«آخرها الحساء».. لماذا تُغضب اللوحة الأشهر بالعالم نشطاء المناخ؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

دخلت ناشطتان بيئيتان إلى متحف اللوفر الباريسي كأي زائر عادي، وفي خضم استكشافهما للمتحف، حدث شيء غير متوقع عندما أخرجتا حساء اليقطين الذي كانتا تستمتعان به في ترمس القهوة، وغافلتا الجميع باستهداف لوحة الموناليزا تعبيرًا عن احتجاجهما بطريقة خاصة لتسليط الضوء على ضرورة حماية البيئة.

وبعد رمي الحساء على لوحة الموناليزا في متحف اللوفر، وقفت الناشطتان على جانبي اللوحة، وهما يهتفان "ما هو المهم؟ ما هو الأهم؟ الفن أم الحق في غذاء صحي ومستدام؟ نظامنا الزراعي مريض، ومزارعونا يموتون أثناء عملهم، ثلث الفرنسيين لا يتناولون وجباتهم الغذائية كاملة كل يوم".

حالة لوحة الموناليزا

وتنتمي الناشطتان إلى منظمة الاستجابة الغذائية، التي تعرف بأنها حملة مقاومة مدنية فرنسية تسعى إلى إحداث تغيير جذري على المستوى المناخي والاجتماعي، فيما أصدرت المنظمة بيانًا أوضحت فيه أن هذه الخطوة تهدف إلى تسليط الضوء على ضرورة حماية البيئة ومصادر الغذاء.

ورغم أن الشرطة في باريس اعتقلت الناشطتين، إلا أن متحف اللوفر يعتزم تقديم شكوى بخصوص الحادثة، ونددت وزيرة الثقافة الفرنسية بالواقعة، معتبرة أن لوحة الموناليزا تعتبر تراثًا وملكًا للأجيال المقبلة، معلقة: "لا معلومات لدي بأن موناليزا هي أكبر مسبب للتلوث في فرنسا"، وتسائلت عن مغزى هذه الخطوة الاستعراضية.

وفي الجهة الأخرى، انصدم الزوار الذين كانوا يستمتعون بجمال اللوحة، وسألوا بدهشة إذا كان يسمح بإدخال الطعام في المتحف، ليتأكدوا بأن متحف اللوفر يسمح بإدخال الطعام عند مدخل الموقع، وقد تراجع في الماضي عن حظر إدخال الطعام، خاصة بسبب إمكانية شراء الطعام داخل المتحف،  بحسب "العربية" الإخبارية.

أما عن حالة اللوحة، فهي لم تتعرض لأي ضرر، لأنها تم وضعها خلف واجهة عرض آمنة بعد حادثة ماضية ألقى فيها شخص حجرًا عليها عام 1956، ومنذ تلك الحادثة، تم وضع اللوحة خلف زجاج مصفح محمي بصندوق خاص يتم التحكم فيه بواسطة رطوبة ودرجة حرارة محكمة منذ عام 2005. 


تاريخ حوادث لوحة الموناليزا

وتعرضت اللوحة، التي يزورها الملايين كل عام، للرشق بقالب حلوى بالكريمة في عام 2020، أما في عام 2009، تعرضت اللوحة لرشق بفنجان شاي فارغ، ورغم كل هذه التحديات، إلا أن الموناليزا استمرت بابتسامتها الشهيرة، وحوفظ على رونقها منذ القرن الـ16.

وفيما يتعلق بالحادثة الأخيرة، فإن بعض نشطاء البيئة يسعون إلى تخريب الأعمال الفنية الشهيرة في متاحف عالمية لجذب الانتباه إلى القضايا ذات الأولوية في نظرهم، والتي لا تحظى بالاهتمام الكافي من قبل العالم والحكومات. 

وتم تبني عملية تخريب الموناليزا بواسطة مجموعة تُعرف باسم "ريبوست أليمنتير"، التي تصف نفسها بأنها "حملة مقاومة مدنية فرنسية تهدف إلى إحداث تغيير جذري في المجتمع على المستوى المناخي والاجتماعي".

وتأتي هذه الخطوة في سياق "حملة التجديد الأخيرة" التي أعلنت عن تحركات للمطالبة بـ "خطة تجديد حراري للمباني تتناسب وحالة الطوارئ الحالية"، وأشارت المجموعة المسئولة عن هذا التحرك إلى أن إلقاء الحساء على الموناليزا يشكل "بداية حملة مقاومة مدنية، تحمل مطلبًا واضحًا ومفيدًا للجميع: الضمان الاجتماعي للغذاء المستدام".

وفي إطار أوسع، شهدت حركات العصيان المدني مؤخرًا تعطيل أحداث رياضية وعرقلة حركة المرور في بلدان غربية، وذلك احتجاجًا على تقاعس الحكومات والعالم الاقتصادي في التعامل مع أزمة المناخ، وتظهر هذه التحركات الفنية كجزء من استراتيجية شاملة لجذب الانتباه إلى القضايا البيئية والمطالبة بتبني إجراءات فورية وفعّالة.

«مشهد متكرر» حول العالم

استهدفت سلسلة عمليات في الأشهر الماضية أعمالًا فنية في متاحف عدة حول العالم، مما يبرز رغبة هؤلاء النشطاء في التأثير على الوعي والحوار حول قضايا البيئة والاستدامة.

وفي أكتوبر عام 2022، قامت شابتان بفعل غير تقليدي في متحف "ناشونال جاليري" في لندن، حيث قامتا بإفراغ علبتي حساء الطماطم على تحفة الفنان فان جوخ المعروفة باسم "دوار الشمس"، وكتب على قميصيهما شعار "Just Stop Oil" أو "أوقفوا النفط"، ورغم حماية اللوحة بزجاج واق، لم يمنع ذلك الشابتين من التعبير عن رأيهما بطريقة مثيرة، بعد إفراغ الحساء، لاصقتا نفسيهما بالحائط وصرختا: "أيهما أكثر قيمة؟ الفن أم الحياة؟"، وألهبت تلك اللحظة نقاشا حول التوازن بين قضايا الفن والبيئة.

ولم يكتف النشطاء بلندن فقط، بل تجاوزت حوادث العصيان الفني حدودها، حيث ألصق ناشطون أيديهم على لوحة للفنان جويا في مدريد، ورشّ آخرون طلاء أحمر وأسود على قفص زجاجي يحيط بلوحة ديغا "الراقصة الصغيرة ذات الأربعة عشر عامًا" في واشنطن، ولم تكن لوحات كبار الفنانين محمية من هذه التحديات أيضًا، حيث ألقى ناشطون عصير تفاح على تحفة لكلود مونيه في بوتسدام قرب العاصمة الألمانية برلين.