«مجازفة غير مدروسة».. الأثريون يرفضون مشروع «كساء هرم منكاورع»

الأثريون يرفضون مشروع «كساء هرم منكاورع»
الأثريون يرفضون مشروع «كساء هرم منكاورع»

جدل كبير سببه إعلان الأمين العام ل المجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيرى عن بدء تنفيذ مشروع لدراسة وتوثيق وإعادة تركيب الكساء الخارجى لهرم منكاورع بمنطقة أهرامات الجيزة. وهو المشروع الذى أطلقت وزارة الآثار عليه اسم «مشروع القرن» قبل أن تتراجع وتعتبره «هدية مصر للعالم» بالتزامن مع الافتتاح الوشيك للمتحف المصرى الكبير. 

وفقًا لما أعلنه وزيرى خلال كلمته أمام هرم منكاورع الأسبوع الماضى فالمشروع الذى يتم بالتعاون مع البعثة اليابانية سيساهم فى رؤية هرم الملك منكاورع لأول مرة كاملاً بالكساء الخارجى له كما بناه المصرى القديم، لافتا إلى أن البلوكات الجرانيتية للكساء الخارجى للهرم كانت حوالى 16 بلوكا لم يتبق منها حالياً سوى 7 بلوكات فقط، وهو ما سيقوم المشروع بالعمل عليه لدراسة الأحجار المتبقية حول الهرم وترميمها وتوثيقها وإعادة تركيبها.

الجدل الإعلامى وعلى مواقع التواصل تركز فى معظمه حول غموض المشروع وظهوره على السطح فجأة دون إتاحة التفاصيل الكاملة التى تتيح تكوين رؤية واضحة، فى خطوة اعتبرت من جانب كثيرين استمرارًا لنهج الوزارة خلال السنوات الأخيرة فى تجاهل آراء المتخصصين.

هنا نحاور كل الأطراف ونستمع للرأى العلمى من خبراء الآثار لمعرفة رأيهم حول المشروع المقترح.

الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار قال إن المشروع لايزال فى مراحل الإعداد «سنقوم بعمل دراسات لازمة، ومنها التوثيق من خلال الفتوغرام تيريوال ليزسكان، والتوصيف، والتصوير،وهذه الإجراءات ستستمر لمدة عام كامل، وسيتم عرضه بعدها على لجنة علمية مختصة».

يستكمل: لم ينفذ الملك منكاورع سوى 16 مدماك (بلوك) ولم تستكمل عملية الكساء بشكل كامل؛ لذلك ومع عوامل الزمن سقطت هذه المداميك، والمشروع المقترح هو إعادة تركيب المداميك مرة أخرى.

اقرأ أيضاً| منى عبد الكريم.. مدينة الدواجن وفن الصدمةمجازفة غير مدروسة


وعن فكرة إعادة كساء مبنى لا نملك أى توثيق له بشكله القديم، أجاب بأن «المسح بتقنية الليزرسكان ستمكننا من تحديد هذه المسألة، ومن تصور الشكل الرئيسى الذى كان عليه الهرم فى السابق».

سألنا الأمين العام عن إمكانية تعميم هذه الفكرة على أماكن أثرية أخرى كتمثال أبو الهول على سبيل المثال،وإعادة استكمال الأجزاء التى فقدها وأشهرها «الذقن والأنف»، فأوضح أن هذه المقارنة لا تصح مع حالة هرم منكاورع «لأننا نمتلك بالفعل كتلاً جرانيتية كانت قد سقطت من على واجهة الهرم. أما فى حالة أبو الهول فأنفه غير موجود أصلًا؛ وبالتالى لا يمكن إعادة استكماله، لكن فى النهاية فالدراسات هى الفيصل، وهى التى ستحسم هذه الأمور».



من ناحية أخرى يتوقع وزيرى أن مراكب منكاورع موجودة فى الناحية الشرقية من الهرم، لكن لم يعثر عليها حتى الآن نظرًا لأن الهرم محاط بالأحجار التى سقطت خلال القرون الماضية، «عند رفع هذه الحجارة يمكن أن نعثر على مراكب منكاورع، من خلال عمل الحفائر اللازمة». 

