم يعود إلى نور مهرولًا خائفًا .. تصرخ نور في التليفون مع كساب وينظر كساب وأحمد من النافذة عبر الهاتف. نيران في كل مكان والشوارع كلها قتلى وجثث هنا وهناك ماذا حدث؟ ما هذا !؟

كانت الحياة آمنة مستقرة ... تصرخ نور لسه بتسأل ؟ الحقنا أنا خايفة

نريد الرجوع إلى مصر، السودان لم تعد أمانًا الآن ..

أعمل إيه؟ حاولنا التحدث مع أحد مكاتب السفر الشهيرة وطلبنا منهم العودة إلى بلادنا ... ولكن أشهر مكاتب السفر ترفض الموافقة والتصديق. لم يعد معنا أموالا سرقوا كل شيء ونهبوا كل شيء. خرجنا بأنفسنا هاربين من موت محقق .. ماذا نفعل !!؟

تحاول نور العودة عبر" الأتوبيسات " لكن الأشخاص حتى في أسوأ الظروف لا يهمهم شيء إلا المساومة والاتجار والجشع .. والأعداد المقبلة على السفر كثيرة جدًّا يدفعون جميعًا ما يملكون كي ينقذوا أولادهم من الموت ....

كساب يطرق كل الأبواب بعد دفن جثمان أمه يحاول مع المسؤولين في السفارة المصرية إيجاد حل لعودة نور وأمير ... لكنهم يقولون له هناك فوج سيقدم الآن ...

يعيش أمير وأحمد في ذعر لا يعرف أحد مصيره وهو يرى القتل والضرب حول أخيه أمير في كل مكان؛  تكاد الشقة تنهدم فوق رؤوسهم بعد سقوط الدور العلوي، يخرجان إلى الشارع الذي امتلأ جثثًا ودماء ضحايا ليس لهم أي ذنب فيما يحدث من نزاع النيران في كل مكان..

أرجوك اعمل أي حاجه يا كساب انقذنا .. يتحدث كساب مع السفارة المصرية في السودان ويتحدث مع الوزارة...

تأخذ نور أمير في يدها وبين ضلوع قلبها وتجري بأقصى سرعة لكي تصل إلى آخر الشارع تظن إيجاد مخرجا، تتوسل وتبكي لسائقي الأتوبيسات حتى يأخذوهم معهم وسوف تعطيهم حقهم وأكثر من حقهم من مال عندما تصل إلى مصر لكن دون جدوى ..

تحث نور أمير على الجري سريعًا ... يتمزق أحمد على أخيه ويقول أخي في خطر كبير يا أبي .. أمير حبيبي اصمد حتى نلتقي، أنت رجل تحمل وحافظ علي نفسك وعلى ماما، ماما عارفاك قوي .. يبكيان عبر الهاتف خلاص .. حتى وجدوا سيارة نقل تصل البضائع إلى السودان ثم تعود إلى مصر مره أخرى؛ يترك السائق حمولته ويذهب لإنقاذ الأسر المصرية والسودانية من الهلاك .. تهرول نور وتستقل السيارة مسرعة وأسرة أخرى وأخرى مصرية بها أطفال صغار وطفل يبلغ من العمر عامه الأول وأسرة أخرى، الزوج والزوجة فقط وأسرة سودانية؛ يستقل السائق السيارة مسرعًا في طريق العودة إلى مصر لم يجدوا طعامًا أو شرابًا ولم تجد الأم لبنًا لتطعم الرضيع، يبقيان على هذا الحال خمسة أيام وسط صراخ الأم وصراخ الرضيع من شدة الجوع؛ .. حتى وصلوا إلى منطقة فقام سكان هذه المنطقة بإمدادهم بالطعام والشراب الكافي لحاجتهم حتى العودة؛ تظهر سيارة بها محاربون تريد قتلهم والانقضاض عليهم، يتصدي السائق وأمير للمحاربين، يحدث اشتباك بينهم ينال أمير منهم طلقة في قلبه ...

تأتي طائرة مسرعة تنقذ السيارة من الدمار وتقضي على السيارة بحذر شديد ... وسط فرحة الأسر بالنجاة؛ تجد نور الدماء تسيل من صدر أمير.. تنهار ابني رد عليَّ ابنيييي، ينقطع الاتصال وتتوقف كل وسائل التواصل ...

يكاد الأب أن يصاب بالجنون لا يعرف أين هم وكيف حالهم ؟؟؟ يحاول مسئولو النقل الاطمئنان علي الأسر..... دون جدوى ... يشعر أحمد أن روحه تنسحب منه أنا بموت يا بابا .. أحمد أحمد مالك يابني اهدأ يا حبيبي هم بخير أكيد ... يرى أحمد وجه أخيه مبتسمًا ... أنا خايف يا بابا

تصرخ نور خلاص قربنا للوصول يا حبيبي أبوك وأخوك حبيبك في انتظارك تماسك يا أمير. لا متسبنيش سايبني ورايح فين وتطلق صرخه تزلزل الصحراء تحت قدميه ... خلاص حتى الماء ينفد وينفد منهم الصبر ... حتى الطفل الصغير لم يعد يتحمل يبكي، هانت ... تنتظر سيارة الإسعاف والدكاترة على الحدود لإنقاذ الأسر ومعهم عصائر وطعام ومياه .... فور وصولهم يتسابق أحمد وكساب لأخذ نور وأمير بين أحضانهم؛ يجدون نور منهارة وأمامها صندوق تحتضنه وترفض النزول من السيارة !!! ينقضون عليها فين أمير لا تملك سوى البكاء ... ينهار أحمد أخويا كنت حاسس إني مش هشوفك تاني يا قلبي عليك يا توأم روحي آه وألف آه

يا قلبي عليك يا بني، ينهار كساب ويطلق آهات تزلزل الكون، كان عندي إحساس إنك هتروح مني بقلبك الطيب وروحك العطرة كنت ابن موت يا ابني ... كنت عايز تبقى مهندس خلاص باقي كام شهر على حلمك وتحقيقه كنت بتتمني وأحلامك كتيرة ... ليه كدا يا أمي تاخدي أمير بسرعه كدا معداش عشرة أيام كنتِ أخذتني أنا بعدك وسيبتِ أمير !!!

حبيبي يا توأم روحي ليه سبتني في الحياة وحدي مين هيقاسمني ضحكتي وفرحتي وبكايا؟ مين هيطبطب علي، كل حاجه كنا بنقسمها مع بعض ... هعيش لمين وهعمل إيه من بعدك يا نصي التاني يارب قويني

يحتضن الصندوق ويرفض تركه خدني معاك مش هقدر أعيش من بعدك ...

تعيش نور الصمت و البكاء" الهستيري " ازاي ده حصل يا نور ردي علي متسكتيش كده سيبتِ أمير يضيع ليه يحاول الجميع تهدئة الأسرة ...

يذهبون إلى البيت في صمت شارد لا يسمعون سوى صوت أمير وضحكاته !!!

ترقد نور في السرير رافضة الحياة من هول الصدمة لا تقوى على الحديث تضع صورته أمام عينيها ولا تسمع و لا ترى سواه و تبكي .