الصهيونية والبحر.. واستراتيجية الفصل

صورة موضوعية
صورة موضوعية

منذ قيام المشروع الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر، واختياره احتلال فلسطين وسلب هويتها العربية لجعلها مكانا لتجميع شتات اليهود، والبحر الأحمر يلعب ركنا أساسيا فى الاستراتيجية الصهيونية، لأن الموقع على هذا البحر يسمح لإسرائيل بتحقيق جميع المخططات الاستعمارية للدول الغربية الكبرى بمنع تحقيق أي اتصال برى بين بلاد العرب فى الشق الآسيوى والشق الأفريقى، كما يسمح وجود منفذ على البحر الأحمر للمصالح الاستعمارية بلعب دور فى تهديد البحر الذى يعد بحرا عربيا إسلاميا خالصا.

ما إن تأسس الكيان الصهيوني، حتى سارعت القوات الإسرائيلية لاحتلال أم الرشراش العربية، وتحويلها إلى ميناء إيلات فى 1949، وبذلك أصبح للصهيونية ميناء بطول سبعة كيلومترات يطل على البحر الأحمر، أى نجحت الصهيونية في تحقيق فكرة العزل الجغرافي الكامل بين بلاد العرب، وتمكنت من إيجاد منفذ على البحر الأحمر، وقد عــبر عن هذه الاستراتيجية صراحة بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، قائلا في إحدى خطبه: «إن سيطرة إسرائيل على نقاط فى البحر الأحمر هى ذات أهمية قصوى، لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الهروب من أى محاولات لمحاصرتها وتطويقها، كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكري لمهاجمة أعدائنا في عقر دارهم قبل أن يبادروا إلى مهاجمتنا».

وترى شيماء منير، الباحثة بمركز الأهرام للدراسات، فى دراستها (الاستراتيجية الإسرائيلية فى البحر الأحمر وتحولات الصراع على الملاحة)، أن إسرائيل أدركت أهمية البحر الأحمر منذ وقت مبكر، وضرورة السيطرة على النقب وأم الرشراش ليكون «هدفها الرئيس بعد ذلك التصدى لمحاولات تحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية يمكن حال قيام حرب مستقبلية غلق نقاطه الاستراتيجية فى وجه الملاحة من إسرائيل وإليها».

◄ اقرأ أيضًا | ما قاله التاريخ عن أطماع الاستعمار في «البحر»

الاستراتيجية الصهيونية منذ البداية بنيت على ضرورة التواجد فى البحر الأحمر، وضمان حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية وهو ما عبر عنه موشى ديان فى 1955، إذ قال إن إيلات هى بوابة إسرائيل إلى آسيا وأفريقيا، لذا قبلت إسرائيل الانسحاب من سيناء بعد احتلالها ضمن العدوان الثلاثى على مصر فى 1956، مقابل ضمان حرية الملاحة لها فى مضائق تيران على مدخل خليج العقبة، لكن الأزمة استمرت بسبب تفسير حق الملاحة فى خليج العقبة وحق مصر فى إدارة مضائق تيران بما يعنى منع السفن الإسرائيلية فى العبور.

وفي 16 مايو 1967 أدى انسحاب قوات الطوارئ الدولية من شرم الشيخ، بناء على طلب مصرى، ثم إغلاق مضائق تيران بوجه الملاحة الإسرائيلية إلى اندلاع الحرب فى 5 يونيو 1967 بين العرب وإسرائيل، ونجحت مصر بمعاونة اليمن فى فرض حصار على باب المندب خلال حرب أكتوبر 1973 ضد السفن المتجهة إلى مرفأ إيلات والعائدة منه، لكن بعد الحرب اعترفت مصر بحق إسرائيل فى الملاحة فى خليج العقبة ومضائق تيران مع توقيع معاهدة السلام فى مارس 1979. فضمنت بذلك تل أبيب شريانا لتجارتها البحرية مع دول شرق آسيا ودول شرق أفريقيا، وهو ما تم استغلاله بتعميق العلاقات مع هذه الدول خصوصا دولة جنوب أفريقيا فى فترة حكم نظام الأبارتايد (نظام الفصل العنصرى)، كما انخرطت إسرائيل فى الحرب الإثيوبية الإريترية لحصد المكاسب حتى لو أدى ذلك إلى مناصرة كل طرف لفترة معينة.

بعد عقود طورت إسرائيل من استراتيجيتها فى البحر الأحمر، من تأمين الملاحة فى خليج العقبة، إلى التواجد فى جنوب البحر بالقرب من مدخله فى باب المندب، إذ حلل العميد الركن خالد الشيبة، المحلل الاستراتيجى السعودى، استراتيجية إسرائيل فى البحر الأحمر القائمة على نظرية الأمن والحدود الآمنة، وذلك تطويرا للمكتسبات التى حققتها فى العقود الماضية فلم تعد تقف عند نظرية الفصل الجيوستراتيجى بين بلاد العرب، بل عملت على الدفع بأسطول لها فى البحر الأحمر.

وتلخص شيماء منير الوضع الحالى لإسرائيل فى البحر الأحمر قائلة: «استطاعت إسرائيل توظيف حالة الضعف والتمزق العربى بعد أزمة الخليج من أجل دعم وجودها العسكرى فى البحر الأحمر، كما شكل تصاعد خطر أعمال القرصنة وتأثيرها على حرية الملاحة، مبررا قويا لتدخلها، بالإضافة إلى انعكاسات الثورات العربية التى اندلعت منذ العام 2011، وتصاعدت على إثرها الأهمية الجيوستراتيجية للبحر الأحمر، حيث أضحى مسرحا للتنافس الإقليمى والدولى من أجل بسط النفوذ والهيمنة».