فكرة قديمة
وزير الآثار الأسبق الدكتور زاهى حواس يقول: قديما تم كساء حوالى ثلث الهرم بالجرانيت، والمشروع المقترح عبارة عن مسح أثرى للواجهة، ثم سيتم عمل مشروع آخر لدراسة الجرانيت المتساقط حول الهرم ولو وجدت إمكانية لتركيب أى من هذه القطع الجرانيتية على واجهة الهرم سينفذ الأمر، أما إذ وجدنا قطعاً جرانيتية غير ملائمة للتركيب فلن نقدم على تركيبها، ولكى ينجح المشروع ينبغى عمل مسح طبوغرافى لأسطح الهرم الأربعة، فعلى مرّ العصور سقط الجرانيت الذى تم كساء الهرم به؛ لذلك ينبغى عمل خريطة طبوغرافية للهرم ومسحه بشكل كامل لتحديد أماكن الـ16 «بلوك» المحيطة بالهرم. 

يكمل حواس: تاريخيًا لم يكتمل شكل الهرم أبدًا، كما أن الدراسات التاريخية لم تحدد التوقيت الذى سقطت فيه هذه الكتل الجرانيتية من واجهة الهرم، لكن علميًا فنحن نعلم أن البلوكات الـ 16 تمت خلال فترة منكاورع، والذى مات قبل أن يتمكن من تكسية الهرم بشكل كامل. وعلى مرّ العصور سقطت هذه التكسيات الموجودة على الهرم وهى موجودة اليوم أسفله.

رغم إيمان حواس بفكرة المشروع لكنه يرى أنه علميًا ووفقًا لاعتقاده الشخصى فإن المشروع من الصعب أن يكتمل أو أن يرى النور. يقول إنه كان قد فكر فى هذا المشروع من قبل لكنه وجد صعوبة بالغة فى تنفيذه نظرًا للتكلفة المالية العالية، ومؤخرا طلب من الدكتور مصطفى وزيرى عرض فكرة المشروع الحالى عليّه لبحث إمكانية تنفيذه من عدمه «لكن حتى الآن لم يتم عرضه علينا كمتخصصين للبحث والدراسة»!

لكنه يعود ليؤكد أنه إذا وجدت الآثار صعوبات فى عملية إعادة كساء الهرم فلن يستكمل المشروع، ولن يقدم أحد على هذه الخطوة، «فاللجنة التى سيتم تشكيلها لدراسة الموضوع سأكون عضوًا فيها ومعى البروفيسور مارك لينر، نظرًا لكوننا متخصصين فى عصر بناة الأهرامات؛ لذلك لن يقدم أحد على شىء إلا بالرجوع إلينا، ونحن من جانبنا ننتظر أن يعرض علينا المشروع بشكله النهائيى».



قصة البناء
خبير الآثار الدكتور منصور بوريك يحذر من الإقدام على تنفيذ المشروع بالكامل. يوضح منصور رؤيته بالعودة لقصة بناء الهرم نفسه وما طرأ عليه من تغيرات خلال القرون المختلفة، يقول إن الملك منكاورع خامس ملوك الأسرة الرابعة من عصر الدولة القديمة حوالى ٢٥٣٢ ق.م شيد الهرم الثالث الأصغر فى هضبة الجيزة، ونظرًا للظروف الاقتصادية فى عصره لم يستطع بناء هرم مماثل لارتفاع هرمى أبيه وجده فكان ارتفاع هرمه حوالى ٦٦ متراً فقط، وأراد أن يقلد ما قام به والده من كساء للجزء السفلى من الهرم بأحجار الجرانيت الأحمر، وقد نجح فى تجليد الواجهة الشمالية من الهرم بارتفاع ١٧متراً بعدد ١٦ مدماكاً من الجرانيت، وقد أثبتت الدلائل والدراسات الأثرية أن الملك منكاورع توفى قبل أن يكمل بناء مجموعته الهرمية والتى من أهمها بالطبع بناء هرمه، وقد استكمل ابنه «شبسسكاف» بناء تلك المجموعة مستخدمًا مواد بناء بسيطة حيث أكمل المعبد الجنائزى بالخشب وشيد معبد الوادى لوالده مستخدمًا فى معظمه الطوب اللبن والغريب أنه لم يكمل نحت بعض من تماثيل أبيه «منكاورع» بل وضعها كما هى غير كاملة فى المعبد، وهذا يدل على أن شبس سكاف لم يكن يملك الإمكانيات الكافية لكى يكمل العمل فى هرم أبيه، والدليل على ذلك أيضًا أنه لم يستطع أن يشيد لنفسه هرمًا بل بنى مصطبة كبيرة داخل منطقة سقارة ليدفن داخلها؛ أى بعيدًا عن هضبة الجيزة.

