«الجدة المرحة».. قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم‎

علاء عبدالعظيم
علاء عبدالعظيم

لم أصدقها عندما قالت لي انها جدة! ليس على وجهها بصمة واحدة من بصمات الزمن! بشرتها خالية من التجاعيد، ولم أر حول عينيها الظلال السوداء التي تكشف عادة عن سن المرأة.

 

كانت شابة في حديثها وحركتها وحيويتها، لم تخف عمرها، ولم تقل لي أنها تزوجت وهي في التاسعة من عمرها وأن ابنتها تزوجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وأنها أصبحت جدة وعمرها ٢٦ عاما.

 

قالت لي بصراحة أن عمرها ٤١ سنة لكنها لا تشعر أنها عاشت كل هذه السنين لشعورها بأنها في الثلاثين وتحافظ على وزنها، وجمال قوامها، وتذهب إلى الكوافير ليصفف لها شعرها، ولا تكف عن الضحك ومرحها يثير الأحاديث والشكوك.

 

انطلق من عيني بريق الإعجاب وهي تتحدث، وتراودني تساؤلات عديدة.

لماذا تتأنق وهي جدة، لماذا تضيع الساعات عند الكوافير؟

لماذا تبذل كل هذا الجهد لتحافظ على قوامها حتى تبدو كالغزال الشارد.. لابد أنها تحب.. أو أن هناك سرا غراميا تخفيه عن كل من حولها.

فهي جدة ولها عدة أحفاد، وزوجها توفي منذ سنوات، هل من المعقول أن تهتم كل هذا الاهتمام بنفسها بلا سبب ولا مبرر.

وبذكاء الأنثى، وابتسامة عريضة زادتها جمالا ووقارا، أجابت عن كل هذه التساؤلات والشكوك التي لمحتها في نظراتي وفوجئت بها تقسم لي أن مافي قلبها غير ذكريات حلوة لا يتسع لأي رجل جديد في قلبها، لكنها تتأنق، وتتجمل، وتحافظ على قوامها لنفسها، وتجد لذة حين تتطلع إلى وجهها في المرايا وترى أن مرحها تحب أن يسعد من حولها لا أن يضايقهم، ولا تريد أن تمضي ما في عمرها تلعن الزمن الذي جعلها أرملة، وجدة وهي في ريعان شبابها.

 

وتؤمن أن الشقاء كالزكام ينتقل من شخص إلى شخص، والمرأة السعيدة تملأ قلوب من حولها بالسعادة، وهي تريد أن تبدو سعيدة لتسعد نفسها ومن حولها.

ثم أنها زوجت بناتها جميعا، وضمنت لكل منهن مستقبلا مأمون وحياة سعيدة، ولا تتدخل في حياتهن، ولا تريد أن تحبس نفسها في بيتها لتحسد غيرها على الخروج.

 

لكن أقاربها لا يصدقونها، ولا يتصورون أن الجدة ممكن أن تتأنق وتتجمل لإرضاء نفسها لا لكسب قلب رجل، أو يتهمونها بأنها تسيئ إلى سمعة بناتها، وأن هناك مرحلة معينة يجب أن تعترف فيها انها أصبحت جدة، ولا يجوز أن تحيا حياة البنات الصغيرات.

 

وما إن أنهت حديثها، فما كان مني إلا أن قمت بتشجيعها بأن تتمتع بشبابها، وتمنيت أن أرى الآلاف من الحموات السعيدات، والجدات الجميلات.

فالحماة المريحة امرأة سعيدة.

والحماة المشاكسة هي امرأة اقتنعت بأنها ودعت الشباب.

اقرا ايضا | «زينب امرأة شريفة» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم