«حلم من زجاج».. قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

 محمد كمال سالم
محمد كمال سالم

هاهي محطتي الإذاعية الزجاجية الطائرة تستقر فوق بيتي تنتظر طاقمها فقط وننطلق.

وبعد تفكير عميق وقع اختياري علي المهندسين اللذين سيساعداني، فلا بديل عنهما، فهما ينطبق عليهما الشروط التي من أهمها أنهما لن يتقاضيا أجرًا.

بُهت مهندسا طائرتي الإذاعية لما رأيا مهمتهما وتراجعا.

وقال مجدي ابني: أتلقي بنا من فوق سطوح العمارة في هذه الإسطوانة الزجاجية؟!

وقال إسلام: هل أخبرت أختك التي هي أمي بما ستفعله بي؟!

فطمأنتهما قائلًا: ما بكما ولديً؟ هل من الممكن أن ألقي بأبنائي إلى تهلكة؟!

لا تقلقا؛ هذه المحطة صُنعَت من الإخلاص الشفيف، ووقودها هو مكارم الأخلاق، فهيا بنا.

وبسم الله ركبناها، وقلت لإسلام: هذه وظيفتك مهندسًا للصوت تنسق وتتواصل معي ومعك مادتك المسجلة التي تحتاجها.

أما انت يا مجدي: فهذا مقودك لمحطتنا وأمانها وتوجيهها، فاتبع النور واشتم الحدث.

وانطلقنا فأُخِذ الولدان عندما ارتجت المحطة ولكن سرعان ما استقرت واستقرا معها.

وأشرت لمهندس الصوت، فراح يعُد ثلاثة، اثنان، واحد، أنت هواء.

أعزائي المستمعين:

عمتم مساءً وطابت أوقاتكم أينما كنتم في وطننا الحبيب، معكم عبر الأثير محدثكم من محطتكم الإذاعية الزجاجية الطائرة الجديدة التي يمكنكم استقبالها ع الإيه إم و الإف إم على تردد..... وعلي هوت بيرد علي رقم .....

ولقد اخترنا أن نطل عليكم في تلك الليلة المباركة وهي غرة وأول ليلة من شهر رمضان المبارك متعكم الله بأجر صيامه والعمل الصالح فيه، وكل عام وحضراتكم بكل خير، فاصل قصير مع أغنية رمضان الخالدة ونعود إليكم.

أشرت لمهنس الصوت، الأغنية ( رمضان جانا وفرحنابه بعد غيابه)

مارأيكم يا أولاد في البداية؟

فأشارا إليَ بإبهامهما، أي جيد جدًا، ثم أشار إليَ من جديد، أنت علي الهواء.

عُدنا إليكم أعزائي المستمعين عبر الأثير ومن محطتكم الطائرة التي ستوافيكم بالأخبار ليس علي رأس الساعة فقط أو في فترات إخبارية! كأي محطة تقليدية!! لاااا، نحن نطير فوق الحدث بالفعل الذي سنوافيكم به حين حدوثه حصريًا، كما أنكم ستشاركوننا الحديث علي هاتف رقم......،

وموضوعنا اليوم هو عن، الحق، الخير، الفضيلة.

وهدفنا هو الارتقاء بالذوق العام ونبذ كل ماهو قبيح ومسف، وزرع كل ماهو جميل يسمو بمجتمعاتنا.

فاصل قصير أعزائي المستمعين ونعود لنستقبل تليفوناتكم.

( جبنا الفوانيس أخضر واحمر، أهو جي يا ولاد، أهو جي يا ولااااد)

 

أما من متصل ياشباب؟

إذًا اتصلوا بأصدقائكم ليكلمونا حتي يأتي اتصال.

نظر الشابان إلي بعضهما في دهشة وكأنني قد طلبت شيئًا لا يجب أن أطلبه، ثم أشار إليَ، أنت علي الهواء.

ها نحن أصدقائي المستمعين نحلق فوق المحروسة وقد ازدانت شوارعها وشرفاتها وتجملت المآذن وصدحت المساجد بأول صلاة للقيام، ونبدأ حديثنا عن الحق وال.....عفوًا مستمعيً الكرام يشيرون أن هناك اتصال، نقول: آلو،،صوت نسائي: آلو،

أيوه يافندم مع حضرتك.

ألو: ما تنساش يا محمد العيش والفول والزبا...إئ،إئ،،

عفوًا يبدوا أننا قد فقدنا الاتصال، فاصل قصير.

أغنية( رمضان جانا)

يغرق الشابان في الضحك، فنهرتهما غاضبًا: أتتعمدان إحراجي، ألا تعرف صوت زوجة خالك؟! تفضل طلعني هواء.

نواصل أعزائي المستمعين حديثنا عن الحق،،،،،عفوًا أعزائي المستمعين يشير فريق العمل إليَ أن هناك حدث ما: ماذا هناك ياشباب؟

يقولون أن هناك حفلًا ضخمًا ورائعًا.

مجدي: هذا الأسطورة.

أنا: من الأسطورة؟

إسلام: النمبر وان.

أنا: عما تتكلمون؟ إنهم أقزام.

مجدي: والراقصة النارية.

إسلام: اتبع النور يا مجدي.

مجدي: سأشتم الحدث.

أنا: لا يا أولاد ليس هدفنا.

إسلام: اقترب يا مجدي، ثم قال لي: هناك اتصال.

أنا: آلو،مع حضرتك.

* أين هذا الحفل أيتها الإذاعة الفاشلة...إي،إئ.

لا تقترب يا مجدي إنهم يطلقون ألعابًا ناريةً ونحن محطة من زجا.......دش،،طاخ،،آه،،، لقد أصابونا،،،تحطمت المحطة،نحن نسقط،،،،نسقط.

أصبحنا علي الأرض، يا ربي، ما هذا الصخب؟ ما هذا الجنون؟

إنهم عمالقة، كيف رأيتهم أقزامًا من الأعلى؟!

 أين أولادي؟ هل أصابهم مكروه؟

آه حمدًا لله، آنهما هناك، عند الراقصة، ستدهسهم بأقدامها، إنها عملاقة،عدوت نحوهما، أجذبهما بشدة، يرفضان المغادرة ويرقصان، أنهرهما: هيا نفر من هذا الجحيم.

أجذبهما ونجري مسرعين نحاول أن نفر من هذا الجنون.

وابتعدنا.

وعند أول جزيرة بالشارع ألقيا بنفسيهما فوق حشائشها وانخرطا في نوبة ضحك هيستيرية، بينما أنا غاضب حانق عليهما وقلت لهما ثائرًا: أتضحكان وقد حطمتما حلمي ومشروع عمري؟!

مجدي: يا أبي، أرجوك أن تحلم علي الأرض.

إسلام: سأخبر أمي أنك أوشكت علي قتلي، ثم أضاف: هاك هاتفك إنه يرن.

آلو،،صوت نسائي مختلف علي الطرف الآخر من الهاتف: آلو،،المحطة الطائرة؟

أجبتها فرحًا متهللًا: أيوه يافندم محطتك المفضلة،

طيب: إديني عم محمد بتاع الزبادي.

اقرا ايضا | «الزعر4» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم