إصلاح السلطة الفلسطينية وحل الدولتين عقبات في طريق التسوية السياسية

الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحوار مع وزير الخارجية الأمريكي حول ترتيبات المرحلة القادمة
الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحوار مع وزير الخارجية الأمريكي حول ترتيبات المرحلة القادمة

في التاريخ ليس هناك حروب دائمة وإن طالت، فكما لها بداية أيضا لها نهاية، صحيح أن العدوان الأخير الإسرائيلي على قطاع غزة هو بالفعل هو الأطول من ، كما أنه ثالث أكثر تهديد للمنطقة وتجاوزت آثاره القطاع إلى عموم فلسطين ومنها الضفة والقدس واتخذ بعدا إقليميا بوصول التوترات والتصعيد إلى جنوب لبنان والعراق وسوريا وكذلك اليمن والبحر الأحمر إلا أن هذا كله لا ينفى على الإطلاق أن خطورة مرحلة ما بعد الحرب هي أكثر من يوميات الحرب ذاتها فلم يعد خافيا على أحد أن المنطقة ستختلف عما قبل طوفان الأقصى ومع ذلك العنوان الأكبر هو البحث فى شكل التسوية بعدها واليوم التالى للمنطقة وسط تعارض شديد بين مواقف الأطراف الرئيسية والفاعلة في المشهد برمته، إسرائيل وسط خلافات داخلية داخل تركيبة الحكم فيها وأمريكا والطرف الفلسطينى بشقيه جماعات المقاومة والسلطة الوطنية الفلسطينية نتوقف عند قضيتين هما الأبرز وهما إصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية والثانية حل الدولتين والأمر يحتاج الى مزيد من التفصيل تجاه كل قضية منهما وهو كالتالي: 

أولا: إصلاح السلطة الفلسطينية وحقيقة الأمر أن القضية كانت مطروحة وعلى لسان الرئيس الأمريكى جون بايدن منذ الأيام الأولى للحرب عندما تحدث فى تصريحات معلنة عن مواصفات خاصة لسلطة مختلفة سيكون مهمتها امتداد سلطتها من غزة إلى الضفة والهدف كما هو معروف استعداد أى دور لحماس فى حكم غزة حماية لأمن إسرائيل وكان الطرح غريباـ فهو استباق أصلا لنتائج المواجهة التى طالت أكثر من توقعات الكل بما فيها الطرف الأمريكي الذي بدأت أصواته ترتفع احتجاجا على التزايد فى الخسائر البشرية وتجاوز إسرائيل لنصائح وضغوط واشنطن بتغيير شكل الهجمات الإسرائيلية وتفادى استهداف المدنيين بقدر الإمكان وقد تم طرح الفكرة فى جولات وزير الخارجية الأمريكى انتونى بلينكن الخمس فى المنطقة وناقشها مع قادة عرب وبالطبع مع الرئيس الفلسطينى  محمود عباس عندما التقاه مؤخرا فى رام الله منذ أسابيع قليلة. كما قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومى إن حكم الضفة وغزة بحاجة الى ربطه تحت سلطة فلسطينية خضعت للإصلاح والتقويم. 

 وقد اقترحت أمريكا إعداد قوة أمنية وشرطة محلية مع إضافة منصب نائب للرئيس وتعيين رئيس وزراء تكنوقراط بصلاحيات كاملة مما يعنى استبعاد أى دور أساسى للرئيس عباس فى المرحلة القادمة مع إجراء انتخابات نيابية ورئاسية فى أقرب وقت، كما تطرح أفكارًا تتعلق بتمكين المجتمع المدنى وإصلاحات لمكافحة الفساد.  ويوجه الطرح الخاص بإعادة وإصلاح السلطة الفلسطينية بتباين شديد بين الأطراف الرئيسية كالتالى: 

١- إسرائيل حيث ترغب تل أبيب فى استمرار احتلالها للقطاع أو على الأقل استمرار وجودها العسكرى وهناك تصريح لنتنياهو شخصيًا قال فيه لم ندخل قطاع غزة لتسليمها فى نهاية الأمر إلى السلطة الفلسطينية وقد ذكر مستشار الأمن القومى الإسرائيلى سنقبل بدور للسلطة بعد الحرب فى حال وجود إصلاح جوهرى بها فى تناقض جوهرى مع تصريحات نتنياهو مما يمثل تخبطا إسرائيليا وعدم وجود أى مخطط لها تجاه هذا الأمر والذى ظهر فى التأجيل المستمر لبحث مجلس الحرب الإسرائيلى ترتيبات هذه القضية أكثر من مرة وسط ضغوط من وزراء اليمين شركاء نتنياهو فى التحالف الوزارى الذى يحمى استمراره فى رئاسة الحكومة وقد طرحت  العديد من الأفكار ومنها  تشكيل مجلس من تكنوقراط ليس له انتماءات سياسية يدير الشئون المدنية واليومية للمواطنين وهو ما تم رفضه خاصة أنها لن تجد أصلًا من يقبل بمثل هذا الدور من ألف فى سلطة فلسطينية فى غزة على مقاسها ووفقا لشروطها تستنسخ تجربتها المريرة فى الضفة الغربية تتحول فيها قوات الأمن الفلسطينى لخدمة وحماية إسرائيل وتمنع أى هجمات عليها وتمتنع على القيام بأى تحريض من أى نوع ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلى على المستوى الدولى وتساهم فى إنشاء جيل فلسطينى يقبل بالاحتلال الإسرائيلى بمعنى آخر فإن إسرائيل ترفض أى دور حقيقى للسلطة وتقبل ببديل مدنى وإتاحة الحرية كاملة لها لحماية أمنها.