ويستكمل بوريك قصة هرم منكاورع فيقول: نظرًا لأن الهرم لم يكتمل بناؤه أصلًا خلال عصر منكاورع فقد استخدم كمحجر خلال عصر رمسيس الثانى، إذ جرى قطع أحجار الجرانيت من الكتل التى جلبها منكاورع قبل وفاته من محاجر أسوان، وذلك لكساء هرمه وهذه الحجارة موجودة حول الهرم من الجهة الغربية وأيضًا الزاوية الشمالية الغربية، كما يوجد نقش كبير لرئيس عمال الملك رمسيس الثانى منقوش على الصخر أمام الهرم الثانى لخفرع مكتوب اسمه فيه ويدعى «ماى»، وهناك دليل آخر على أن رمسيس الثانى قد استخدم هذا الموقع كمحجر ففى عام ١٩٩٦م وأثناء  أعمال تنقيب فى الجهة الجنوبية من هرم منكاورع تم الكشف عن تمثال مزدوج للملك رمسيس الثانى مع الإله «رع خور اختى» منحوت من إحدى الكتل الجرانيتية للهرم الثالث ونظرًا لحدوث شرخ فى التمثال فقد تركه عمال رمسيس الثانى فى مكانه حتى تم اكتشافه فى نهاية الأمر.

كما أن هناك واقعة أخرى فخلال القرن الـ12 الميلادى حاول الملك العزيز عثمان بن يوسف نجل ووريث صلاح الدين الأيوبى هدم الهرم الثالث ولكنه فشل وأحدث به تلك الفجوة الكبيرة والموجودة حتى اليوم عند الواجهة الشمالية. وفى عام ١٨٣٧م قام هوارد فايس بالتنقيب داخل الهرم واكتشف تابوتاً رائعاً مصنوعاً من حجر البازلت والمزين بأشكال واجهات القصر الملكى، وقد أراد نقله إلى إنجلترا فى سفينة كان يطلق عليها «بياتركس» إلا أنها غرقت أمام سواحل إسبانيا عام ١٨٣٨م، وقد اكتشف أيضًا داخل الهرم تابوت خشبى عليه اسم منكاورع وداخله بقايا هيكل عظمى موجود حاليًا بالمتحف البريطانى وقد اعتقد وقتها أنه اكتشف بقايا مومياء منكاورع ولكن أثبتت عملية التأريخ بالكربون ١٤ المشع أن هذا التابوت الخشبى يرجع لعصر الأسرة ٢٦ حوالى ٦٠٠ قبل الميلاد. ثم بعدها عملت بعثة هارفارد الأمريكية بقيادة جورج ريزنر واستطاع الكشف عن معبد الوادى واكتشف داخله المجموعة الرائعة من تماثيل منكاورع ومنها تلك المعروضة فى المتحف المصرى ومنها كذلك تمثال ضخم من حجر الألبستر وأهمهم بالطبع تمثال منكاورع وزوجته «خع مرر نبتى الثانية» والمعروض حاليًا داخل متحف بوسطن فى أمريكا.

