أصل الحكاية| «لصوص الفراعنة» أول عملية نهب للآثار في مصر

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أكد الباحث الآثارى الدكتور حسين دقيل المتخصص في الآثار اليونانية والرومانية، أن المتتبع للأحداث الكبرى التي مرت بها مصر عبر تاريخها الطويل يتبين له بما لا يدع مجالا للشك، أنها كانت مطمعا لكل المعتدين قديما وحديثا، وكانت آثارها من أهم أسباب تلك المطامع لما تتفرد به عن غيرها.

فقد تعرضت آثار مصر للنهب والتخريب في كل عصورها، بل وتعرضت للسرقة والتشويه منذ العصر الفرعوني نفسه، وكان ذلك ناتج لأسباب عدة منها، الجوع الذي كان يتعرض له الفقراء منهم، والذي كان دافعا لهم نحو سرقة المقابر بما تحتويه من كنوز، واعتبروا أنفسهم أنهم أولى بها من الأموات، كما شوهت الآثار في مصر القديمة من خلال الملوك اللاحقين الذين أرادوا أن يزيلوا عن سابقيهم كل ذكرى، وقد حدث ذلك مع آثار حتشبسوت وتوت عنخ آمون وغيرهما، وجاء اليونان إلى مصر فحافظوا على آثارها إلى حد كبير؛ فقد كانوا أهل فن وذوق، على عكس الرومان الذين أساءوا إلى الآثار المصرية بشكل غير مسبوق، وظلت آثار مصر في العصور التالية، وما تزال تتعرض لعمليات النهب والتخريب وهذا ما سنحاول الكشف عنه من خلال هذا الفصل؛ الذي أسميناه: لصوص الفراعنة.

أول عملية نهب للآثار في مصر

حرص المصري القديم علي الحفاظ على مقبرته والإبقاء عليها في حالة جيدة وذلك لإيمانه بالحياة الأبدية الخالدة ما بعد الموت‏، وعمل على تأمينها بكل الطرق التي توهم أنها لن تتيح لـ "لصوص المقابر" الوصول إليها والعبث بها؛ ولكن هيهات فقد استطاع محترفو السرقات الوصول إلى العديد من تلك المقابر ونهبها، وخاصة مع بداية حكم الأسرة العشرين؛ حين تبعثرت ونُهبت مومياوات العديد من الملوك والكهنة في البر الغربي بالأقصر؛ رغم أن هذا المكان كان أكثر أمانا في الحفاظ على مقابرهم التي ظلوا يدفنون فيه موتاهم لمدة 400 عام كاملة.

بردية فرعونية ترجع لعهد رمسيس التاسع

وهناك بردية فرعونية ترجع لعهد رمسيس التاسع (حكم 1129 -1111 ق.م)، تحدثنا عن أول عملية نهب للآثار؛ تمت في عاصمة الدولة حينها؛ في مدينة طيبة (الأقصر حاليا)؛ والأعجب أن القائمين على هذه السرقة كانوا من مسؤولي الدولة حينها.

تحكي البردية، أن "باسر" حاكم طيبة الشرقية وصلته ذات يوم أخبار تفيد بسرقة مقبرة الملك "سخم رع شد تاوي" بطيبة الغربية، فباشر التحقيق فيها متعديا على اختصاصات "باورو" حاكم طيبة الغربية فقد كان يشك في أنه وراء عملية السرقة.

واستخدم "باسر"، وسائل غير مشروعة لانتزاع اعترافات من المتهمين، ورفع الأمر إلى الوزير المحلي "خع إم واست"، الذي أعاد التحقيق مع المتهمين، فأنكر المتهمون اعترافاتهم السابقة، وأصروا على براءتهم من كل التهم الموجهة إليهم، فأسقط الوزير التهم، ولربما كان هو أيضا مشاركا في الحادثة! 

لكن "باسر"، طالب بإعادة التحقيق في سرقة المقبرة وإلا سيرفع الأمر إلى الفرعون نفسه، وبعد إلحاح تم إعادة التحقيق مرة أخرى من خلال الوزير الجديد "نب ماعت رع ناخت"، فتم استجواب خمسة وأربعين متهما؛ اعترفوا جميعا بعد أن ضُربوا ضربا شديدا، وكان من ضمن المتهمين "حامل مبخرة معبد آمون"؛ و"كاتب الجبانة" الذي اعترف بعد الضرب والجلد فقال: "كفى!.. سأعترف هذه الفضة هي كل ما أخذناه. وخلاف ذلك لم أرَ شيئا"، والأعجب أن هذه البردية التي تبرهن أن سرقة الآثار ما كانت لتتم إلا بتغطية من قبل المسؤولين، تم سرقتها هي أيضا وبيعها مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي!

ومما يدل أيضا على أن سرقة الآثار في مصر قديمة، أن "هوارد كارتر" عند اكتشافه مقبرة توت عنخ آمون عام 1922، حكى أنه لاحظ أن سرقة تمت بالمقبرة بالرغم من أنها لم تفتح منذ العصر الفرعوني، واتهم عمال دير المدينة الذين كُلفوا بأعمال بناء تلك المقابر في حينها. 

كما أن المخبأ السري الموجود بالدير البحري بالأقصر؛ لهو دليل دامغ على ذلك فقد نقل الكهنة مومياوات الفراعنة وكدوسها فيه بعد أن أعيتهم الحيل في منع السرقات، وظل هذا المخبأ محفوظا بما فيه حتى تم اكتشافه عام 1871، على يد عائلة عبد الرسول، التي سيأتي الحديث عنها لاحقا.

وهذه الخبيئة، أطلق عليها بعد ذلك المقبرة 320 بالدير البحري بالبر الغربي لنهر النيل بالأقصر، وقد ضمت المومياوات والتجهيزات الجنائزية لأكثر من خمسين شخصية فرعونية عالية المقام ما بين ملوك وملكات وأمراء ونبلاء من أسرات مختلفة تناوبت على حكم مصر.