الموقف الفلسطينى: يبدو الموقف الفلسطينى خاصة فى السلطة غير رافض من حيث المبدأ لفكرة الإصلاح ولكن وفقًا لرؤية خاصة بها وليست نتيجة إملاءات وقد قال الرئيس محمود عباس فى تصريحات رسمية أن السلطة ليست بعيدة عن غزة حتى تعود لها فلها ثلاثة وزراء هناك كما أنها حريصة على دفع حصة القطاع من أموالها التى تحصلها إسرائيل من الضرائب الفلسطينية إلى ما قبل العدوان الإسرائيلى وقال نقبل بدور فى إدارة الأمور فى غزة فى إطار رؤية سياسية متكاملة تسعى إلى حل الدولتين ومن جهته قال رئيس الوزراء الفلسطينى محمد اشتيه بأن السلطة مستعدة لإدارة غزة بعد الحرب بشرط انسحاب إسرائيل الكامل منها وأضاف لن ندخلها على ظهر دبابة إسرائيلية وتوكد السلطة على لسان المتحدث باسمها السلطة الوطنية الفلسطينية نبيل أبو ردينة قال إن أى إصلاحات للسلطة تأتى وفقا لرؤية فلسطينية دون أى إملاءات من أى جهة خارجية نتيجة رغبة فلسطينية.

القضية الثانية حل الدولتين: ولعل هذه القضية هي الأهم بالنسبة لأطراف عديدة خاصة أن هناك رغبة أمريكية واضحة في تمرير الأمر وهذا واضح من كل التصريحات التى خرجت من كبار المسئولين الأمريكيين خلال الأشهر الماضية وسط حالة خلاف شديدة بين واشنطن وتل أبيب حول الأمر وهو ما اعترف به المتحدث باسم مجلس الأمن القومى كيربى الذى أشار الى ذلك وقال هناك نظرة وتقييم مختلف بين الطرفين حول ذلك ولعل الجديد فى الأمر  دخول الطرف الأوربى على خط المطالبة بذلك وآخرها الأسبوع الماضى خاصة بعد أن تم عقد اجتماعات منفصلة بين وزراء الاتحاد مع وزير خارجية إسرائيل وآخر ضم وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية وهى بمثابة رؤية متكاملة لما بعد العدوان وتتضمن عشر نقاط وتشمل قيام دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع إسرائيل مع قيام الجهات الدولية الفاعلة على إعداد أرضية للسلام وبناء بديل سياسى متجدد لحماس مع عقد الأطراف المعنية مؤتمرا تحضيرًا للسلام فى أقرب وقت بهدف تسوية الحرب في غزة على مستوى وزراء الخارجية ومديرى المنظمات الدولية وذلك للإعداد لخطة سلام كامل خلال مدة عام بناء على العناصر الأساسية لقرارات الشرعية الدولية مع توفير ضمانات أمنية لإسرائيل والدولة الفلسطينية مع الاعتراف الدبلوماسى الكامل بينهما .

وتتفاوت المواقف بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى على ذلك، الأول يتعامل مع القضية بعين الشك فى قدرة واشنطن على تمرير الفكرة خاصة أنها لا تملك وليس لديها الإرادة السياسية للضغط على تل أبيب، وقد قالها أبو مازن صراحة لوزير الخارجية الأمريكى  عندما أشار الى عدم قدرة واشنطن على الضغط على تل أبيب لتقوم بدفع الأموال الفلسطينية الى السلطة فهل هى قادرة على تمرير فكرة الدولتين وهناك شعور عام لدى الطرف الفلسطينى ومنها حماس على أنها مجرد خلق أوهام لدى الشعب الفلسطينى وطرح أفكار لا تملك القدرة على تمريرها خاصة أن هناك اجماعا اسرائيليا تاريخيا على رفض فكرة الدولتين، ظهر هذا من اتفاقية أوسلو التى تجنبت فيه أى ذكر لكلمة الوطنية فى الإشارة إلى السلطة الفلسطينية، كما أنها هى من أفشلت مفاوضات الحل النهائى الذي نصت عليه الاتفاقية وكان مقررا له استمرار البحث فى قضاياه خلال خمس سنوات من الاتفاقية، كما أن الاتفاقية استندت الى قرارات مجلس الأمن ومنها القرار ٢٤٢ الذى لا يتضمن الاشارة الى دولة، يضاف الى ذلك أن قيام دولة فلسطينية يتنافض مع جوهر الفكر الصهيونى وأرض الميعاد، ولعل السؤال الأبرز ما حدود هذه الدولة وقد سعت إسرائيل منذ اتفاقية أوسلو وحتى الآن تغيير خريطة الضفة الغربية والقدس وزرعها بالمستوطنات غير الشرعية وعددها بالمئات مع وجود أكثر من ٨٠٠ ألف مستوطن فهل تجرؤ أى حكومة إسرائيلية قادمة على التفكير مجرد التفكير فى المس بهم.      

وبعد فإن الأمور تبدو صعبة وقد تكون مستحيلة ودعونا ننتظر لنرى ماذا بعد أن تتوقف المدافع .