هرم غير مكتمل 
يدلل بوريك على وجهة نظره فيقول أيضا إن الدكتور عبدالعزيز صالح حين بدأ بعمليات التنقيب حول الطريق الصاعد للملك منكاورع اكتشف ورشة كبيرة لصناعة الألبستر بها كتل ضخمة مازالت كما كانت عندما نقلها المصرى القديم من محاجر «حتنوب» فى المنيا كى تستخدم فى نحت تماثيل وأوانٍ، بجانب قطع أخرى تخص الملك منكاورع. كما أن الدكتور عليّ حسن قد قام بالتنقيب أمام الهرم الثالث، وكشف عن بقايا المنحدرات التى استخدمت فى عملية رفع الكتل الحجرية وقت تشييد الهرم الثالث، والتى ما زالت موجودة أمام الواجهة الشمالية للهرم، إذ لم يتم إزالتها وهذا يؤكد أيضًا عن أن الهرم لم يكتمل بناؤه. وقد كشف الأثرى كمال وحيد فى عام ٢٠٠٨م عن تمثال غير مكتمل النحت للملك منكاورع شمال الهرم الثالث مصنوع من حجر الكوارتز ملقى بجوار سور المجموعة الهرمية، وهذا دليل آخر أن بناء الهرم لم يكتمل فى عصر منكاورع ولا شبس سكاف.

يؤكد منصور بوريك أن إعادة كساء الهرم بالكتل الجرانيتية الموجودة حوله من الجهة الغربية والشمالية هى فكرة تحتاج إلى دراسات كبيرة ومطولة، ويرى أنه من الصعب تحقيقها خاصة أن الكساء الخارجى للهرم والذى ما زالت أحجاره باقية حتى اليوم على واجهة هرم منكاورع لم يستكمل من قبل المصرى القديم أصلًا. يدلل على ذلك بأن كثيراً من أحجار الهرم قد تُرك أغلبها دون «صقل أو تسوية» مثل الأحجار الموجودة على مدخل الهرم. بالإضافة إلى أن أغلب أحجار الجرانيت الموجودة حول الهرم ما زالت كما جلبها المصرى القديم من محاجر أسوان؛ أى كتل كبيرة غير مستوية وغير مشذبة بزاوية ميل الهرم وهذا دليل آخر أنها لم تسقط من الكساء الخارجى للهرم بل أغلبها مثل الكتل التى كشف عنها الدكتور عبدالعزيز صالح فى ورشة الألبستر الموجودة بجوار الطريق الصاعد لمنكاورع؛ وهذا أيضًا يدل على أن الهرم لم تستكمل عملية تجليده من جميع الاتجاهات بواسطة الـ16 مدماكاً بل تمت العملية فى أجزاء معينة فقط.

يضيف: الأمر الثانى أن الحفائر التى تتم حاليًا والتى ظهرت فى الصور، هى نفسها الحفائر التى قمنا بها فى وقت سابق، ففى عام 1998 قمنا بالحفر داخل نفس الموقع للبحث عن مداميك الهرم، أى أننا هنا أمام إعادة حفر موقع تمت دراسته من قبل. كما أنه ينبغى الأخذ فى الاعتبار حالة أحجار جسم الهرم نفسه حاليًا وما مرّ عليها من عوامل تعرية مختلفة لأكثر من ٢٥٠٠ عام، قبل التفكير فى البدء فى هذا المشروع الذى أعتقد أنه سيكون مخاطرة كبيرة ويمكن أن تؤثر هذه التجربة على سلامة الهرم. كما أن إزالة الحجارة من مكانها غير صحيح بالمرة، لأنها أصبحت جزء أساسى من تاريخ هرم منكاورع.

بالإضافة إلى أننا لا نعلم أصلًا إذا ما كان منكاورع قد أكمل الـ16 مدماكاً أم لم يستكملها حول أضلع الهرم الأربعة، «ولكن لو أردت معرفة رأيى فأنا متأكد أنه لم يكمل تشييد الـ16 مدماكاً حول أضلعه الأربعة، فأنا أرجح رأيين وهما أن منكاورع قد ترك الهرم على هذه الصورة ولم يكمله، أو أن عمال المحاجر فى فترة رمسيس الثانى قد تركوه على هذه الهيئة. أما بالنسبة للجانب الأيسر من الهرم والمحاط بالحجارة الملقاة على الأرض فهذا ما خلفه الملك العزيز عثمان بن يوسف نجل ووريث صلاح الدين الأيوبي، عندما حاول هدم الهرم. كما أننا لا يمكن أن نعيد استكمال أثر لا نملك أى صورة أو وصف له أو حتى توثيقًا له، والمشروع مخاطرة ومجازفة كبيرة جدًا على سلامة حجارة الهرم، وأنا أعتقد أن هذا المشروع لن يكتمل أبدًا».

