«علامات».. قصة قصيرة للكاتب سيد جعيتم

سيد جعيتم
سيد جعيتم

 قال الطبيب المعالج:  ـ حققوا كل مطالبها لا تحرموها شَيئًا

كان كمن يَبْلُغُنَا بصدور حكم بالإعدام، عَلِمْتْ بِقَوْلِهِ، قالت: أشْتَاقَ إلى لقاء ربي، وليس كل الشوق موتًا.

 

لم تفارقها بسمتها، تُداعبنا وتخفف عنا دعت :- اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا لي..

 

مر عام منذ أن رقدت طريحة الفراش، نتحدث فتذكرنا بالراحلين من الأحبة، وعندما تصمت، نعلم أنها  تخترق العوالم، تهمس باسم أبي، وعلامات الرضا تكسو وجهها.

تترنم بصوتها الجميل:  قولي إيه حلو في حياتي وأنت غايب عن عينيا.

تبكي فتبكينا، ما أَجْمَلَكِ يا أمي!

صائمة رغم نصيحة الأطباء..

 الليلة تباشيرها مختلفة، سكون الريح غزا قلبها بالاطمئنان وانشرح صدرها، دعت ربها كثيرًا، داعب النوم جفونها مع تباشير الصباح..

 

كأنني أراها منذ سنوات..

نور  وجهها يُخْفِي تجاعيد الزمان، شعرت بي أُقَبِّل جبينها،

 دعت لي بالخير:  لَا تقلق يَا بُنَي؛ !ن الله عند حسن ظن عبده به ، نِعْمَته  تسري فِي جَسَدِي.

أجلستها على كرسيها، دفعته إلى الحديقة، جالت ببصرها في جمال خلق الله.

 حدثتني:  سمعتك بالأمس تقرأ عن الحجاج بن يوسف الثقفي..

: نعم كنت أقرأ قول عمر بن عبد العزيز عنه :

 (لو تخابثت الأمم فأتت كل أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج وحده لغلبناهم)

ـ لم يدخل أحد يا بني في علم الله، رغم بطشه وقساوته كانت له محاسنه، ثم تلت الآية الكريمة- (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم) التوبة 102

 

 وقد دعا ربه وهو على فراش الموت: (اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل)

 انتابني الخوف أهي صحوة الموت؟!

أتيتها بكل ما تحبه، لزمت قدميها، أطالبها بالدعاء لي، تدعو لي وللجميع..

مر شهر تحسنت كثيرًا، حتى تعجب الطبيب، رددت:  وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ،  فمن للعبد غير الله يدعوه؟

 

 أمنيتها أن يفتح الله عليها بالبكاء أمام مقام رسوله، وأن ترطب عينيها بالصلاة في بيت الله..

 

يعتريني شعور بأني سأعود وحدي، فكمْ دعوة دعت بها أن تدفن في البقيع، اصطحبت معنا كفنها الذي اشترته وأوصتنا أن تكفن به..

 

في مطار القاهرة، تجمع الأهل والأصدقاء في الانتظار.