«عذراء الميدان» قصة قصيرة للكاتب علاء الدماصي

الكاتب علاء الدماصي
الكاتب علاء الدماصي

خفت الظلام وشقشق ضوء الفجر .. وفتحت عينيها على الحلم الذي رأته من النافذة المطلة علي ميدان التحرير؛ استهلت يومها بصلاة الصبح ثم بدأت حديثها مع والدها حول حلم التغيير ومدى نجاح يوم الغضب الذي شارك في الدعوة إليه زملاء لها في الكلية عبر "الفيس بوك" وكان والدها يعبر في حديثه عن الأمل الممتزج بالقلق ...يحثها على المشاركة.. بينما كانت أمها تحاول منعها قلقا.

 

عبير.. عيناها جميلتان .. ووجهها أبيض مشرق كالشمس لحظة الصباح.. ترتدي "إيشارب "حرير أحمر اللون...وكانت تمشي على استحياء.. بصوتها الهادئ تحمل جمالا فوق جمالها؛ خطواتها ثابتة وهي تنادي بالحرية والعدالة والمساواة وسط زملائها ورفقائها الثائرين؛ كانت عنوانا للإصرار والإيمان بالقضية الوطنية والقوة والرقة في ذات الوقت؛ فكان صوتها العذب الرقيق الهادىء يعبرعن أنوثتها الطاغية وحيائها الممتزج بالشجاعة.

كل هذه المعاني الجميلة وغيرها كانت السهم الذي اخترق قلب وعقل باسم وخطف قلبه وسلب عقله وطار بروحه إليها؛ كأنه رأى طيفا يعرفه وروحا تألفه؛ في لحظات تحولت مشاعره إلى طاقة جارفة تمحنه قوة وتشعره بمعنى الحياة التي جاءإلى الميدان راغبا في تركها "راغبا في الشهادة". ...

باسم الذي تخرج في كلية الإعلام ولم يجد في الصحف المصرية طاقة لاستيعاب صوته المعارض وقدرة على تحمل بطش نظام أغلق أفواه المعارضة الحقيقية وقصف أقلام حاولت أن تصرخ على الأوراق تعبيرا عن الظلم والاستبداد.

 بدأ باسم يشعر بالعودة للحياة ويتحمل القنابل المسيلة للدموع والاعتداءات التي كانت توزع على الثوار؛ وبدأ يقترب منها ليحميها؛ وجاء القدر بأحد " البلطجية " الذي حاول سحل عبير فاندفع كالمجنون وسط الزحام ونكل بالبلطجي وسلمه لرفقائة من الثوار لكي يعطوه نصيبهم من الإنتقام.

حدقت عيناها في عينيه وقالت: أشعر بأني أعرفك من قبل.. رد وقلبه يهتز بداخله: نعم تقابلنا في أحلامنا وكانت روحي تحدث روحك طوال الأعوام الماضية.. تلاقت الروحان وتجاذب القلبان .. بدأت قصة الحب في أولى لحظات التعارف.. فأعينهم نطقت بالحب وقلوبهم نطقت بالحب وأرواحهم شهدت بهذا الحب.

كان بركان السعادة داخل باسم أقوى من الصمت مما دفعه للاعتراف بمشاعره؛ أما عبير دفعتها السكينة والارتياح وحب باسم في قلبها إلى الاعتراف لباسم بأنها كانت تراه في أحلامها التي كانت تبدأ بسعادة وتنتهي بكابوس إلا أنها تتذكر الحلم ولا تتذكر الكابوس؛ وبدأ يتحدثان عن حلم التغيير وأملهم في نجاح الثورة؛ ويدعون حشودا من أصدقائهم إلي الميدان؛ وفى يوم السابع والعشرين اتفقا علي الارتباط بعد نجاح الثورة وإسقاط النظام وتسمية أول مولود "ثائر"وأول مولودة "حرية"؛ وجاء يوم الثامن والعشرين ورصاصات الحقد تنهمر......

كانت رصاصات الحقد تتدافع عليهم كالأمطار والجمال تطوقهم والأسلحة البيضاء تندس داخلهم لتفرق شملهم ... ملأ صوت باسم الميدان غضبا حين انغرس في قلب صديقه سكين نفذ إلى قلبه.. بينما انهمرت دموع عبير على أرضية الميدان ودم صديقتها "سناء" يسيل بين يديها.. انسلخ باسم من بحر الدماء وهجوم البلطجية وبدأ يبحث عن عبير التي وجدها غارقة في الدماء بعد إصابتها برصاصة الغدر , وهي تهمس باسمه فتفجر نهرا من البكاء من عيني باسم وحملها على يديه وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وتقول له بصوت خافت: "لاتبك سنلتقي في الجنة".. وبمجرد أن صعدت روحها من الميدان إلى السماء اشتم باسم رائحة دم عبير المتناثر على يديه فوجدها رائحة المسك..