خطوات قانونية
تتفق الدكتورة مونيكا حنا أيضًا مع ما ذكره منصور بوريك فى أن الهرم لم يتم تكسيته بشكل كامل، إذ ترى أن المشروع من الناحية المنهجية والبحثية خاطيء: «يجب أن يتم توثيق هذه الحجارة فى بداية الأمر ونشر النتائج والدراسات فى دورية علمية، كما أن أغلب النظريات ترجح أن الحجارة التى تحيط بالهرم لم تسقط أساسًا منه، بل كانت جزءاً من عملية بنائه والتى لم تستكمل فقد مات منكاورع قبل تكسية هرمه بشكل كامل، كذلك فابن صلاح الدين استخدم أجزاء من الهرم لبناء أجزاء من القاهرة التاريخية.

ترى مونيكا أن تركيب الأحجار على جسم الهرم سيضيع عنصر «الأصالة»، والذى يعد شرطًا أساسيًا لتسجيل المبانى والمواقع المدرجة على لائحة التراث العالمي؛ «لذلك أصدرنا بياناً للرأى العام المصرى حول خطورة هذا المشروع، كما أننا فى مرحلة الدراسة لاتخاذ خطوات قانونية إذا ما تطلب الأمر».

لا تتفق مونيكا حنا أيضا مع ما طرحه الدكتور مصطفى وزيرى بخصوص إمكانية دفن مراكب الشمس بالقرب من الهرم، إذ تشير إلى أنها على الأغلب لم تُدفن بالقرب من هرمه أية مراكب للشمس، نظرًا لأن بناء الهرم لم يستكمل أصلًا، كذلك فالمسألة إذا صحت لا تحتاج لحفائر إذ يمكن بسهولة جدًا الكشف عنها إذا كانت موجودة بالموقع، وذلك باستخدام المجسات خصوصًا أن مراكب الشمس من مواد عضوية «هذه أمور يعرفها أى طالب يدرس للآثار فى السنة الأولى؛ لذلك نريد أن يطلعنا الدكتور مصطفى وزيرى على قرار اللجنة الدائمة بالموافقة على الحفائر داخل هذه المنطق». 

مواثيق دولية 
الدكتور صالح لمعى عضو هيئة الإيكوموس باليونسكو وعضو مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار سابقًا يعتقد أن الفكرة من الأساس مخالفة للمواثيق الدولية التى حددتها اليونسكو. يقول: المشكلة الحقيقية هى أن الأحجار التى تدعى وزارة الآثار أنها سقطت فى وقت سابق، من الصعب جدًا تحديد موقعها على سطح الهرم ومطابقتها وإعادة تركيبها فى جسم الهرم، إذا صحت هذه الرواية أصلًا. كما أن الاستكمال من ناحية الترميم ووفقًا للمواثيق الدولية يجب أن يكون لحفظ الأثر، أما إذا كان عدم الاستكمال لا يؤثر على سلامة المبنى فيجب أن يترك كما هو والحفاظ عليه فقط،فهذا الموقع مدرج على لائحة التراث العالمي؛ وبالتالى فالتدخلات يجب أن تتم وفقًا لمنهجية علمية، ووفقًا لأسس الترميم الدولية، من خلال إشراك جهات مختلفة من العالم، وكذلك من خلال متخصصين، لا أن يتم الإعلان عن الأمر بشكل فردى من جانب مسؤول الآثار فى مصر.
    
قرارات فردية

محمد عبد المقصود الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار يؤكد على الأمر نفسه ويقول إنه لا يجب السماح بتمرير المشروع أو الموافقة عليه، وإنما ينبغى فقط الموافقة على دراسة الأحجار المحيطة بالهرم وهى عبارة عن كتل «غشيمة» أى من الصعب تركيبها أصلًا، كذلك فإن عددها غير كاف لاستخدامها فى الهرم، نظرًا لأن الموقع استخدم كمحجر خلال الحقب الماضية، ولا يوجد شخص يمكنه أن يجزم أن أحجار الهرم موجودة أصلًا بأسفله، كما أن إعادة بناء الأثر بهذه الطريقة يفقده قيمته، فهناك أشياء كثيرة نتركها كما هى والتدخلات فقط تكون للترميم إذا ما كانت معرضة لخطر حقيقى.

يرى عبد المقصود أننا حاليًا أمام مشكلة حقيقية نتيجة القرارات الفردية التى تتخذ بدون أى دراسة أو استشارة أى شخص. ويتساءل: كيف نعلن عن مشروع ضخم مثل هذا دون تقديم أى إجابات عن أية أسئلة يطرحها المتخصصون؟ ولماذا أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار عن مشروع مثل هذا دون دراسته أصلًا؟ وعلى أى أساس أطلق عليه مشروع القرن؟ فهذه الكلمة شؤم علينا جميعًا وأصبح المجتمع ينبذها أصلًا، فضلًا عن أن الموقع الذى وقف عنده الدكتور مصطفى وزيرى والذى أشار لوجود حفريات بداخله، هو نفسه الموقع الذى قام الدكتور زاهى حواس من قبل بالحفر داخله؛ أى أننا لم نأت بجديد فى هذه المرة؛ لذلك أرى أن المشروع مكتوب عليه «الفشل» قبل أن يبدأ، والاعتذار عما حدث واجب، فالحجارة الموجودة على الأرض معظمها حجارة «غشيمة» تحتاج لعمليات تنعيم قبل تركيبها؛ أى أن تركيبها أصلًا فى الوقت الحالى يعد انتهاكًا خطيرًا لطبيعة الأثر، وهو تزوير رسمى معناه استكمال بناء الهرم مرة أخرى بعد حوالى 4500 عام من بنائه، ففى هذه الحالة لا يمكن أن نعتبره أثرًا لأنه سيكون قد فقد أصالته.

وقف كامل
الدكتور طارق فرج خبير المصريات يقول إن الأحجار المتناثرة حول الهرم أغلبها غير مصقولة وقد رجح كل من العالم الألمانى بورخارت فى كتابه L. Borchardt, EinigeszurdrittenBauperiode der grossenPyramidebei Gise, Berlin, 1932. والعالم الأمريكى جورج رايزنر الذى قام بحفائر بالهرم وحوله ونشرها فى كتابه G. A. Reisner, Mycerinus, The Temples of the Third Pyramid at Giza، وقد وافقهما الرأى العالم الإنجليزى إدواردز فى كتابه I. E. Edwards, The Pyramids of Egypt, London, 1946، كما لم يعترض على افتراضهم أستاذنا المرحوم أحمد فخرى فى كتابه Ahmed Fakhry, The Pyramids, Chicago, 1961. وبناء على تحليل علماء الآثار فقد رأوا أن العمال المصريين قد جلبوا أغلب هذه الأحجار من المحاجر ووضعوها عند الهرم هكذا غير مصقولة حتى يتمكنوا فيما بعد من تسويتها ووضعها فى أماكنها خلال مشروع المجموعة الهرمية، وقد يكونوا قد اتفقوا على أنه ليست بالضرورة أن تكون من كسوة الهرم نفسه وإنما ربما كانت مهيئة لاستخدامها فى تكسية جدران معبد منكاورع الجنائزى الملاصق للهرم ذاته، صحيح أننا لا ننكر أن البعض منها يمكن أن يكون قد انزلق من كسوة الهرم بفعل الزلازل والظروف الطبيعية، لكن ليس كل ما هو موجود تحت سفحه هو من كسوة الهرم نفسه، وإذا نظر أى شخص بعينيه المجردة يتضح له أن أغلب الأحجار غير مصقولة وهذا ليس بسبب عوامل التعرية بالطبع كما يدعى البعض فهذه العوامل لم تنل من كتل الاحجار الجيرية فى الهرم نفسه مع العلم أنها أقل صلابة بنسبة عالية فما بالنا بالجرانيت وهو من الصخور النارية؟ ثم إن الملك منكاورع مات ولم يتم كساء هرمه كما رجح العلماء كما لم يتم معبديه الجنائزيين والوادى وإنما أتمهما الملك شبسسكاف كما أكد ذلك بنفسه خلال أحد نصوصه، ومعنى هذا أن الـ١٦ مدماكًا لم يستكملوا فى جميع جوانب الهرم، إذًا فالسؤال هو لماذا نفعل شيئًا لم ينجزه الأجداد؛ لذلك أطالب بوقف المشروع بشكل كامل، وأنا هنا ألوم على وزير الآثار الدكتور أحمد عيسى الذى لابد أن يستعين بالمتخصصين فى هذه الأمور. 

أسئلة
الدكتور فكرى حسن أستاذ المصريات بجامعة لندن وجامعة واشنطن طرح مجموعة من الأسئلة حول إشكالية هرم منكاورع إذ يقول: وجهة نظرى أننا فى هذه الحالة أمام ثلاثأسئلة ينبغى أن نطرحهم على أنفسنا: ما هو الغرض من عملية تكسية الهرم فهل هو متهالك وهذه العملية ستساهم فى تثبيته؟ أم هل سيساعد المشروع فى جلب المزيد من السياح؟ أو هل له مردود علمى محدد؟ والإجابة على السؤال الأول هى أن الهرم لا يحتاج لعمليات ترميم، أو عمليات استكمال، وهذا يطرح علينا سؤالًا آخر مفاده: هل يمكن أن نقوم بعملية إعادة تلوين للمقابر التى فقدت ألوانها؟ فالإجابة بالطبع لا، لأن الزمن وما يفعله بالأثر من تغيرات هو ما يعطى للأثر قيمة؛ أى أن عنصر الأصالة هو شرط أساسى فى تحديد المسألة، فإعادة بناء الهرم بالشكل المقترح سيفقد المبنى قيمته. أما الجانب السياحى من المشروع.. فالمشروع المقترح لن يضيف شيئًا لمنطقة الأهرامات لأن العالم كله يعرف هذه المنطقة. أما الشيء الأخير وهو يخص المردود العلمى للمشروع، فالمشروع ليس له أى مردود علمي؛ وبالتالى ينتفى الغرض بشكل كامل عن هذا المقترح. 

يرى فكرى حسن أن الشيء الأهم الذى يجب أن تتبناه الوزارة هو مشروع آخر لتعريف الناس بالأهرامات وتاريخها، إذ ينظر لها دائما من زاوية طريقة بناءها، لكن كثيرين يجهلون علاقة الأهرامات بالدولة، والنظام، والدين، فضلًا عن التغير الذى حدث فى ذلك الوقت، فحتى الآن لم يتم تقديم التفسيرات الكاملة حول الأهرامات؛ لذلك الأجدى عمل خطة لإدارة الموقع وتعريف الناس بشكل حقيقى بقيمة الأهرامات، خصوصًا أننا لا نملك أى وثيقة تاريخية أو علمية تؤكد على أن كساء الهرم قد سقط، ولنفترض أنه سقط رغم عدم اقتناعى بهذا الرأي، فالمعروف أن أى تدخل تاريخى يصبح بمرور السنوات جزءاً من الأثر نفسه؛ لذلك ينبغى عدم التدخل فى الهرم، فمحاولة هدم هرم منكاورع فى عهد الأيوبيين صاراً جزءًا من التاريخ ومن تاريخ الأثر نفسه، لأننا لو اتبعنا نفس المنهج فى المواقع الأثرية الأخرى سيعنى ذلك أننا بمرور الزمن سنفقد الصفحات التاريخية للأثر ويتبقى فقط عندنا الشكل المتخيل للأثر، وذلك نظرًا لأننا لا نملك أى إثبات حول الشكل الأصلى الذى كان عليه.

يرى فكرى حسن أن المشكلة حاليًا داخل وزارة الآثار هى اللجنة الدائمة سواء المختصة بالآثار الإسلامية أو المصرية. يقول: فى غالب الأمر رأيها يكون وفقًا لأهواء وآراء المهيمنين على الأمور داخل الوزارة، ولكن بغض النظر عن اللجنة الدائمة فأهم شيء فى المسألة هو الرأى العام المدني، فهناك مواطنين ومفكرين يرفضون المشروع، وهذا أمر يخص كل المصريين؛ لذلك من حقهم أن يعبروا عن رأيهم وأن تأخذ الوزارة بهذا الرأى.